حاولت الولايات المتحدة الأميركية عبر وسيطها في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود بين لبنان و”إسرائيل” آموس هوكشتاين الذي زار بيروت يوم الخميس الفائت لساعات، تحييد أو القفز فوق “مزارع شبعا” في طرحها للحلّ الشامل للصراع العربي- الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط. والسبب الرئيسي يعود لمطالبة “إسرائيل” بتحرير الأرض بما فيها تلال كفرشوبا والقسم الشمالي من قرية الغجر، ونقطة الـ “بي. وان” والنقاط الـ 13 التي يتحفّظ عليها لبنان، ولاحقاً من مزارع شبعا إذا كان هذا مطلب لبنان الرئيسي، مقابل عدم تواجد حزب الله في منطقة جنوبي الليطاني بهدف تأمين أمن المستوطنات الشمالية في الأراضي الفلسطينية المحتلّة. كما تحدّث الموفد الأميركي عن إمكانية ليس وقف التصعيد على الجبهة الجنوبية وتوسيع الحرب لتشمل لبنان بالكامل فقط، إنّما عن إنهاء المواجهات العسكرية، أي تهدئة الجبهة الجنوبية فوراً قبل وقف الحرب في غزّة، بعد أن دخل العدو في المرحلة الثالثة منها. الأمر الذي رفضه لبنان الرسمي سيما وأنّ العدو الإسرائيلي لا يؤتمن له، وهو لا يحترم المواثيق والقرارات الدولية ليطبّقها.
أوساط ديبلوماسية مطّلعة أكّدت بأنّ المسؤولين اللبنانيين الذين استمعوا الى هوكشتاين، كان موقفهم مًوحّداً، الأمر الذي سهّل عليه مهمّته الديبلوماسية. فقد رفض لبنان التهدئة في لبنان فقط كونه أمراً غير منطقي، في الوقت الذي يستمر فيه القتال في غزّة. وطالب بوقف إطلاق النار في غزّة بالتوازي مع إنهاء المواجهات العسكرية جنوبي لبنان، لكي يتمكّن من الخوض في المفاوضات حول الحدود البريّة الدولية للبنان. وطالب بأن يقوم العدو بتنفيذ كلّ الإتفاقيات والقوانين الدولية، بدءاً من اتفاق الهدنة لعام 1949، وتثبيت الحدود اللبنانية البرية مع فلسطين المحتلة المرسّمة منذ العام 1923، وصولاً الى تطبيق القرار 1701 وما قبله من قرارات أممية ذات الصلة مثل القرار 425.
وتقول إذا كان الولايات المتحدة ترى بأنّ الحلّ المستدام لإنهاء الصراع اللبناني- الإسرائيلي، والفلسطيني- الإسرائيلي يُمكن أن يحصل على مراحل، فإنّ لبنان الذي دخل في “حرب محدودة” مع العدو عند الجبهة الجنوبية، إثر عملية “طوفان الأقصى” لا يُمكنه إيقافها ما لم ينتفِ السبب الذي أشعلها أي وقف إطلاق النار في غزّة أولاً. فحزب الله بدأ المواجهات العسكرية على الجبهة الجنوبية للإشغال والإسناد، وإذا توقّفت هذه المواجهات قبل وقف الحرب في غزّة، فإنّ مثل هذه الخطوة ستساعد العدو في استكمال حربه على جبهة واحدة، وفي تحقيق النصر، الأمر الذي لا يُمكن أن يقبل به “حزب الله” الذي فتح الجبهة لنهيه عن الإنتصار في غزّة.
وفيما يتعلّق بتهدئة الجبهة أو تبريد الحرب، فأشارت الأوساط نفسها الى انّ وقف التصعيد في غزّة، من شأنه أن ينعكس تلقائياً على وتيرة المواجهات في جنوب لبنان. فإذا كانت “إسرائيل” تريد جبهة لبنان، أن تُبرّد حربها على غزّة التي دخلت المرحلة الثالثة والتي أعلنت فيها أنّها تحوّلت الى تحقيق الأهداف بشكل مباشر، اي القضاء على قادة حركة “حماس” اينما وُجدوا في العالم، وليس قتل المدنيين الأبرياء. غير أنّها واصلت حربها على المدنيين، رغم محاكمتها في محكمة العدل الدولية في لاهاي من قبل جنوب أفريقيا بتهمة الإبادة الجماعية.
وفي ما يتعلّق بمزارع شبعا التي تلافى هوكشتاين ذكرها من ضمن الأراضي المحتلّة كونه يقترح لها وضعاً خاصّاً، فتقول بأنّ المزارع لبنانية، وليس على لبنان أن يُثبت ما هو مثبت بالإتفاقيات والخرائط الدولية المودعة لدى الأمم المتحدة. فعندما يقول الجيش اللبناني المعني بتحديد حدود الوطن، بأنّها “لبنانية”، وقد أثبت ذلك عن طريق المستندات والوثائق والخرائط، فلا مجال بعد ذلك لمناقشة الأمر مع أي جهة كانت. كما أنّه ليس على لبنان أن ينتزع من أي دولة اعترافاً بلبنانية مزارع شبعا، ما دامت الإتفاقيات موجودة، ولم يتم التشكيك بها أو فسخها على مدى السنوات الماضية.
والأهمّ، بحسب رأيها، أنّه لا علاقة بين تحريرها وبين نزع سلاح المقاومة. فإذا انسحبت القوّات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية المحتلّة، فهذا لا يعني أنّ سلاح الحزب سيُنزع منه لأسباب عدّة هي:
1ـ أنّ مسألة سلاح “حزب الله” أصبحت استراتيجية دولية ولم تعد لبنانية فقط.
2ـ إنّ انسحاب العدو الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلّة لا يعني وقف عدوانه على السيادة اللبنانية. وسلاح الحزب هو الذي يردعه عن شنّ عدوان شامل على لبنان. وإذا ما نفّذ انسحابه اليوم من مزارع شبعا، فبسبب وجود المقاومة والسلاح، وليس لأي سبب آخر.
3ـ ما يُشجّع “حزب الله” على التمسّك بسلاحه في الوقت الراهن، هو الحرب الوحشية التي تشنّها “إسرائيل” بدمّ بارد على غزّة وتقتل المدنيين ومن أطفال ونساء وشيوخ، وتدمّر الحجر والبنى التحتية لمحو أي عنصر للعيش. وكانت وضعت نصب عينيها تحقيق 3 أهداف في وقت سريع، غير أنّها لم تنجح هي: أولاً، تهجير أهالي غزّة الى سيناء وثانياً تهجير فلسطينيي الضفّة الغربية الى الأردن، وثالثاً لجوء نحو 500 فلسطيني جُدد الى لبنان يُضافون الى 500 لاجىء فلسطيني يُصار الى توطينهم على الأراضي اللبنانية الى جانب المليونين ونصف المليون نازح سوري.