تعرّض لبنان لزلزال عنيف فجر يوم الثلاثاء، حيث سجّل مركز الرصد الزلزالي الأوروبي المتوسط قوة الهزة بـ 5.5 درجة على مقياس ريختر. وقد هزت هذه الهزة القوية أرجاء البلاد، بشكل خاص في بيروت والشمال والجنوب، مما أثار حالة من الخوف والقلق بين السكان. يأتي هذا الزلزال ليعيد إلى الأذهان ذكريات الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا، سوريا ولبنان في فبراير 2023، ويعيد التأكيد على موقع لبنان الجغرافي في منطقة معرضة للزلازل.
بيروت: مدينة على خطوط الزلازل عبر التاريخ
يقترن اسم العاصمة اللبنانية بيروت، منذ عهد الفينيقيين بهزات أرضية عنيفة شكلت تاريخها ومسارها العمراني. تشير الدراسات التاريخية إلى أن المدينة تعرضت لزلازل مدمرة في الأعوام 349، 494، 502، 551، و555 ميلادية، حيث بلغت شدة بعضها 7.5 درجة على مقياس ريختر. أسفرت هذه الكوارث الطبيعية عن دمار هائل، راح ضحيته عشرات الآلاف، وأدت إلى تغييرات جغرافية واضحة، مثل غرق أجزاء من المدينة بفعل تسونامي عام 551 ميلادي.
لم يتوقف مسلسل الزلازل عند هذا الحد، فقد ضربت المنطقة هزات أخرى في الأعوام 1157، 1170، 1202، 1759، 1918، و1956، مما يؤكد موقع لبنان على خطوط الصدع الزلزالي. هذه الهزات المتكررة خلفت وراءها آثاراً مدمرة على البنية التحتية والاقتصاد، وأدت إلى إعادة بناء المدن المتضررة مرات عدة.
اللافت أن 70% من المناطق الساحلية اللبنانية تعرضت لزلازل عبر التاريخ، ما يبرز خطورة الوضع. ففي حال تكرار سيناريو مماثل، فإن الكارثة محققة نظراً للكثافة السكانية العالية على الساحل وافتقاد البنية التحتية إلى المعايير المقاومة للزلازل. الأمر الذي يضع لبنان أمام تحدٍ كبير يتمثل في تطوير خطط طوارئ شاملة وتنفيذ إجراءات وقائية للحد من الأضرار المحتملة.
الفوالق الرئيسية في لبنان
وقد حذّر الخبير البيئي البروفيسور ضومط كامل من دخول منطقة الشرق الأوسط مرحلة زلزالية حرجة، وقال لـ “الديار” أن عوامل عدة، أبرزها الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية، تساهم في تنشيط الفوالق الزلزالية. لبنان، كجزء من هذه المنطقة، يواجه خطرًا متزايدًا، حيث يعاني الكثير من الأبنية من هشاشة هيكلية تجعلها عرضة للانهيار في حال وقوع زلزال قوي.
ودعا إلى ضرورة اتخاذ إجراءات استباقية، مثل تعزيز البحث العلمي في مجال الزلازل، تطوير أنظمة الإنذار المبكر، وتشديد قوانين البناء لضمان مقاومة المنشآت للاهتزازات الأرضية. كما شدد على أهمية التوعية المجتمعية بخطورة الزلازل وكيفية التصرف عند وقوعها، بالإضافة إلى تدريب فرق الإنقاذ والإغاثة على التعامل مع الكوارث الطبيعية.
وتوقع حدوث زلازل كبيرة في الأعوام المقبلة، داعياً إلى الاستعداد الفوري.
اضاف : جغرافياً، يقع لبنان في منطقة جيولوجية نشطة، حيث تلتقي ثلاث صفائح تكتونية رئيسية: العربية، التركية، والأفريقية. والتقاء الصفائح هذا يخلق نظامًا معقدًا من الفوالق، مما يجعل لبنان عرضة للزلازل. إليكم أبرزها:
- فالق اليمونة: يعتبر هذا الفالق أضخم وأخطر الفوالق في لبنان، إذ يشق البلاد نصفين تقريبًا. يمتد هذا الفالق على طول سلسلة جبال لبنان الغربية، ويقدر العلماء أنه يتحرك بشكل دوري كل 800 إلى 900 سنة. الزلزال الأخير الذي حدث على هذا الفالق كان في عام 1202، مما يدل على أن تحركًا جديدًا قد يكون وشيكًا.
- فالق سرغايا: يقع هذا الفالق بالقرب من الحدود الشرقية مع سوريا، وتقدر دورة تحركه بحوالي 1500 إلى 2000 سنة. الزلزال الأخير على هذا الفالق كان في عام 1759، مما يعني أنه لن يتحرك مرة أخرى إلا بعد مرور ألف سنة على الأقل.
- فالق الروم (أو فالق جبل لبنان): يتفرع هذا الفالق من فالق اليمونة ويتجه جنوبًا نحو البحر الأبيض المتوسط. تشير الدراسات إلى احتمال امتداده شمالًا في البحر، موازيًا للساحل اللبناني. تحرك هذا الفالق قد يؤدي إلى حدوث تسونامي، ويرجح العلماء أن آخر تحرك له كان في عام 551.
ماذا عن الهزات الإرتدادية؟
واكد ضومط ان الهزات الارتدادية تعتبر سلسلة من الهزات الأرضية الأصغر التي تعقب الزلزال الرئيسي، وهي نتيجة طبيعية لإعادة ترتيب القشرة الأرضية بعد التصدع الأولي. هذه الهزات قد تستمر لعدة أيام أو أسابيع، وتشكل خطراً كبيراً على المباني المتضررة بالفعل، مما يزيد من خطر انهيارها وتسبب خسائر إضافية في الأرواح والممتلكات. وفي هذا الصدد، ذكرت مديرة المركز الوطني للجيوفيزياء مارلين البراكس أنّه تم تسجيل 15 هزة إرتدادية منذ منتصف ليل الثلاثاء حتى صباح اليوم التالي.
أخيراً، تشكل الزلازل تهديدا وجوديا للبنان، حيث تقع البلاد على تقاطع الصفائح التكتونية، ما يجعلها عرضة للهزات الأرضية العنيفة. فتاريخ لبنان حافل بالزلازل المدمرة التي خلفت وراءها دمارًا واسعًا وخسائر فادحة في الأرواح والممتلكات. ومع التغيرات المناخية التي تؤثر على الأنماط الجيولوجية، ازدادت المخاوف من تكرار حدوث زلازل قوية في المنطقة، لتضع هذه الظروف لبنان أمام تحدٍ كبير يتطلب تدخلاً حكوميًا عاجلاً وفاعلاً. إن غياب استراتيجية وطنية شاملة للتعامل مع مخاطر الزلازل يزيد من هشاشة لبنان ويجعله عرضة للكوارث. فهل ستكون الزلازل المقبلة فاتحة لعصر جديد من الاستعداد في لبنان، أم أننا سنبقى رهينةً للطبيعة؟