سعر صرف الدولار ثابت منذ عدة اشهر. ومن غير المعروف لماذا استقر الدولار على منصة مصرف لبنان عند 85500 ليرة، ولماذا يستقر في السوق الموازية عند حوالى 89500 ليرة؟ هل هذه الاسعار تعبر فعلاً عن العرض والطلب بشفافية مطلقة ومن دون تدخل من مصرف لبنان؟ الجواب، لا ! معطى آخر: في ظروف طبيعية، قد يكون سعر صرف الدولار وفق العوامل الحالية ذات الصلة التي يتحكم بها مصرف لبنان (لا سيما الكتلة النقدية بالليرة) بين 55 و65 ألف ليرة وليس بين 85 و90 ألف ليرة. وهذا ما أكده مطلعون في السوق النقدية لـ»نداء الوطن».
في المقابل، هناك في مجلس النواب حالياً مشروع لموازنة 2024، وفيه اعتماد لسعر 89 ألف ليرة. علماً ان كثيراً من الرسوم والضرائب ليست محسوبة على اساس هذا السعر الذي سيتحول الى قانون مع اقرار الموازنة. وهذا ما اقر به حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري عندما حضر الى مجلس النواب قبل اسابيع مشاركاً في اجتماع للجنة المال والموازنة، إذ قال ان تحديد سعر الصرف هي مسألة حكومية! مع الاشارة الى ان الحاكمية الجديدة لمصرف لبنان تستمتع بالوضع القائم الذي استطاعت بموجبه تحقيق استقرار نقدي ما. وقد تسأل نفسها لماذا ستطلق منصة غير مضمونة النتائج؟
إذا نحن امام «شرباكة» تعود بنا الى السؤال البديهي: كيف يحدد سعر الصرف؟ ومن يحدده؟ وكيف؟
منصة «غودو»
في الاثناء، لم تحجب الأحداث الجارية في المنطقة وجنوب لبنان، السؤال عن مصير منصة «بلومبرغ»، خصوصاً أنه جرى تأخير اطلاقها أكثر من مرة، منذ استلام الدكتور وسيم منصوري دفة حاكمية مصرف لبنان خلفاً (بالإنابة) للحاكم السابق رياض سلامة. أحد الخبراء يشبه الأمر بكذبة Godot مقترحاً أن تسمى المنصة باسمه، بدلاً من اسم وكالة «بلومبرغ» التي تتمتع بسمعة عالمية ممتازة، لأن الطريقة اللبنانية في ادارة الامور ولا سيما على الصعيد النقدي والمصرفي والمالي، تضرب المعايير المهنية المتبعة دولياً، كما أثبتت تجربة الانهيار المستمرة منذ اكثر من 4 سنوات.
ماذا عن الاصلاحات؟
بحسب الخبراء عندما يوضع الدولار مقابل الليرة على منصة بلومبرغ يعني تحرير سعر الصرف. فهل تمّ اتخاذ الاجراءات المطلوبة لعدم تدهور سعر الصرف الليرة مقابل الدولار اكثر، أي تنفيذ الاصلاحات المطلوبة؟ الى الآن لا يبدو ذلك. بل ان الاصلاحات طي الاهمال والتأجيل والعرقلة لا سيما في مجلس النواب، ما يشي ببساطة انه ليس هناك نية للاصلاح من قبل المنظومة السياسية – المصرفية التي تتسلم زمام الامور. علماً أنّ الحاكمية الجديدة نجحت في ضبط تقلبات سعر الصرف من دون تكبّد خسائر كالتي كان تكبدها البنك المركزي أيام رياض سلامة، وضبطت الكتلة النقدية المتداولة بالليرة حالياً بين 54 و55 تريليون ليرة، بعدما كانت اقتربت من 85 تريليون ليرة في عهد سلامة.
الإطلاق ليس قريباً
يلفت الخبراء الى أن هناك ادلة تقنية تشير الى أن اطلاق المنصة ليس قريباً، منها عدم حضور أجانب من بلومبرغ الى لبنان لتدريب المعنيين (مصرفيون وصرّافون وموظفون في مصرف لبنان)، على كيفية استخدام هذه المنصة الموعودة التي تتميز عن «صيرفة» بأنها مفتوحة (بشكل مباشر او غير مباشر) لمن يرغب في بيع الدولار وشرائه في السوق، في حين أنه على منصة «صيرفة» كان مصرف لبنان هو البائع الوحيد. وفي منصة بلومبرغ أيضاً يجب أن يكون هناك من يشتري ويبيع يُطلق عليه اسم «صانع السوق»، ليوفّر سيولة يتم تداولها على المنصة، ودفتر الطلبات أي الشراء والبيع يكون معروضاً بشفافية، على عكس ما كان على منصة «صيرفة» حيث كان مصرف لبنان وحده يصدر السعر الرسمي بطريقة مشبوهة لا يعرف عنها الا قلة قليلة من المعنيين.
