تتقاذف الحكومة والمجلس النيابي المسؤولية عن عدم إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية في مواعيدها الدستورية، ويجتمع كلّ منهما اليوم الثلاثاء قبل الظهر بهدف التمديد للمجالس البلدية في مجلس النوّاب ، لإيجاد التمويل المناسب لها في مجلس الوزراء ما بعده… فيما القرار السياسي بات معلوماً وهو عدم إجراء الإنتخابات في موعدها… وصحيح بأنّها ليست المرّة الأولى التي يتمّ فيها التمديد للمجالس البلدية والاختيارية، على ما يُتوقّع، غير أنّ إرجاء الإنتخابات البلدية والإختيارية في المرحلة الراهنة التي يسود فيها الفراغ الرئاسي، والجمود الحكومي، وعدم التشريع في مجلس النوّاب هو غير دستوري، سيما وأنّ المجالس الحالية ممدّد لها منذ العام الماضي، ويؤثّر ذلك سلباً على معاملات المواطنين وتسيير شؤونهم من قبل السلطات المحلية المتمثّلة بالبلديات والمخاتير.
تقول مصادر سياسية عليمة، بأنّ المسؤولين المعنيين قد تحدثّوا مراراً وتكراراً عن الجهوزية التامّة لإجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية، في انتظار أن تؤمّن الحكومة الإعتمادات اللازمة التي قُدّرت بـ 9 ملايين دولار. وجرى تحديد مواعيدها من قبل وزير الداخلية والبلديات بسّام مولوي، على أن تبدأ في 7 أيّار المقبل في محافظتي الشمال وعكّار، وفي 14 منه في جبل لبنان، وفي 21 منه في دوائر محافظات بيروت والبقاع وبعلبك – الهرمل، وتُختتم في 28 في محافظتي الجنوب والنبطية. إلّا أنّ ثمّة أمرا قد جرى إغفاله وهو أنّ موزانة العام 2022 جرى إقرارها من دون أن تلحظ إعتمادات هذه الإنتخابات، رغم أنّ موعدها في أيّار المقبل كان معروفا سلفاً، إذ تمّ التمديد للمجالس الحالية في آذار من العام الماضي (2022)، وذكر قانون التمديد أنّ عمل المجالس يستمرّ حتى 31 أيّار من العام الحالي (2023). وأعطيت حينها أسباب عدّة لهذا التمديد منها لوجيستي ومالي، فضلاً عن تزامن موعد انتهاء ولاية المجالس مع إجراء الإنتخابات النيابية في حينه.
وترى المصادر بأنّ الإنتخابات البلدية والإختيارية هي من الإستحقاقات الديموقراطية المقدّسة، بالمعنى الدستوري، إذ تحترم قاعدة تداول السلطة، وانتظام عمل المؤسسات، فضلاً عن مبدأ المحاسبة والمساءلة من قبل الناخبين للهيئات المحلية. أمّا إرجاء هذه الإنتخابات فهو يدخل ضمن مخالفة المبدأ الدستوري القائم على دورية الإنتخابات. غير أنّه في حال الإستحالة الفعلية اللوجيستية والمالية، فلا بدّ من ألّا يجري التمديد للمجالس نفسها لعام إضافي، إنّما تأجيل الإنتخابات لأشهر عدّة، ريثما يتمّ خلالها انتخاب رئيس الجمهورية، على أن تُجرى بعد حصول الإستحقاقات اللاحقة من تشكيل حكومة جديدة ونيلها الثقة الخ…
وتخشى المصادر نفسها من وقوع الفراغ على مستوى الهيئات الناخبة، سيما وأنّه يدمّر عمل المؤسسات المحلية، ويؤثّر سلباً على المعاملات اليومية للمواطنين. فالمادة 24 من قانون البلديات تذكر أنّ صلاحيات المجالس البلدية تُناط بالقائمقامين أو المحافظين، في حال حلّ المجلس البلدي، لكنّها لا تنصّ على حالة انتهاء الولاية من دون إجراء الإنتخابات البلدية. وفيما يتعلّق بعمل المخاتير، فليس من أي قانون ينصّ على حلول أي أحد مكانهم. ولهذا، يُمكن القول بأنّ عدم إجراء الإنتخابات البلدية والاختيارية وعدم إقرار قانون لتمديد الولاية، سيؤدي الى فراغ كبير في وضع البلديات والمخاتير، إذ ستتعطّل معاملات الناس والشؤون المحلية بشكل مطلق، وسيكون هذا الأمر واقعاً صعباً وغير مسبوق.
