عندما وصل أبو فهد جاسم آل ثاني الى بيروت الثلاثاء الماضي، تحدث الإعلام عن “مبادرة قطرية” يحملها الموفد الذي فضّل إبقاء جدول أعماله بعيداً عن الإعلام على عكس ما كان يقوم به الموفد الفرنسي جان إيف لودريان عندما يزور لبنان، لكن العارفين بتفاصيل الملف الرئاسي، يؤكدون أن “لا مبادرة قطرية حتى الساعة في لبنان”.
قلنا سابقاً ان القطريين لن يدخلوا في مبادرة رئاسية ما لم تنته المبادرة الفرنسية، وهذا الموقف يمثل بحسب مصادر سياسية بارزة حقيقة لم تعد مخفية على أحد، مشيرة الى أن ما جاء الموفد “الأمني” القطري لفعله لا يختلف عن زيارات قطرية سابقة كان هدفها استمرار التواصل مع المسؤولين اللبنانيين وتبادل الأفكار معهم وسماع مواقفهم.
ما تقوم به قطر بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية في إيران لا يمكنها القيام به نفسه في لبنان، فبحسب المصادر ما بين إيران وأميركا يتعلق بهما، بينما في لبنان يتعلق الملف بأكثر من جهة وأكثر من دولة، لذلك فإن قطر مقتنعة بصعوبة العمل على الساحة اللبنانية في هذه المرحلة كما عملت خلال مرحلة اتفاق الدوحة منذ 15 عاماً، فالظروف مختلفة كلياً ولا إمكان لتكرار التجربة، التي وللمناسبة لا “تستهضمها” المملكة العربية السعودية.
عانت السعودية من حساسية مفرطة جراء اتفاق الدوحة الذي اعتبر الأول من نوعه بعد اتفاق الطائف، لأنه لم يكتف باتفاق على رئيس للجمهورية بل دخل في تفاصيل النظام والحكم عندما أدخل مفهوماً جديداً على الحياة الحكومية اسمه “الثلث المعطل”، وهو ما صعّب عملية تشكيل الحكومات، لذلك نجد في أي طرح تسوية جديدة يُسأل عن مصير “الثلث المعطل”، لأن المملكة تريد بوضوح إعلان التمسك باتفاق الطائف وإسقاط مفاعيل اتفاق الدوحة، وبالتالي بظل العودة السعودية الى لبنان ستبقى التحركات القطرية مضبوطة.
نجحت قطر في نيويورك في عقد لقاءات منفصلة بينها وبين الإيرانيين وبينها وبين الأميركيين على هامش الأعمال السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك للمرة الأولى بعد نجاح صفقة تبادل السجناء، وكان على طاولة اللقاءات ملفين أساسيين، الأول يتعلق بالبرنامج النووي، والثاني يتعلق بمساعدة إيران لروسيا عبر تزويدها بالمسيرات لحربها في أوكرانيا.
بحسب المصادر فإن قطر مهتمة جدا بالتوصل الى اتفاق بين الاميركيين والايرانيين، ينعكس حتماً على الملف الرئاسي في لبنان، لكن ذلك لا يعني أنها تنتظر فقط هذا الموضوع، فهي حصلت على تفويض من اللجنة الخماسية للتحرك باتجاهين، الأول تقريب وجهات نظر أطراف الخماسية، والثاني التحرك لبنانياً لتهيئة أرضية مناسبة لانتخاب الرئيس.
تؤكد المصادر أن الموفد القطري لم يحمل مبادرة، وبالأساس يجب عدم إطلاق عبارة “مبادرة قطرية” على ما يقوم به الموفدون القطريون، فهذه المرة تعمل قطر تحت مظلة السعودية بشكل أساسي، كما الولايات المتحدة الأميركية، ويجب الاكتفاء بالقول “الطرح الذي تحمله قطر”، مشيرة الى أنه عندما يحين موعد هذا الطرح بشكل جدي، فسيكون في لبنان موفد قطري رسمي رفيع المستوى، ومواكبة إعلامية مختلفة، وهذا ما لم يحن موعده بعد.