تحديد السعر الوسطي
يوافق الخبير المصرفي والاقتصادي غسان عياش، على أنه لا يمكن التكهن بموعد اطلاق منصة بلومبرغ في لبنان، شارحاً لـ»نداء الوطن» أنه «لا يمكن انشاء منصة من دون set up تقني خاص. فمنصة بلومبرغ لا يمكن أن «تحرر» سعر الدولار الا عبر مقارنة عمليات البيع (للدولار) مع عمليات الشراء ويتم «تثقيلها» لاعطاء سعر وسطي ينشر على المنصة، ويتم اعطاء تقارير دورية عن هذا السعر بحسب المدة الزمنية التي يتفق مع مصرف لبنان عليها».
أين العقدة؟
يشدّد عياش على أن «العقدة الاساسية لانتاج هذه العملية تكمن في مصدر المعلومات الذي سيزود المنصة بسعر الدولار، هل هو المصرف المركزي أو المصارف التي تلتزم بسعر المركزي ولا تشتري وتبيع الا لزبائنها؟»، مشيراً الى أنه «بحسب معلوماته من المسؤولين عن بلومبرغ، لم يتخذ الى الآن القرار من هي الجهة التي ستزود الوكالة بسعر الدولار في السوق، هل هم صرّافو فئة أولى؟ ام كل الصرافين في لبنان؟ بعد تحديد الجهة يمكن لبلومبرغ الدخول الى السوق اللبناني وتعطي الطريقة للاستحواذ على هذه المعلومات».
عقدتان
يضيف: «هناك نقطتان لا تزالان عالقتين. الاولى ما هي مصادر المعلومات، والثانية ما هي طريقة الاستحواذ على تلك المعلومات التي يجب ان تستند الى طريقة الكترونية تلقائية، تزود بالمعلومات عن العمليات المصرفية التي تحدث في السوق (عند الصرافين والمصارف)، وتجمع المعلومات وتثقّلها لبلومبرغ. عندها يمكن للوكالة وضع سعر وسطي لجميع الاسعار المثقّلة»، مستدركاً بالقول إن «طريقة الاستحواذ متاحة تقنياً وليس هناك امر صعب في لبنان على المستوى التقني، لكن يجب الاتفاق على طريقة استحواذ المعلومات، بعدها يتم نشرها عبر فتح صفحة على منصة بلومبرغ خاصة بلبنان لاسعار الدولار».
التأخير سياسي
يعبّر عياش عن اعتقاده أن «سبب التأخير ليس سياسياً، فتقنية الاستحواذ معروفة ولكن لم يتوصلوا بعد الى قرار لتنفيذها وتحديد كم تحتاج من الوقت. في الحالات الطبيعية يمكن لهذا الامر ان يتم في مدى 6 أشهر بالاضافة الى فترة تجريبية قبل ان يتم نشر المنصة للعامة»، جازماً بأن «ما يعرفه أنه لم يتم الاجتماع بعد مع مسؤولي بلومبرغ للاتفاق على طريقة التنفيذ. هناك اتفاق مبدئي مع بلومبرغ على تأجير لبنان مساحة لاعلان سعر الدولار عبر المنصة لما تتمتع به من مصداقية، واحتساب السعر امر سهل بالنسبة لها خصوصاً أن سوق لبنان ليس كبيراً».
ويختم: «بلومبرغ لا تملك صفة تنفيذية في السوق اللبناني، وتحتاج الى ان يفرض البنك المركزي على الجهات المعنية (مثل الصرافين) التعاون مع الوكالة من خلال اصدار تعاميم، وهذا الامر لم يحصل ولا يمكن توقع موعد حدوثه، وربما لا عجلة في الاتفاق على هذه الآلية بسبب استقرار سعر الصرف في السوق السوداء».
تجفيف الليرة
من جهته يؤكد المستشار المالي ميشال قزح لـ»نداء الوطن» أن «لا معلومات دقيقة عن موعد انطلاق المنصة، لكن ما يعرفه أن الفائدة السنوية على الليرة وصلت الى مئة بالمئة في السوق ويتم احتسابها بشكل يومي»، لافتاً الى أن «هذا يعني أن البنك المركزي يجمع الليرات من السوق مقابل الدولارات. وهناك اصحاب مصارف ومصرفيون يبيعون دولارات مقابل الليرة، ويتم ايداعها في الحساب لقبض هذه الفائدة الباهظة (100 بالمئة). مما يزيد في الاحتياطات ويقلّص حجم الكتلة النقدية بالليرة».
طريقة غير ناجعة
ويعتبر أن «هذا الأمر تحضير لانطلاق المنصة بحيث يهدف المركزي لتخفيف المضاربة حين يتم اطلاق المنصة»، جازماً بأن «هذه الطريقة غير ناجعة لأن الحسابات التي يتم انشاؤها هي جارية وغّب الطلب، بينما المطلوب اعطاء الفوائد على الحسابات المجمدة على الاقل ستة أشهر أو سنة. وهذا سيترجم لاحقاً في حال انطلقت المنصة بشراء للدولار من قبل أصحاب الحسابات بالليرة». ويختم: «عندها سيضطر مصرف لبنان للتدخل من الاحتياطات التي يجمعها حالياً، فنبقى عالقين في حلقة مفرغة».