وبرأي المصادر، إنّ المسؤولين المعنيين يتحمّلون كامل المسؤولية عن عدم تأمين المستلزمات اللوجيستية والمالية لإجراء الإنتخابات البلدية، علماً بأنّهم أكّدوا، لا سيما رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي والوزير مولوي مرّات عدّة، بأنّ المبالغ اللازمة لإجرائها والتجهيزات اللوجيستية مؤمنة. غير أنّ الواقع أظهر أخيراً أنّ التمويل غير متوافر، رغم وعد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بدفع قسط من الأموال المطلوبة، ورغم وجود مبلغ متبقٍّ من حقوق السحب الخاصة التي حصل عليها لبنان من صندوق النقد الدولي (بقيمة مليار و139 مليون دولار) يصل الى نحو 400 مليون دولار أميركي، بعد أن أنفقت الحكومة الكثير من حقوق السحب التي وعدت بعدم المساس بها وصرفها على أمر مهم. فضلاً عن أنّ دوائر النفوس شبه مقفلة، والقضاة غير مضمون حضورهم لمتابعة العملية الانتخابية، فيما المعلّمون المنخرطون في العملية الإنتخابية في حالة إضراب.
وأوضحت المصادر عينها أنّ التمديد للمجالس البلدية والإختيارية سيتمّ بموجب قانون يقرّه البرلمان ويُنشر في الجريدة الرسمية. ومن المعلوم بأنّه كأي قانون يُمكن الطعن به من قبل 10 نوّاب أو من قبل رئيس الجمهورية في حال كان موجوداً في منصبه، أو رئيس الحكومة أو رئيس البرلمان، من خلال تقديم مراجعة طعن لدى المجلس الدستوري خلال 15 يوماً من نشر القانون يُطلب فيها إبطال القانون. وقد لوّح رئيس «القوّات اللبنانية» سمير جعجع أمس الإثنين بالطعن بهذا القانون في حال جرى اتخاذه اليوم في مجلس النوّاب.
وفي حال جرى تقديم الطعن من قبل «القوّات اللبنانية» أو أي كتلة أخرى، تقول المصادر بأنّه يعود للمجلس الدستوري أن يُمارس عندها رقابته، لمعرفة اذا ما كان يتلاءم أو يتعارض مع احكام الدستور، وإذا كانت المبرّرات المقدّمة لتبرير تمديد ولاية المجالس البلدية والإختيارية في مكانها الدستوري والقانوني، أم أنّ هذا الأمر ليس سوى ذريعة لمنع إجراء العملية الإنتخابية لأسباب كثيرة. كما يتعيّن على المجلس الدستوري ممارسة رقابته أيضاً على مدّة التمديد، وإذا ما كانت تقنية ولضرورات التحضير لإجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية أم هي تمديد سياسي غير مبرّر ويهدف الى اجهاض العملية الديموقراطية.
ومن المعلوم، أنّ هناك حالياً في لبنان 1059 بلدية، من بينها 108 بلديات منحلّة يديرها القائمقام أو المحافظ، و31 منها مستحدثة تمّ إنشاؤها بعد العام 2016، يديرها أيضاً القائمقام أو المحافظ، فضلاً عن وجود 3018 مختاراً، ولهؤلاء دور مهمّ في تسيير شؤون المواطنين إذ لا يُمكن لأي جهة أو أحد أن ينوب عنهم أو يحلّ محلّهم.