لبنان بالمباشر – نضال العضايلة
بولندا التي رحبت بالفارين من الحرب في أوكرانيا، كانت قد تعرضت قبل أشهر قليلة مضت لانتقادات دولية حادة لصدها موجة طالبي اللجوء من بيلاروسيا، الذين ينحدر أغلبهم من الشرق الأوسط وإفريقيا.
وفيما شهد أغسطس/ آب 2021، وقبل أشهر فقط من الحرب الروسية الأوكرانية، ناقش الاتحاد الأوروبي، أهمية الحرص على تجنب تدفق المهاجرين الأفغان “بشكل غير مضبوط” بعد سقوط كابل في يد طالبان وبسط سيطرتها على البلاد.
كانت تصريحات المسؤولين الأوروبيين، تصب في اتجاه مساعدة الدول المجاورة لها على استضافة اللاجئين الفارين من طالبان عوض استقبالهم، فدعم الدول المجاورة لأفغانستان من أجل استضافة لاجئين فارين من طالبان، سيجنب أوروبا تدفق المهاجرين.
الدول الأعضاء ضمن الاتحاد عبرت عن قلقها من خطر الإرهاب، وتعهدت بـ”بذل جهدها لضمان ألا يؤدي الوضع في أفغانستان إلى مخاطر أمنية جديدة على مواطني الاتحاد الأوروبي”، كما كان هناك تشديد على وجوب “تنفيذ عمليات البحث الأمني في الوقت المناسب حول من تم إجلاؤهم من أفغانستان”.
الموقف الألماني لم يبتعد عن التوجه الأوروبي، ونقله بداية وزير الداخلية هورست زيهوفر الذي قال في تصريحات “يجب أن نعمل على نطاق عالمي لإبقاء الأشخاص قريبين من ديارهم وثقافتهم” مشيرا إلى أن “الأشخاص الأكثر عرضة للخطر” فقط سيتمكنون من المجيء إلى الاتحاد الأوروبي.
أما الوزير النمساوي كارل نيهامر، فقد اتخذ موقفا حازما للغاية إلى جانب نظيريه الدنماركي والتشيكي، وشدد على أن “الرسالة التي يجب بعثها هي: ابقوا في مكانكم وسندعم المنطقة”.
من جانبها، أكدت فرنسا على ضرورة “التوفيق بين استقبال اللاجئين وصرامة الضوابط”، وقال الوزير الفرنسي جيرالد دارمانان إن الهدف هو “مساعدة كل الأشخاص الذين ساعدونا والذين تلاحقهم طالبان، لكننا لا نقبل بهجرة غير منضبطة”.
وبالعودة إلى سنة 2015، حين اشتداد أزمة اللجوء السورية، فقد كانت ألمانيا في طليعة الدول التي استقبلت سوريين فارين من الحرب وفتحت أبوابها لنحو مليون طالب لجوء خلال أزمة الهجرة التي باغتت الدول الأوروبية.
القرار الذي اتخذته ميركل حينها، لاقى في البداية ترحيباً، لكن سرعان ما انقلبت الأمور وخاصة بعد أحداث ليلة رأس السنة في مدينة كولن، ليصبح استقبال اللاجئين غير محبذ لدى البعض.
وخرجت تظاهرات ضده في العاصمة الألمانية برلين تعبيراً عن رفض سياسة المستشارة تجاه اللاجئين، كما كان موقف أحزاب اليمين المتطرف صارمة جداً، وعبروا صراحة عن رفض استقبال اللاجئين في بلادهم.
رفض فتح باب المساعدة أما اللاجئين السوريين الفارين من بطش بشار الأسد بدعم الرئيس الروسي بوتين، عبر عنه أيضا وزراء وسياسيون بارزون في الساحة السياسية الألمانية، من بينهم: هورست زيهوفر رئيس وزراء بافاريا آنذاك، المنتمي لحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، والذي يعد من أبرز حلفاء ميركل، الذي اعتبر أنّ الأوضاع في ألمانيا “معقدة وأن النهج الذي يتم على أساسه حلّ المشكلات غير مرضٍ”، معبرًا عن رفضه الاستمرار في تقبل اللاجئين برحابة صدر.
في خضم أزمة 2015، أعرب رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك عن قلقه إزاء “الانقسام بين شرق الاتحاد الأوروبي وغربه”، وقال “بعض الدول الأعضاء لا تفكر إلا في وقف موجة المهاجرين”، مشيراً إلى السياج الذي أقامته المجرعلى حدودها مع صربيا حينها.
رغم ما كانت القارة الأوروبية تشهده من توسع لليمين المتطرف، فقد أعلنت فرنسا وألمانيا حينها عن مبادرة “لتنظيم استقبال اللاجئين وتوزيع منصف في أوروبا” للأسر التي تفر من الحرب في سوريا.
