خرج الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية آموس هوكشتاين أمس بعد لقائه المسؤولين اللبنانيين، وهو يوزّع ابتسامات عريضة جدّاً، هو والسفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا التي رافقته خلال محادثاته، ما أوحى بقرب الإنفراج في ملف الترسيم البحري، في الوقت الذي بدت فيه وجوه بعض الذين حضروا أو شاركوا في المحادثات مع الوسيط الأميركي غير مرتاحة… أمّا رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي فأصدر بياناً عبّر فيه عن «موقفه»، من الإنطلاقة الجديدة التي قد تُستأنف المفاوضات غير المباشرة على أساسها…
وثمّة من يتساءل هل ستنعكس هذه الابتسامات العريضة على الموقف «الإسرائيلي» الذي ينتظره لبنان بعد أن تبلّغ هوكشتاين الثلاثاء الردّ الرسمي على عرضه الأخير الذي اقترحه خلال زيارته الثانية الى لبنان كوسيط في 9 شباط الفائت، وتسلّم خريطة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تعتمد خطّاً جديداّ بين الخطين 23 و 29،وهو الخط 23+، أم أنّ الأمور ستُراوح مكانها مع مراوحة سفينة «إنرجين باور» لمكانها قريباً من المنطقة المتنازع عليها؟! وماذا سيكون عليه موقف «الإسرائيلي» بالتالي من هذا الخط الجديد الوسطي الذي قد تصحّ تسميته بالخط 24 الذي يبدأ من رأس الناقورة ويتسع ليشمل حقل «قانا» كاملاً، ثمّ يعود لينحسر قريباً من الخط 23 ويُعطي لبنان مساحة إضافية عن ال 860 كلم 2 المتنازع عليها، تصل الى نحو 340 كلم2 والمهم فيها أنّها تضمن حقل «قانا» كاملاً للبنان، وحقل «كاريش» كاملاً للعدو الاسرائيلي من دون أي مشاركة في الحقول النفطية بين الجانبين؟!
أوساط ديبلوماسية عليمة، رأت بأنّ لبنان قام بما يتوجّب عليه من طلب تحريك المفاوضات من الولايات المتحدة الأميركية، ومن دعوة الوسيط الأميركي الى المجيء الى لبنان والمنطقة لاستكمالها، لا سيما بعد وصول سفينة «إنرجين باور» الى المياه الإقليمية لبدء عملية شفط الغاز من «كاريش» وبيعه الى أوروبا، قبل إنهاء التفاوض غير المباشر على ترسيم الحدود البحرية. كما ردً لبنان رسمياً على اقتراح هوكشتاين وسلَّمه خارطة جديدة تُظهر مطالبه وموقفه بالنسبة لحصوله على حقوقه «الدنيا» في المنطقة الإقتصادية الخالصة، والتي يحدّدها قانون البحار، كما دراسة المكتب الهيدروغرافي البريطاني، والجيش اللبناني بالخط 29 كحدّ أقصى.
وينتظر لبنان أن يذهب هوكشتاين ويعود بالجواب من «الإسرائيلي»، على ما اقترح المسؤولون لتسهيل عملية التفاوض، وليس لتعقيدها، بهدف أن يتمكّن لبنان من الإستفادة من ثروته النفطية في أقرب وقت ممكن.. وعندها يُبنى على الشيء مقتضاه، وسيكون لحزب الله بالتالي موقفه من هذا الردّ.
غير أنّ ما صرّح به هوكشتاين لإحدى القنوات التلفزيونية، لا يُبشّر بالخير، على قدر ابتساماته العريضة، كونه تمسّك خلال حديثه بما أعلنه سابقاً، وبما معناه أنّه على لبنان المضي في القبول بأي إتفاقية ممكنة لكي يبدأ بالاستفادة من نفطه، سيما وأنّ وضعه الاقتصادي السيء لا يسمح له بإعلاء سقف المطالب، وكأنّ بلاده براء ممّا وصل اليه الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان من سوء، أو أنّه على لبنان التخلّي عن حقوقه بمليارات الدولارات بهدف توقيع إتفاقية سريعاً يستفيد منها العدو الإسرائيلي بالدرجة الأولى.
