مع بداية الازمة الاقتصادية عام 2019، بدأ قطاع الدواء في لبنان يعاني من الصعوبات التي كانت تقتصر على توافر الدواء في الأسواق، عندما كان لا يزال مدعوماً من المصرف المركزي، ويومها عندما كان حمد حسن وزيراً للصحة كانت العلاقة بين الوزارة ومصرف لبنان ضبابية وفيها الكثير من المشاكل، ويومذاك بدأت بعض عمليات رفع الدعم عن أدوية مصنفة “A1″ و”A2” أي تلك الرخيصة الثمن.
بعد حسن، استلم الوزير الحالي فراس الأبيض وزارة الصحة الذي وسّع الخانات التي يطالها رفع الدعم، الى حين أصبح تأمين الدواء مربوطاً بأموال حقوق السحب الخاصة، أي الـ “sdr”، فباشر وزير الصحة إجراءات إضافية لرفع الدعم عن أدوية معينة لتستمر “الأموال” لأطول فترة ممكنة.
نهاية الصيف الماضي بدأ الحديث الجدي عن رفع الدعم بشكل كامل عن الادوية، ومنها أدوية الأمراض المزمنة، فما تبقى من أموال لا يتجاوز الـ 30 مليوناً، تقول مصادر متابعة في وزارة الصحة، مشيرة عبر “الديار” الى أن هذه الأموال قد لا تكفي حتى نهاية العام، وبالتالي فقد تكون مسألة إعلان رفع الدعم مؤجلة حتى بداية العام، ما لم تنجح “أفكار” وزير الصحة لتدارك المسألة بما يتعلق بأدوية الأمراض المزمنة تحديداً، والتي يصل سعرها الى آلاف الدولارت، ولن تكون متاحة للأغلبية الساحقة من اللبنانيين.
منذ فترة باشرت وزارة الصحة باعتماد آلية جديدة لحصول المواطنين على الأدوية المزمنة وادوية أمراض السرطان، حيث لم تعد تعتمد على توزيع الدواء من مراكزها، بل توجه المواطن الذي يتقدم بطلبه الى لجنة خاصة في وزارة الصحة تجتمع كل يوم أربعاء لتقييم الطلبات، وتحديداً من “يمرّ” طلبه، الى صيدليات محددة لشراء الدواء “مدعوماً”.
يسعى وزير الصحة الى إيجاد الحلول لمشكلة فقدان الدعم، لكنها جميعها مربوطة بأمرين، توافر المال، وسرعة الدفع، وفي هذا السياق تكشف المصادر أن الوزير يفكر بالتحضير لمناقصة عامة بالتعاون الهيئات الضامنة لشراء كميات من الأدوية، حيث أن شراء الكميات سيتيح للوزارة الحصول على كميات مجانية أيضاً بسياق العروض التي تقدمها تلك الشركات، أو الحصول على حسومات على الأسعار يمكن أن تصل في بعض الأحيان الى حدود الخمسين في المئة، حيث يمكن عندها بحال نجح بذلك، إعادة تأمين أدوية الأمراض المزمنة عبر مراكز الوزارة.
لأجل نجاح حل كهذا يُفترض السؤال عن حجم موازنة وزارة الصحة العام المقبل 2024، فبحسب المصادر سيكون هذا السؤال الجوهري، فموازنة الوزارة قبل الأزمة الاقتصادية المخصصة للدواء كانت تبلغ حوالي 160 مليار ليرة، أي حوالي 100 مليون دولار، لكنها اليوم تبلغ 600 مليار ليرة أي حوالي 7 مليون دولار، وهذا الرقم بكل تأكيد لن يكفي لشراء الأدوية بحال بقي على ما هو عليه في موازنة الوزارة للعام المقبل، بالإضافة الى أمر آخر، الى جانب قدرة الوزارة على جذب شركات عالمية كبيرة للمشاركة بالمناقصة بظل الظروف الحالية، وحتى ولو توافرت الأموال، هو سرعة الدفع من قبل الوزارة، ففي حال دفعت الوزارة الدفعة الأولى من الأموال بحدود الـ 20 بالمئة، فهل ستكون قادرة على تأمين الدفعات الاخرى بسرعة بالتعاون مع وزارة المال، وماذا لو تغير سعر صرف الدولار في السوق، كيف ستتعامل مع نقص الأموال بالدولار؟
كذلك تطرح المصادر مسألة أخرى تتعلق بتقييم حاجة البلد الى أدوية الأمراض المزمنة، فعلى أي أساس تقيّم الوزارة حاجتها، في ظل لجوء عدد كبير من المرضى الى تأمين أدويتهم من السوق السوداء أو من الخارج عبر تجارة “الشنطة” التي اشتهرت خلال الأزمة؟
أسئلة كثيرة تواجه وزارة الصحة، وقدرة المواطن على تأمين ادوية الأمراض المزمنة وادوية السرطان باتت على المحك، فهل يحمل العام المقبل فرجأ، أو مزيداً من القهر للمرضى؟