يدور سؤال في معرض مناقشة إصرار رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، على انعقاد الحوار في المجلس النيابي، والذي يفترض أن يسبق الجلسات الانتخابية المتتالية.. لا جواب له حتى الآن. ينطلق السؤال من فكرة الدافع وراء الحوار، طالما أن الجميع سيذهب إلى الجلسات من بعده. وبالتالي، لماذا لا يختصر الطريق إلى القاعة العامة ولتوزع الكتل أصواتها، ما يتيح مجالاً للنقاشات والمداولات، سعياً بين الأفرقاء لإقناع بعضهم البعض بمرشحيهم.
تتوزع الإجابات على احتمالات عديدة. بعضها يتصل بتهيئة الأرضية الحوارية بين الأفرقاء، ريثما تتوفر معطيات خارجية تنعكس على الواقع الداخلي، وتفتح الطريق أمام التسوية. وبعضها الآخر يعتبر أن الثنائي الشيعي سيكون قادراً على إقناع عدد من الأفرقاء بخيار رئيس تيار المردة، لا سيما أن قوى المعارضة، ولدى مناقشتها في أي اسم ثالث ستذكر اسم قائد الجيش جوزيف عون. ما سيضيف ضغطاً على رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل.
شرط النصاب
بكل الأحوال، وبعيداً عن السجالات دائرة والنقاشات المفتوحة، إلا أنه لدى سؤال مصادر الثنائي الشيعي عن آلية الحوار، ومدته وكيفية انعقاده وما بعده، تقول إن المدة الأقصى للحوار هي سبعة أيام، ويمكن أن ينتهي قبلها والتوجه إلى جلسة انتخابية مفتوحة بدورات متتالية. شكّل هذا الطرح التباساً لدى كثيرين بين الجلسات المتتالية أو الدورات المتتالية، وهنا توضح مصادر الثنائي: “المقصود هو فتح المجلس النيابي وافتتاح الجلسة الانتخابية بدورتها الأولى، على أن لا يتم رفع الجلسة، فتستمر الدورات الأخرى. ولكن تبقى الحاجة في نصابها إلى 86 وليس 65 على الرغم من أن المرشح يحتاج في الدورة الثانية إلى 65 صوتاً للنجاح. ولكن يجب توفر 86 نائباً كنصاب دستوري”.
لا شيء حينها يمنع النواب من ممارسة حقهم الدستوري في تعطيل النصاب مثلاً. ولذلك، ولتجنب مثل هذا الإجراء الذي سيؤدي إلى تعطيل الجلسة المفتوحة بدوراتها المتتالية، لا بد من الذهاب إلى الحوار، الذي سيضع النقاط على الحروف، ويحرج القوى، لأن الغاية من الحوار هي الوصول إلى تثبيت النصاب وتوفيره. علماً أن الحوار يمكن أن يخرج عنه إسم توافقي، بحال نجح أحد الأطراف بإقناع الطرف الآخر، أو مجموعة أسماء يتوجه بها كل طرف إلى صندوق الاقتراع، وهذا يحرم من يريد التعطيل من ذلك، طالما أن الحوار كان قد حصل مسبقاً”.
الثنائي والثبات
لا يزال رئيس مجلس النواب نبيه بري يصرّ على عقد الحوار، وهو ينتظر توفر الظروف الملائمة لذلك، والحصول على موافقة أكثرية الكتل. المسألة ترتبط بموقف التيار الوطني الحرّ الذي أعطى إشارات إيجابية مؤخراً، وبحال وافق ستتم الدعوة وسيعقد الحوار بمن حضر، وإن غابت القوات اللبنانية وحزب الكتائب.
لا يعتبر الثنائي أن المبادرة الفرنسية قد سقطت، وبغض النظر عن المواقف التي أطلقها المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان رداً على أسئلة، أو بنتيجة إلحاح عدد من النواب، بتجاوز ترشيح سليمان فرنجية وجهاد أزعور، إلا أن الموقف بالنسبة للثنائي لا يزال مغايراً، وهو مبني على استمرار التواصل والتنسيق مع الفرنسيين. فيما النقطة الأخرى الأساسية، أنه حتى لو تغير الموقف الفرنسي فذلك لا يعني أن موقف الثنائي سيتغير، بل التمسك قائم بترشيح فرنجية، ولم يتم الوصول إلى أي وقت يشير إلى ضرورة البحث عن مرشح آخر.
ضد قائد الجيش
بنظر الثنائي أن فرنجية قادر على تحقيق توزان من خلال علاقته بالقوى في الداخل والخارج، ووصوله، يتيح إراحة عملية تشكيل الحكومة بالنسبة إلى الطرف الآخر. يقلل الثنائي، من إمكانية وصول حوار حزب الله والتيار الوطني الحرّ إلى اتفاق حول اللامركزية المالية والإدارية الموسعة والصندوق الإئتماني، فيما هناك من يقرأ بإيجابية مواقف باسيل بالحصول على تعهد من الرئيس الذي سينتخب بالعمل على إقرار هذين الملفين. وبالتالي، هذا يفتح الباب أمام عدم انتظار انتهاء الحوار والوصول إلى توافق وإقرار القوانين الخاصة بالمشروعين للذهاب إلى الانتخاب. لا تشكيك لدى الثنائي بأن الوصول إلى أي تفاهم سيكون بحاجة إلى وقت طويل. مع الإشارة إلى ظرف موضوعي يجمع الطرفين على رفض انتخاب قائد الجيش. وهنا تقول المصادر إن كل التحليلات التي بنيت حول لقاء قائد الجيش جوزيف عون برئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد، لم تكن صحيحة، ولا ترتبط برئاسة الجمهورية. كما أن التوافق بين باسيل والحزب على رفض انتخاب قائد الجيش، قادر على توفير العدد الكافي لتعطيل النصاب وعدم تعديل الدستور، هذا لا ينفصل عن مواقف أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه برّي سابقاً برفض تعديل الدستور.
يعتبر الثنائي أنه يمسك بالكثير من الأوراق التي لا تزال قادرة على تغيير الوجهة الرئاسية، بما فيها أي ملفات تهم القوى الدولية، ولا سيما ملف ترسيم الحدود، مع الإشارة إلى أن المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكشتاين عندما زار لبنان مؤخراً، تحدث بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، ويعتبر أن الوصول إلى اتفاق حول ترسيم أو تحديد أو إظهار الحدود يحتاج إلى وجود رئيس للجمهورية. وهذا سيكون دافعاً أساسياً في أي مفاوضات لاحقة. ولذلك لا تنازل عن ترشيح فرنجية. أما تعليقاً على الكلام حول انسحابه، أو عدم القدرة على إيصاله، فهناك من يجيب: “فليراجعوا تجربة ميشال عون وكم سيقت حينها الكثير من التحليلات حول البحث عن مرشح آخر، وهو لم يحصل”. أما لمن يقولون بأن الحزب قد يرضى بإسم بديل عن فرنجية بشرط أن يكون وسطياً وقريباً منه، فيأتي الجواب: “عندما أصبح فرنجية رئيساً مع وقف التنفيذ في العام 2015 ومعه حوالى 75 صوتاً، لم يوافق الحزب على دعمه وأصر على ترشيح عون، إلى أن توفرت ظروف انتخابه”.