وقالت الأوساط نفسها، بأنّها لن تحكم على النوايا، لهذا لا بدّ من انتظار موقف «الاسرائيلي» على مطالب لبنان أولاً، وكيفية تعاطي الوسيط الأميركي الذي يُطالب منه عدم الإنحياز الى الطرف الآخر ثانياً، فلا يقوم، على سبيل المثال، باقتراح منح لبنان 90 % من حقل «قانا» بدلاً من 80- 85 %، على ما كان يعطيه في الخط المتعرّج، لكي يبقي قسماً جنوبياً منه للعدو الاسرائيلي.
أمّا بالنسبة لوقف عمل سفينة «إنرجين باور» في المرحلة الراهنة، على ما يريد لبنان، وفق معادلة «لا غاز من كاريش من دون غاز من قانا»، فرأت بأنّ الأمر قد يكون صعباً بعد أن وصلت السفينة المذكورة، خصوصاً وأنّ هوكشتاين مقتنع، وفق ما صرّح به بأنّها ترسو خارج منطقة النزاع التي حدّدها مجدّداً بالخطين 1 و23، مشيراً الى أنّها «خارج الخط 29 أيضاً، الذي يتحدّث عنه لبنان»… وكأنّ هذا الخط لا علم له به، أو يتجاهل وجوده عن قصد بهدف إحباط مفاعيله وحججه القانونية القوية والتي لا تعطي «الاسرائيلي» سوى الجزء الحنوبي من حقل «كاريش» ليس أكثر.
ومن هنا، تقول الأوساط عينها بأنّه يبدو أنّ السفينة ستبقى وستُكمل عملها، ولا أحد يعلم ما الذي بإمكانها شفطه من غاز في العمق، ومن أي حقل تحديداً. فقد تتمكّن من شفط الغاز من الجزء الجنوبي من حقل «قانا» الذي تعتبره من حقّها، من وجهة نظرها، في الوقت الذي يكون فيه لبنان لا يزال يفاوضها على حقوقه النفطية في المنطقة البحرية، وفي حقل «قانا» كاملاً.
وألمحت الأوساط أنّه للتخفيف من وطأة تخلّي لبنان عن الخط 29، يخرج البعض للحديث اليوم عن أنّه لا ضمانات ولا تأكيدات عن وجود كميات واعدة من الغاز والنفط في حقل «قانا» أو غيره، وذلك بهدف إحباط لبنان واللبنانيين بدعم من الخارج طبعاً، على غرار ما جرى في البلوك 4 ، حيث أوقفت «توتال» الفرنسية عملياتها الاستكشافية الأولى فيه، ولم تُصدر تقريراً شاملاً عمّا وصلت اليه عمليات التنقيب، على ما كان يُفترض. فمثل هذه التصاريح تخدم الجانب الأميركي و»الاسرائيلي» وتُسهّل عليهما عملية التفاوض من خلال إقناع لبنان بأنّ لا شيء مؤكَّد عن وجود غاز في «قانا»، في الوقت الذي يتحدّت فيه الخبراء عن مواد أولية بمليارات الدولارات، وإلّا لما كان العدو الاسرائيلي يتمسّك به، حتى ولو بطرفه الجنوبي. وهل يعني هذا، على ما سألت الاوساط، في حال وافق لبنان على المشاركة في حقل «قانا»، يظهر النفط فجأة، وإذا لم يقبل، فلا نفط موجود في «قانا»؟!
وبرأي الأوساط عينها، ليس على لبنان التسرّع والإستعجال، بل دراسة كلّ الخيارات بعد حصوله على الجواب من «الاسرائيلي»، وذلك تلافياً لعدم ارتكاب أي خطأ جديد في الترسيم، على غرار الأخطاء السابقة التي ارتكبتها حكومات فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي، عن قصد أو عن غير قصد، خصوصاً وأنّ ثروته النفطية هي ملك للبنان وللشعب اللبناني وللأجيال الصاعدة، ولا يُمكن الحلّ والربط فيها بسهولة واستخفاف.