نبيل المقدم: التحولات الاستراتيجية في الشرق الاوسط وتجديد الخطاب السعودي

Share to:

نبيل المقدم

شهدت العلاقات السعودية الايرانية في الاسبوعين الاخيرين تطوراً ايجابياً. تمثل في اجتماعات بين الطرفين في العاصمة العراقية، وذلك لبحث القضايا الخلافية بينهما. هذه الاجتماعات والتي ستؤدي في حال نجاحها إلى انفراجات ليس فقط على صعيد العلاقات السعودية الايرانية. انما ايضاَ على مساحة الساحات المتأزمة في المنطقة، والتي شهدت تصعيدأ خطيرا في الفترة الماضية على خلفية الاستراتيجيات المتعارضة، والتي يتبعها كل من البلدين في التعاطي مع القضايا الاقليمية والدولية التي تمس أمنه ومصالحه القومية.

وقد بدا واضحاً من خلال الكلام الاخير الذي أدلى به ولي العهد السعودي “الاميرمحمد بن سلمان” ان العلاقات بين البلدين تتجه إلى مرحلة جديدة تتسم بالهدوء والبعد عن الانفعال، والذي كان ينعكس بصورة واضحة في جبهات الاعلام. وكان واضحا من خلال هذه التصريحات ان هناك نية للتوصل إلى الية خاصة لمعالجة المشاكل العالقة بين البلدين ودفع عملها إلى قدماً نحو الامام.وذلك انطلاقا من المبدأ القائل “ان اطفاء الحرائق لايتم دون الوصول الى مصادر الاشتعال.

مالذي حدث وأدى إلى تغير في المسار. بحيث جعل القيادات في كل من ايران والسعودية تقرران الانتقال من استراتيجية المنافسة إلى استراتيجية التعاون، والذي سيؤدي الى خلق نظام ذي طابع اقليمي لايهدف الى المواجهة مع القوى المؤثرة على الساحة الدولية والاقليمية.

مما لاشك فيه ان المنطقة تعيش اليوم مرحلة مختلفة عما سبقها.وهي مرحلة التسويات الكبرى الامر كان الدافع الاكبر لنظام الحكم في السعودية في ان يعيد النظر في كل السياسات السابقة التي انتهجها، والتي يبدو واضحا انها بنيت على رهانات خاطئة.فالسعودي الذي كان راغبا بالحاح في توجيه ضربة عسكرية اميركية الى ايران وفي توجيه ضربة عسكرية اميركية الى سوريا. وجد أن الولايات المتحدة قد نأت بنفسها عن التورط عسكرياً في هذين الملفين. ففي الملف السوري هي فضلت التفاهم مع الجانب الروسي على قاعدة ايجاد حل سياسي يضمن مصالحها في هذا البلد. اما في الملف الايراني فهي حاذرت التورط عسكرياً ، والذي أن اقدمت عليه سيكون له ارتدادات خطيرة لايمكن لأحد تقويم تداعياتها على المصالح الاميركية في العراق ولبنان وسوريا ودول الخليج العربي. كل ذلك كان كافياً لأن تدرك السعودية ولو متأخرة ان ثمة مستويات في الامن القومي الاميركي تجعلها خارج اطار اي تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة.

صدمة اخرى تلقاها السعوديون وكان لها تأثير اساسي في قرارهم بخفض سقف التوتر مع ايران.فهم بعد أن وجدوا ان الاتفاق النووي الايراني قد عاد للانتعاش مجددا من خلال محادثات فينا. ادركوا ان هذا المحادثات في حال نجاحها ستحظى بمساندة عربية ودولية واسعة.ممايعني بقائهم منفردين في مواجهة النفوذ الايراني في المنطقة.

أفراز أخر لايمكن تجاهله كان له ايضأ تأثير بالغ في تغير المشهد في الرياض.وهو رغبة السعودييين في الخروج من المأزق الذين اوقعوا به انفسهم في اليمن. فنتائج الحرب وفشلهم في تحقيق أي انجازات ميدانية على الارض وانتقال الحوثييين من الدفاع ألى الهجوم، والذي طال منشأت حيوية في عمق الداخل السعودي.كشف واضحاً ان السعوديين لم يكونوا يملكون اي رؤية واضحة للحرب ومسار تطورها في الميدان.فهم بعد أن اعتقدوا ان تشكيل حلف عربي – اسلامي للاشتراك في الحرب اليمينية من شأنه تأكيد محوريتهم كدولة اقليمية وزانة في المنطقة تسمح لهم باقامة توازن اقليمي مع ايران ويوحي بأن هذه الحرب تحظى بمشروعية عربية واسلامية.وجدوا أن الاطراف الفاعلة التي راهنوا عليها في هذا الحلف لتشكل عامل انتصار في هذه الحرب.وهي مصر وتركيا وباكستان. كان لها حسابات اخرى.فجاء مشاركة بعضها متواضعة جدا فيما رفض البعض الاخر مبدأ المشاركة من اساسه لأعتبارات اقليمية وداخلية.

في مقابل هذا النهج السعودي اظهر الايرانيون براغماتية مميزة في التعامل مع موضوع العقوبات التي استهدفتهم، والتي لم تمنعهم من تطوير قداراتهم النووية ولم
تحل دون تمكنهم من تمددهم في المنطقة ،وقد جاء اخيرا الاتفاق الصيني الايراني الاخير ليقضي بشكل نهائي على اي محاولات اميركية لتطويع الايراني واحتوائه من خلال سياسة العقوبات وتشديد الحصار الاقتصادي.

لهذه الاسباب كلها كان قرار الولايات المتحدة هو الانتقال من سياسة المحاور الى سياسة التواصل واقامة محادثات مع ايران تفضي الى الرجوع الى الاتفاق الننوي الايراني على اعتبار انه لم يعد يوجد هناك خيار اخر.هذه الصيغة الاميركية الجديدة في التعاطي مع الملف الايراني. تزامنت مع سياسة الاستدارة شرقاً ،والتي كانت مدار بحث في الادارات الاميركية المتعاقبة منذ زمن، والتي بدأت تظهر نتائجها على الارض مع وصول “جو بايدن ألى البيت الابيض.والذي على ما يبدو شرع في اعادة هيكلة حضور الولايات المتحدة في منطقة الشرق الاوسط وذلك لمصلحة الاستدارة شرقا، وذلك زيادة في التركيز على مواجهة التهديدات الصينية والروسية. قناعة منه بأن المصالح الحيوية المتميزة في الشرق الاقصى وحوض المحيط الهادئ هي باتت اليوم تحكم اداء السياسة الاميركية وتوجهاتها المستقبلية. وذلك وفقا للنظرية التي تقول “ان الدولة البحرية تطوق الدولة البرية وتسقطها من الداخل”. واذا عرفنا ان هناك سبعمئة قاعدة بحرية اميركية حول الصين وروسيا نستطيع ان ندرك الاهداف البعيدة المدى للأستراتيجية الاميركية. وهذا ما دفعه لأتخاذ قرار بأخراج قواته من افغانستان. وذلك في خطوة من المتوقغ ان يليها خروج القوات الاميركية من العراق وسوريا.

كل هذه التطورات دفعت السعودية الى اعادة حساباتها من جديد بحيث وجدت ان افضل للسبل للتعامل مع انكفاء اميركا راعية امنها وحضورها الاقليمي والدولي عن المنطقة.هو الذهاب نحو حجز مقعد لها على طاولة التسويات المفترضة في المنطقة بعد الخلل الكبير في ادائها السياسي الخارجي.

كاتب وصحافي من لبنان

Exit mobile version