منذ أن نفّذ حزب الله ردّه على اغتيال القيادي فؤاد شكر واستهداف الضاحية الجنوبية لبيروت، تراجعت حدّة الاشتباكات في جنوب لبنان. ولهذا أسباب كثيرة، قد يكون أحدها إعادة تموضع الطرفين عسكرياً، أو الدخول في مرحلة استراحة محارب والتحضير لمرحلة مقبلة، أو أن الجانبين قرأ كل منهما الوقائع العسكرية لدى الطرف الآخر. وهو ما يحتاج إلى إعادة اعتماد تكتيك جديد. ولكن أيضاً من جانب آخر هناك من لا يسقط فرضية تثبيت قواعد اشتباك هادئة، تمنع اتساع رقعة المواجهة، وفق المسار الذي كان يسعى إليه الأميركيون منذ فترة طويلة. وبالتالي، العودة إلى الضربات المتبادلة ضمن حدود معينة ولكن بأقل كثافة نارية.
إن حصل ذلك فهو يعني الانتقال إلى مرحلة سياسية جديدة، ترغب دول عديدة في المسارعة للإعلان عنها، وهي إرساء قواعد اشتباك تضمن عدم تفجر الأوضاع بين إسرائيل وحزب الله، بانتظار الوصول إلى وقف إطلاق النار في غزة. الأكيد أن جهات دولية وعربية كثيرة دخلت على خطّ تخفيف ردّ حزب الله. حتى أن الأمين العام للحزب قد مرر مواقف متعددة أشار فيها إلى عدم وجود أي نية لدى الحزب في التصعيد، إلى جانب إعلانه عن إزالة الصواريخ الدقيقة والبالستية والمسيرات من جنوب الليطاني.
تقويض الدولة الفلسطينية
في الوقت الذي تراجعت فيه حدة المواجهات في الجنوب، تقدّمت الضفة الغربية المشهد، ولا سيما من خلال العملية العسكرية الإسرائيلية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في شمال الضفة، والتي ربما تكون مفتوحة على احتمالات متعددة، إما عملية أمنية تحتاج إلى وقت لإزالة ما يسميه الإسرائيليون التهديدات الأمنية، أو فتح مسار لمعركة طويلة وحرب مفتوحة لتحقيق أهداف لم تخفها تل أبيب منذ سنوات، لا سيما أن المشروع المعلن عنه هو توسيع الاستيطان وتقويض أي مقوم من مقومات بناء دولة فلسطينية، وهو ما يتطابق مع التشريعات والقرارات التي تتخذها الحكومة اليمينية وتمريرها في الكنيست حول بناء مستوطنات جديدة أو رفض إقامة الدولة الفلسطينية.
أمام هذه الوقائع، فإن الإسرائيليين يعملون على تغيير الوقائع الميدانية والجغرافية، بدءاً من قطاع غزّة، وصولاً إلى الضفة الغربية، تحت عنوان المشروع الاستراتيجي الكبير لتهجير الفلسطينيين من القطاع ومن الضفة. إنها حرب غايتها تغيير الخرائط السياسية والديمغرافية في فلسطين، علماً أن لبنان لن يكون بمنأى عنها في إطار الصراع الكبير الذي أعلنه نتنياهو من الكونغرس، ورد عليه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله على طريقته بالقول إن هزيمة المقاومة ممنوعة لأن هذه الحرب ستغيّر وجه المنطقة. والمقصود بالتغيير هنا هو الصراع على وجهة المنطقة سياسياً وديمغرافياً وجغرافياً أيضاً.
منع الهزيمة
ما يعتبره حزب الله هو أن أي هزيمة للمقاومة في غزة سيتم استكمالها بحملة سياسية وعسكرية باتجاه لبنان في محاولة لضربه وإضعافه. ولذلك هو يخوض الحرب أو المواجهة بهدفين، الأول هو الزود عن المقاومة في غزة، والدفع الاستباقي لأي حرب قد تشنّها إسرائيل عليه لاحقاً، لا سيما أن كل الأجواء الدولية والإقليمية بعيد عملية طوفان الأقصى، أشارت إلى أن هناك قراراً إسرائيلياً بالعمل على شنّ حرب في غزة، وبعدها الانتقال نحو الضفة وبعدها لبنان. وبالتالي، هذا ما لا يزال احتماله قائماً اليوم، وفي حسابات الحزب أنه خاض المعركة في سبيل تشكيل عنصر ردعي لتجنب أي حرب قد تقدم عليها إسرائيل.
المشروع الفلسطيني
مما لا شك فيه أن التحول العسكري الإسرائيلي باتجاه الضفة الغربية، تقدّم على جبهة لبنان، وهدفه بالنسبة إلى الإسرائيليين تغيير الوقائع على الأرض بالمعاني السياسية والعسكرية. يعتمد الإسرائيليون منهجياً على ضرب أي مسار للحلّ السياسي أو لليوم التالي في غزّة أو في الضفة، بهدف تغيير الخرائط السياسية والعسكرية وحتى الجغرافية، وهو ما يحتاج إلى إعادة تغيير الخرائط السياسية على الساحة الفلسطينية، بهدف إفشال المشروع الإسرائيلي إما في غزة أو في الضفة، وسط مسار تفاوضي قد فتح على أكثر من مستوى بين السلطة الفلسطينية من جهة وحركة حماس والفصائل المقاومة من جهة أخرى.
جانب من هذه المفاوضات يحصل برعاية إقليمية ودولية، حول الوصول إلى اتفاق لإدارة المعابر في قطاع غزة. وحسب ما تشير مصادر متابعة، يتم البحث بين فتح وحماس من أجل الوصول إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، وتؤلف من وزراء التكنوقراط. بشكل تكون حماس ممثلة فيها.
وتضيف المصادر، أن هناك براغماتية تمارسها حماس في سبيل الوصول إلى صيغة سياسية ملائمة، مع الاحتفاظ بحق الوجود وتحقيق دولة فلسطينية أو تشكيل حكومة تكون حماس مشاركة فيها.
منير الربيع – المدن