كل الجهود المبذولة، رغم قساوة المشاهد التي نقلتها وسائل الإعلام للاجئين الذين كانوا يموتون غرقاً حين محاولاتهم العبور بحراً من تركيا نحو اليونان، وأخبارُُ تنشر يوميا عن وفيات بالمئات للنازحين داخل وخارج سوريا، إلا أن العديد من الدول الأوروبية تشبتت بموقفها الرافض لاستقبالهم.
وازاء ذلك اضطرت المفوضية الأوروبية خلال شهر مايو/أيار 2016، إلى اقتراح فرض عقوبات مالية على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي ترفض استقبال حصتها من طالبي اللجوء.
اليوم، يتسائل اللاجئون والحقوقيون من مختلف البلدان التي عاشت حروبا وأزمات، الدول الأوروبية عن ازدواجية معايير تضامنها مع اللاجئين.
ومما عمق من جرح المقارنة، التصريحات التي بثت على قنوات عالمية، تحدث خلالها سياسيون وإعلاميون أوروبيون بألفاظ عنصرية في مقارنتهم بين اللاجئين الأوكرانيين المتحضرين، عكس الآخرين الذين رسمت صورة قاتمة عن مستواهم الفكري والتعليمي.
وبينما تعرض فرص الشغل على الكفاءات الأوكرانية الفارة من الحرب، يتسائل الكثيرون عن تلكئ أوروبا في الاستعانة بآلاف الأطباء السوريين، الذين مازالوا يعيشون عالة على دول أوروبية بسبب البيروقراطية وشروط تعجيزية تحول دون ممارستهم مهنة يحتاج الأوروبيين مختصين فيها ويسعون لاستقطاب المتمرسين فيها من بلدان خارج الاتحاد.
يبدو أن الحرب الدائرة في أوكرانيا لم تغير شيئا من نهج حكومات الدول المجاورة المناهض للهجرة والمهاجرين، بل على العكس، وكأن تلك الحرب كانت فرصة لتكريس رفضهم لاستقبال “المختلف” واستعدادهم لاحتضان من هم “مثلنا”.
حسابات عدة على وسائل التواصل الاجتماعي وثقت عمليات التمييز التي تعرض لها عرب وأفارقة على الحدود مع بولندا، حيث لم يسمح لهم بعبور الحدود والحصول على مأوى. مراسلون صحفيون لوسائل إعلامية دولية وقعوا أيضا في فخ التمييز، مع وصفهم الأوكرانيين بأنهم “بيض ومتحضرين”، في مقارنة غير مباشرة مع المهاجرين الذين “اعتادت” تلك الدول على استقبالهم.
هؤلاء لاجئين بيض البشرة وشقر، ينتمون لنفس الحضارة، ربما من أجل ذلك تسهل بولندا دخولهم إلى أراضيها، ومعظمهم مسيحيون، يملكون حسابات على إنستاغرام ونتفليكس، “إنهم متحضرون”.
ما سبق كان بعضا من الجمل التي تفوه بها صحفيون تابعون لمؤسسات إعلامية غربية ضخمة، كانوا يتحدثون عن تسهيل بولندا دخول اللاجئين الأوكرانيين إلى أراضيها، في حين تُفرض تقييدات معينة على غير الأوكرانيين.
حسابات عدة على مواقع التواصل الاجتماعي ضجت خلال الأيام القليلة الماضية بمدى التمييز الذي يتعرض له “العرب وذوي البشرة السمراء” على حدود الدول المجاورة لأوكرانيا.
تلك الدول لم تتكبد حتى عناء شرح موقفها من الحاصل على الحدود، بولندا مثلا اشترطت على مواطني البلدان الثالثة (خارج الاتحاد الأوروبي) الاتصال بسفاراتهم في أوكرانيا لتأمين خروجهم، كما عليهم أن يكونوا حاملين لوثائق سفر ولإقامات سارية في أوكرانيا، قبل أن يُسمح لهم الدخول إلى البلاد لمدة 15 يوما فقط قبل أن يعودوا لبلدانهم الأصلية.
رئيس وزراء بلغاريا، وفي تصريح منسوب له، قال “سنرحب باللاجئين الأوكرانيين، فهؤلاء أوروبيون أذكياء ومتعلمون، ولا يملكون ماضيا غامضا كأن يكونوا إرهابيين”.
المواقف السابقة وما رافقها من تعليقات عصفت بوسائل التواصل الاجتماعي، تعززت بفيديوهات تتحدث عن تعرض أشخاص من ذوي البشرة السمراء للدفع على الحدود البولندية من أجل السماح لأوكرانيين (بيض البشرة) بالدخول إلى البلاد.
حساب آخر على تويتر نقل شهادة لشخص أفريقي مقيم في أوكرانيا وكان يسعى للهرب إلى بولندا، قال فيها إنه “لا يسمح لأحد بعبور الحاجز (إلى بولندا)، سوى الأوكرانيين، حتى لو كانت امرأة سوداء مع أطفالها، لن يسمح لها بالمرور”.
