لارا يزبك – نداء الوطن
نفحة الروحانية والسكينة التي عبقت بها الأجواء اللبنانية على مدى 3 أيام، قد تبدأ بالانحسار تدريجيًا مع إقلاع طائرة الحبر الأعظم من بيروت عائدًا إلى الفاتيكان، إلا إذا أحسنت الدولة اللبنانية “التدبير” وكانت على قدر التحديات الوجودية التي تواجهها. فالبلاد ستشهد ابتداء من اليوم، “إنزالًا دبلوماسيًا”، مع تقاطر زحمة موفدين عرب ودوليين إلى لبنان، حاملين النصائح والتحذيرات، في حركة ستعيد اللبنانيين سريعًا إلى أرض الواقع والحقيقة الصعبة: الوقوف على أبواب حرب جديدة.
زيارات كثيرة ورسالة واحدةأجندة الأيام المقبلة حافلة بالمواعيد. اليوم، يصل إلى لبنان وزير الخارجية القطرية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الذي سيجول على المسؤولين. أما الخميس، فمرتقبٌ وصول بعثة مجلس الأمن الدولي، آتية من سوريا، وتضم 14 سفيرًا يمثلون الدول الأعضاء في المجلس باستثناء السفيرة الأميركية دوروثي شيا التي ستحلّ محلها، مبدئيا، الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس. الأخيرة، ستصل أيضًا إلى بيروت في الساعات المقبلة، آتية من إسرائيل، للمشاركة في اجتماع “الميكانيزم” في الناقورة الخميس. وحتى الساعة، زيارتها تبدو محصورة بالشق العسكري وجدولُ أعمالها خال من أي لقاءات أخرى.
الزيارات هذه غير منسّقة شكلا، إلا أنها تتقاطع في المضمون، حيث تكشف مصادر دبلوماسية مطلعة لـ “نداء الوطن” عن أن الزوار الدوليين سيتحدثون كلهم بلسان واحد وسيستعجلون لبنان الرسمي تفكيكَ بنية “حزب الله العسكرية” في أقرب وقت لتفادي تصعيد عسكري إسرائيلي، وشيك.
لا حل إلا بحلّ الجناح العسكري
فالخيارات الأخرى كلّها، ما عادت تنفع اليوم. لا “احتواء” السلاح ولا “تجميد حركته”، ولا الانتهاء من جنوب الليطاني قبل نهاية العام والاكتفاء بذلك. المطلوب إنهاء الجناح العسكري لـ “حزب الله” على كامل الأراضي اللبنانية، وإلا فإن تل أبيب مصمّمة على تنفيذ هذه المهمة بنفسها، وقد قال وزير خارجيتها أمس بعد لقائه أورتاغوس: قلت لها إن “حزب الله” هو من ينتهك السيادة اللبنانية وإن نزع سلاحه أمر بالغ الأهمية.
أصدقاء لبنان على الساحة الدولية، مِن الدوحة إلى باريس فالقاهرة، كانوا يتمنون منحَ لبنان وقتًا إضافيًا لجمع السلاح وترك خطة الجيش اللبناني تمضي بالوتيرة التي تناسب الحسابات اللبنانية والحساسيات الداخلية، لكن ضيقَ صدر واشنطن وانضمامَها إلى خندق إسرائيل التي تعتبر أن لبنان يناور ويتباطأ بينما “الحزب” يعيد بناء قدراته، نَقَلا الأمورَ إلى مكان آخر. فلم يعد أمام العالم إلا نُصح لبنان ومطالبته بحماية نفسه، من خلال إسراع الخطى نحو حصر السلاح.
حتى خيار “التفاوض مع إسرائيل” يبدو تخطّته الوقائع، تتابع المصادر. فبينما يتمسّك لبنان به ويرسل إشارات متقدّمة حياله، كتحضيره في الساعات الماضية اسم شخصية مدنية لتمثيله في المفاوضات غير المباشرة، ينوي تسليمَه إلى الأميركيين، تقول المصادر إن هذا الطرح ليس مدار بحث في إسرائيل اليوم وهي غير معنية به، وجلّ ما يهمها: نزع سلاح “حزب الله”.
الكرة في ملعب الدولة
الأجواء غير مطمئنة إذًا، ولا مبادرات أو وساطات تهدوية تلوح في الأفق، خاصة بعد سقوط المبادرة المصرية على يد “حزب الله” الذي أجهز عليها برفضه حتى فكرة تجميد حركة السلاح واعتباره أن مفاعيل اتفاق 27 تشرين محصورة بجنوب الليطاني.
الموفدون الأجانب يودِعون الدولة اللبنانية نصائحَهم ويغادرون، يدلّونها على طريق الخلاص ويرحلون. الكرة في ملعبها إذًا: هل تنقذ شعبها وتفرض هيبتها على “حزب الله” وتضع يدها على سلاحه، أم تفضل عدم مواجهته وتعريضَ لبنان بأكمله، وربما مَرافِقه الرسمية هذه المرة أيضًا، لأخطار آلة القتل الإسرائيلية؟


