إنه الصراع المحتدم. أو الحرب قبل اندلاعها أو الإعلان عنها. منسوب المواجهات يرتفع. حزب الله يعمل على إعادة اثبات قوته، بينما الإسرائيليون ماضون في خططهم، وكأنهم يعتمدون سيناريو يشبه ما اعتمدوه في قطاع غزة مع بداية الحرب، بتمهيد ناري عبر الغارات الجوية الكثيفة، وتلويح بتنفيذ اجتياح برّي.
أهم الثغرات
حزب الله يتجهز لكل الاحتمالات. وهو يقرّ بأن الإسرائيليين وجهوا له ضربات أمنية قاسية، ولديهم تفوق تكنولوجي كبير ولديهم دعم استخباري دولي. ولكن كل هذه الضربات لا تؤدي إلى هدفها، لا بإعادة سكان الشمال ولا بفصل جبهة لبنان عن غزة، والصواريخ تصل إلى حيفا. ما يعني تهجير المزيد من السكان، ولا يمكن إعادة سكان كريات شمونة. ويرى الحزب أن نتنياهو لا يزال يختار المسار التصعيدي، وقد ينتهز أي فرصة لتنفيذ المزيد من عمليات الاغتيال.
وبحسب مصادر قريبة من حزب الله، فقد استفاد الإسرائيليون من ثغرات كثيرة لتنفيذ العملية الأمنية، وإحدى أهم الثغرات كانت استعجال حزب الله في طلب هذه الكمية الكبيرة من البايجرز. وتقول المصادر: “لقد تم شراء أجهزة البايجرز من شركة من تايوان، ليتبين أن الاسرائيليين قد اخترقوا الشركة. وحسب التحقيقات، فقد شك الإسرائيليون بالأمر عندما طلبنا كمية كبيرة، فعمل الاسرائيليون على التخطيط، وفخخوا البطاريات بغرامات لا يمكن اكتشافها بأجهزة المسح العادي”.
لا تزال التحقيقات المستمرة لتتبع مسار ألية العمل الإسرائيلية. أما بما يتعلق بتنفيذ عملية استهداف قادة فرقة الرضوان، فتشير المصادر إلى وجود خطأ بشري، ويبدأ الخطأ من عقد اجتماع لقادة ومسؤولين في الفرقة في مكان واحد في هذه الظروف، وبعد كل ما جرى سابقاً، خصوصاً أنه بعد تحديد موعد الاجتماعات كان هناك مسؤولون خارج بيروت. وعندما بدأوا بالتحرك من المناطق باتجاه بيروت بدأت عمليات رصدهم وتتبعهم، حول المكان الذي يتجهون إليه.
رسالة بواسطة فرنسا
لا ينفي حزب الله أن الضربات حققت إرباكاً كبيراً في لبنان وفي صفوفه، خصوصاً في اليوم الأول مع تفجير أجهزة البايجرز. إذ في حينها حصلت حالة جنون بالتزامن مع حصول التفجيرات وسقوط الإصابات. ولا تخفي المعطيات أن الظّن حينها كان يشير إلى أن هذه العمليات هي مقدمة لتنفيذ عملية عسكرية برّية من قبل إسرائيل. ولكن بعد العملية أرسل الإسرائيليون مع الفرنسيين بأنهم لا يريدون الحرب، وطلبوا الضغط على حزب الله لوقف الجبهة والتراجع والقبول بالحل الديبلوماسي، كي يوقفوا عملياتهم. تلك الرسالة يستند إليها الحزب ليعتبر أن إسرائيل لا تريد الدخول في حرب برّية ولا حرب واسعة. ولو أرادت، لما كانت تعمل على إرسال الرسائل. في قراءة الحزب، أن جل ما تريده إسرائيل هو ممارسة الضغوط الكبيرة عليه.
في قراءة الحزب فإن ما جرى الثلاثاء، الأربعاء والجمعة، هو تعرّضه لمحاولات إخضاع، ويهدف لإيصاله مع بيئته إلى طرح أسئلة كبيرة، إذا كان هناك جدوى لما يتم القيام به. وذلك لتحقيق فصل الجبهات، لأن الهدف الإسرائيلي هو تفكيك الجبهات. ولذا، مارس الإسرائيليون قسوة كبيرة جداً. ففي تفجيرات البايجرز والأجهزة كل حزب الله تضرر، وبعدها جاءت ضربة الجمعة وعملية الاغتيال.. ولكن الحزب نجح في امتصاص الصدمة. وما جرى فجر الأحد هو نقلة جديدة تتضمن مجموعة رسائل يوصلها الحزب، بأنه لن يخضع، وسيستكمل العمليات، ويحاول ترميم الصورة بعد كل الضربات. وهو يقول إن ضرب الضاحية لا يمرّ مرور الكرام.
محاولات تسلل
لا يزال الحزب يعتبر أنه حتى لو تم الذهاب إلى مرحلة جديدة من التصعيد، فسيبقى محصوراً تحت سقوف. لا يسقط حزب الله من حساباته إمكانية لجوء الإسرائيليين لتقدم برّي في منطقة محدودة على الشريط الحدودي للضغط بشكل كبير. ولكنه يؤكد أن هذه العملية ستنقلب عليه. وكل الضربات التي ينفذها الإسرائيليون لمنصات الصواريخ، لمنع الحزب من مواصلة عمليات الإطلاق، تفشل أمام الحزب الذي لا يزال قادراً على تنفيذ المزيد من العمليات. كما أن الإسرائيليين لن يكونوا قادرين على إعادة السكان.
ويكشف الحزب أن الإسرائيليين حاولوا أكثر من مرة القيام ببعض عمليات التسلل، ولكن تم صدهم. والكثير من العمليات حصلت ولم يتم الإعلان عنها. وبحال دخل أكثر، ستفاجئه الصواريخ والعبوات والأفخاخ.
بلا شك أنها مرحلة ستشهد الكثير من التصعيد، والذي سيكون مفتوحاً على احتمالات متعددة، ولا أحد يمكنه التنبؤ بما ستؤول إليه. لكن الرهان على التصعيد يقابل رهاناً على دخول وساطات دولية قوية لوقف الحرب وإرساء حل سياسي أو ديبلوماسي. هنا ثمة رهان أميركي على دور إيراني في دفع الحزب للتنازل. وفي المقابل، يتشاور حزب الله مع الإيرانيين حول عدم قدرته على السكوت أو التنازل.
المصدر – المدن