على رغم تصاعد الريبة والخشية من تصعيد ميداني إضافي جسّدته الغارات الإسرائيلية أمس على البقاع الشمالي والجنوب وجولة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي على الحدود الجنوبية، طغى البعد الإصلاحي والاقتصادي على المشهد الداخلي في مواكبة الزيارة التي قام بها الموفد الفرنسي جان إيف لودريان لبيروت وجولته على الرؤساء الثلاثة وبعض المسؤولين العسكريين والماليين. فمع أن الخطة العسكرية لترجمة قرار حصرية السلاح كانت في صلب لقاءات لودريان مع المسؤولين، غير أن إقرار مجلس الوزراء عصراً تعيينات الهيئتين الناظمتين للكهرباء والاتصالات بدا بمثابة خطوة متقدمة جداً طال انتظارها وأثبتت صدقية اتجاهات السلطة التنفيذية الإصلاحية تحت “شهادة” مباشرة من لودريان، في الوقت الذي تضطلع فيه فرنسا بدور ريادي متقدم لتنظيم مؤتمرين دوليين لدعم لبنان في إعادة الإعمار وتوفير المساعدات للجيش اللبناني.
والعامل الإيجابي الذي طبع زيارة لودريان تمثّل في ما نقله بنفسه إلى الرؤساء الثلاثة، جوزف عون ونبيه بري ونواف سلام، من أنه لمسَ استعدادات إيجابية في المملكة العربية السعودية حيال لبنان في ظل القرارات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة، علماً أنه زار المملكة قبل وصوله إلى بيروت. ومن شأن هذه المعطيات أن تبدّد كل “الردح” التشكيكي الذي حيك حول المواقف الخارجية من قرارات مجلس الوزراء في جلسة الخامس من أيلول.
وتعزّزت الاتجاهات الخارجية الإيجابية ولا سيما منها الفرنسية والخليجية والأميركية حيال قرارات مجلس الوزراء الأخيرة وخطة قيادة الجيش لتنفيذ قرار حصرية السلاح، بعدما واكب التحرك الفرنسي إعلان وزارة الدفاع الأميركية الموافقة على مساعدات للبنان تقدر قيمتها بنحو 14.2 مليون دولار مخصصة للجيش اللبناني.
وقد نقل لودريان إلى رئيس الجمهورية جوزف عون تحيات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وتأكيده استمرار الدعم الفرنسي للبنان في المجالات كافة، لا سيما بالنسبة إلى العمل لانعقاد مؤتمرين دوليين، الأول لدعم الجيش اللبناني، والثاني لدعم الاقتصاد وإعادة الإعمار. واطلع الوزير لودريان رئيس الجمهورية على نتائج “الاتصالات المشجعة” التي أجراها في المملكة العربية السعودية قبل يومين، لافتاً إلى أن الإجراءات التي اتخذها لبنان في 5 آب و5 أيلول، ومنها الخطة التي وضعها الجيش لتحقيق حصرية السلاح، وكذلك إصدار قوانين إصلاحية في المجالين الاقتصادي والمالي، “شكلت خطوات إيجابية من شأنها أن تساعد في زيادة الدعم الخارجي للبنان في المجالات كافة”.
وأعرب رئيس الجمهورية للموفد الفرنسي عن امتنانه للدور الذي يلعبه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في التحضير لعقد مؤتمرين لدعم الجيش اللبناني، وإعادة الإعمار. وأبلغ لودريان أن “لبنان ماضٍ في إنجاز الإصلاحات الاقتصادية والمالية، ليس فقط لأنه مطلب دولي، بل لقناعة لبنانية راسخة بأن هذه الإصلاحات تشكل مدخلاً أساسياً لعملية النهوض الاقتصادي”.
وأكد للوزير لودريان خلال الاجتماع الذي حضره السفير الفرنسي في بيروت هيرفيه ماغرو، أن “الحكومة تعمل على إنجاز مشروع قانون الفجوة المالية خلال شهر أيلول الجاري وإحالته إلى مجلس النواب لدرسه وإقراره، وذلك بعد صدور قانون السرية المصرفية وإعادة تنظيم المصارف وغيرها من الإجراءات والتدابير”. وأشار الرئيس عون إلى “أن الجيش يواصل تطبيق الخطة الأمنية، بدءاً من منطقة جنوب الليطاني لسحب كل المظاهر المسلحة من جميع الأطراف اللبنانيين والفلسطينيين، لكن استمرار الاحتلال الإسرائيلي لعدد من الأراضي اللبنانية يحول دون استكمال انتشار الجيش حتى الحدود الدولية”، وأكد أن “أي ضغط فرنسي أو أميركي على إسرائيل للتجاوب مع إرادة المجتمع الدولي بوقف الأعمال العدائية ضد لبنان، سوف يساعد على استكمال الخطة الأمنية التي وضعها الجيش ورحّب بها مجلس الوزراء الأسبوع الماضي”.
