حين اهتز لبنان في فبراير من العام الماضي جراء زلزال مدمر مركزه جنوب تركيا وشمال سورية، وعاش سكان لبنان رعبا ما بعده رعب وسكن الهلع من زلازل لاحقة، أطلت يومها مديرة المركز الوطني للجيوفيزياء في لبنان مارلين البراكس لتطلب الأخذ بإرشادات الدفاع المدني في مثل هذه الحالات، ومن ضمنها تجهيز الأمتعة والحقائب ووضع المال وجواز السفر فيها لمغادرة المنزل على عجل حال وقوع أي هزة أرضية قوية.
أما لماذا هذا الكلام اليوم، فلأن منازل الجنوب اللبناني اهتزت منذ صباح الاثنين الماضي وأمطرها الطيران الحربي الإسرائيلي بنيرانه الثقيلة والعشوائية، فكانت عملية نزوح جماعية في ساعات قليلة غير مسبوقة في تاريخ الحروب اللبنانية، عدة المعنيين بها كما في زمن الزلازل هي: حقيبة قوامها بالدرجة الأولى دولارات في ضوء دولرة الاقتصاد والرواتب منذ أكثر من سنة والتراجع الكبير في استخدام الليرة اللبنانية بعد فقدان قيمتها، أوراق ثبوتية وجواز سفر وأدوية.
ويروي نازحون جنوبيون وهم أرباب عائلات لـ «الأنباء» أن «نزوحهم هذه المرة جرى بسرعة قياسية، لأن ضربات العدو المجنونة لم تمهلهم أكثر من ساعة أو ساعتين لحزم أمرهم والفرار على عجل بسياراتهم دفعة واحدة وبتوقيت واحد في طابور هائل من قرى الجنوب باتجاه بيروت»، مؤكدين أن «سياراتهم وخلافا للمرات السابقة لم تحمل على متنها فرشا وجزءا من أثاث المنزل، وإنما فقط الحاجات الأساسية وكل الدولارات المخبأة في المنازل (هذا إذا توافرت لدى الطبقة المصنفة في خانة الفقر المدقع، مادام الفقر درجات وفق الخبراء). ويقول أحد النازحين من ذوي الدخل المحدود ومن العاملين في القطاع الزراعي والذي انتقل من الجنوب إلى بيروت على متن جرارة زراعية أو ما يعرف بـ «البيك – آب»، إنه حمل بطاقة هويته، لكنه لا يملك جواز سفر ولم يسبق أن غادر لبنان لأن «وضعه على قده» ولا يعتاش إلا من أرضه.
ويقول نازح آخر إن زوجته التي أصيبت بالهلع لهول القصف الإسرائيلي، نسيت جلب بطاقة هويتها لدى مغادرة المنزل، لكنها في المقابل جلبت معها «الصيغة» (المقصود بالكلمة ما تملكه من ذهب ومجوهرات).
وبحسب نازحين جنوبيين تخولهم إمكاناتهم «الدولارية» استئجار مساكن مؤقتة لهم في أماكن آمنة، فإن «بدل الإيجار تفاوت تبعا لضمير المالك لأن مستغلي الأزمات ينشطون في مثل هذه الأيام، وثمة من طلب بدلات باهظة تصل إلى 600 أو 700 دولار في الشهر الواحد، مقابل من اكتفى بطلب 200 أو 300 دولار في الشهر من باب المؤازرة والتفهم والتعاطف».
وفي المقابل، أظهرت الوقائع أن بعض المالكين آثروا عدم تأجير منازلهم خشية إقامة طويلة للنازحين فيها تفرضها حرب مفتوحة وطويلة الأمد، علما أن التجارب السابقة دلت وآخرها في حرب يوليو 2006 على أن اليوم الذي انتهت فيه الحرب في 14 أغسطس، عاد 90% من أبناء الجنوب إلى بلداتهم، ومن تهدم منزله نصب خيمة بالقرب منه وأقام فيها، والسؤال اليوم: هل يتكرر هذا المشهد مع النازحين الجنوبيين فور وضع الحرب أوزارها؟
بولين فاضل – الانباء الكويتية