والتقى لودريان والوفد المرافق رئيس مجلس النواب نبيه بري، ثم زار السرايا الحكومية حيث استقبله رئيس الحكومة نواف سلام الذي أطلعه على الوضع العام في لبنان بعد القرارات الحكومية الأخيرة لجهة حصر السلاح بيد الدولة، مؤكداً “أنّ هذا المسار أصبح خيارًا وطنيًا لا عودة عنه”. كما عرض سلام أولويات عمل الحكومة في المرحلة المقبلة، محدِّداً ثلاث محطات أساسية تشكّل ركائز في هذا المسار: “مؤتمر إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي لتعبئة الموارد اللازمة للبنى التحتية والمساكن وتحريك عجلة الاقتصاد. مؤتمر دعم الجيش اللبناني لتأمين التمويل والقدرات اللوجستية والعتاد، بما يمكّنه من تعزيز الاستقرار وبسط سلطة الدولة.
ومؤتمر “بيروت 1″ للاستثمار لفتح آفاق جديدة أمام الاستثمارات وترسيخ ثقة المجتمع الدولي بلبنان”. وشدد على أنّ هذه المحطات مترابطة وتكمل بعضها بعضًا، إذ لا يمكن تحقيق النهوض الاقتصادي من دون الاستقرار الأمني، ولا ترسيخ الاستقرار من دون مؤسسات قوية وبيئة استثمارية جاذبة، مؤكّدًا أنّ إنجاح هذه المسارات الثلاثة يتطلّب دعم فرنسا، إلى جانب الأصدقاء العرب والدوليين”.
وعقب ذلك، عقد مجلس الوزراء بعد الظهر جلسة في قصر بعبدا، على جدول أعمالها 11 بنداً، وأبرز ما اتخذ فيها من قرارات، تعيين الهئية الناظمة في قطاع الكهرباء والهيئة الناظمة في قطاع الاتصالات، فيما أُرجئ تعيين أعضاء المديرية العامة والمجلس الأعلى للجمارك.فقد تم تعيين مروان جمال رئيساً للهيئة الناظمة في قطاع الكهرباء، وجيني الجميّل رئيسة الهيئة الناظمة في قطاع الاتصالات. وتم تعيين دانيال جحا وسورينا مرتضى وهنري ضاهر وزياد رحمة أعضاء في الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء.
كما أقرّ مجلس الوزراء الترخيص لشركة “ستارلينك لبنان” لتقديم خدمات توزيع الإنترنت على كامل الأراضي اللبنانية عبر الأقمار الاصطناعية المشغلة من قبل شركة “سبايس اكس” .وأبرز وزير الطاقة جو صدي أهمية تعيين الهيئة الناظمة التي هي حجر الأساس لإعادة تنظيم قطاع الكهرباء، وهي ستتولى بعض صلاحيات الوزير وهذا شيء إيجابي وسيساعد في تحييد القطاع عن التدخلات السياسية وسيؤمن الاستمرارية ويفتح مجال الاستثمار في الطاقة المتجددة. أما على الصعيد الميداني، فسجل تصعيد إسرائيلي لافت ومتدرج، اذ استهدفت مسيَّرة إسرائيلية دراجة نارية بين بلدتي عين بعال والبازورية، أدت إلى سقوط الضحية وسيم جباعي من بلدة عيتيت، سكان بلدة حناويه. كما شنّ الطيران الإسرائيلي غارات على الوادي بين الزرارية وأنصار.
إلى ذلك، نسفت القوات الاسرائيلية فجراً، مبنى تابعاً لمدرسة ذوي الاحتياجات الخاصة في حي أبو طويل عند أطراف عيتا الشعب. وفي البقاع، شنّ الطيران الإسرائيلي سلسلة غارات على السلسلة الشرقية بين جردي جنتا وقوسايا. وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن الأهداف التي هاجمها الجيش في سهل البقاع قرب الحدود اللبنانية السورية هي بنى تحتية تابعة لـ”حزب الله” وموقعاً لإنتاج وتخزين أسلحة استراتيجية للحزب.
ونشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي صوراً له على تخوم الخيام الجنوبية وقال: “أجريت جولة ميدانية في جنوب لبنان وتحديدًا داخل أحد المواقع الدفاعية الأمامية أمام قرية الخيام. لقد تحدثت مع القادة والجنود عن الواقع الأمني على الحدود الشمالية والتغيير الذي حصل بعد عملية سهام الشمال ومفهوم العمل الاستراتيجي الذي ننتهجه والذي بموجبه لا نسمح بنمو التهديدات الإرهابية على حدودنا”.في سياق آخر، أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أمس، أن حوالى 300 لاجئ سوري عادوا أمس طوعاً إلى سوريا من لبنان ضمن برنامج العودة المسهّل من قبل المفوضية والمنظمة الدولية للهجرة، بالتعاون مع المديرية العامة للأمن العام اللبناني. وأشارت إلى أنه حتى يوم أمس منذ عام 2025، عاد أكثر من 238 ألف سوري من لبنان، فيما أعرب أكثر من 114 ألف آخرين عن رغبتهم بالانضمام إلى برنامج العودة الطوعية المدعوم من الأمم المتحدة.
“النهار”