الأمر نفسه يحدث في أوكرانيا ذاتها، حيث يظهر في مقطع فيديو نشر على تويتر، امرأة سوداء تحاول ركوب قطار على رصيف في محطة قطار أوكرانية، رجال يرتدون زيا عسكريا منعوها من دخول القطار وهم يهتفون “لا، لا”، وبعد بضع دقائق، سُمح لامرأة بيضاء بالصعود إلى القطار.
حسابات أخرى تحدثت عن معاناة المئات من الطلاب والعائلات اليمنيين العالقين على الحدود مع بولندا، هؤلاء رُفض السماح لهم بدخول البلاد على الرغم من محاولة سفارة بلادهم التدخل لتسهيل أمورهم.
السفارة اليمنية في وارسو أعلنت عن وفاة أحد الطلاب اليمنيين على الحدود مع بولندا، ولم يتسن “للبنان بالمباشر” التحقق من تلك المعلومة أو التواصل مع أحد من المتواجدين في تلك المنطقة لصعوبة الاتصالات.
معاناة الطلاب اليمنيين على الحدود مستمرة منذ نحو أربعة أيام، دون أن يظهر أي حل في الأفق لأزمتهم، حالهم في ذلك حال الآلاف الآخرين من الأفارقة والمصريين والمغاربة، من المهاجرين الخاضعين للتمييز حتى أثناء سعيهم للهرب من القنابل والنجاة بحياتهم.
حثت منظمة الهجرة الدولية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين السلطات في الدول المجاورة لأوكرانيا على فتح حدودها أمام المواطنين الأفارقة وكل الأجانب الفارين من الحرب هناك في ظل تقارير تفيد بمنع البعض منهم من الوصول إلى بر الأمان.
يسعى الآلاف من الأفارقة وغيرهم من الأجانب، وخصوصا الطلبة، جاهدين لمغادرة أوكرانيا منذ بداية الغزو الروسي، واستقبلت دول مجاورة أعضاء في الاتحاد الأوروبي ما يقرب من 700 ألف شخص فروا من أوكرانيا.
وترد شكاوى في لقطات فيديو وشهادات متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، حول تمييز ضد الأفارقة في محطات القطارات وفي النقاط الحدودية، ولم يتسن أيضاً التحقق من صحة هذه الروايات.
وقال بوتشيزيا مسيتيكا، وهو متحدث باسم المفوضية مقيم في جنوب أفريقيا، إن الوكالة لم تتحقق من صحة التقارير لكنها تحث الدول المجاورة لأوكرانيا على ضمان إتاحة اللجوء والحماية للجميع.
وأضاف “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على علم بتقارير التوصيف العنصري وتشعر بقلق بالغ إزاءها، نحن على علم بكثير من هذه التقارير، ونتابع وقمنا بالتدخل حيثما كان ذلك ممكنا، “موقفنا هو أنه يتعين السماح لمن يطلبون الحماية بأن يطلبوا الأمان ويغادروا البلد بغض النظر عن الجنسية والأصل العرقي”.
وقال مسيتيكا إن المفوضية على علم بتقارير عن بعض الأفارقة في أوكرانيا يُمنعون من ركوب القطارات التي تنقل الناس إلى دول الاتحاد الأوروبي المجاورة ومنع آخرين من الموافقات على عبور حدودها.
وأضاف “حصلت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على تأكيدات بأن حوادث التوصيف العنصري ليست سياسات رسمية”.
وقال الاتحاد الأفريقي أيضا إنه منزعج من تقارير عن رفض منح مواطنين أفارقة في أوكرانيا الحق في عبور الحدود إلى مناطق آمنة. وقال ديمترو كوليبا وزير خارجية أوكرانيا على تويتر إن من الضروري أن يكون للأفارقة الساعين للإجلاء فرص متساوية للعودة إلى بلدانهم بأمان وإن بلاده ستساعد في حل المشكلة.
وقال مكتب رئيس وزراء بولندا على تويتر “توفر بولندا ملاذا لجميع الفارين من العدوان الروسي على أوكرانيا بغض النظر عن جنسيتهم أو خلفيتهم العرقية”.
الأمين العام لمنظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، أنطونيو فيتورينو، أكد أن هناك تقارير موثوقة عن وجود “تمييز وعنف وعداء للأجانب”، مضيفاً في تصريحات من جنيف يوم الخميس (الثالث من مارس/ آذار 2022) “رجال ونساء وأطفال من عشرات البلدان بينهم عمال وطلاب يعيشون في أوكرانيا، يواجهون تحديات كبيرة جدا عندما يحاولون مغادرة المناطق التي تجري فيها المعارك وعبور الحدود إلى الدول المجاورة بحثا عن مساعدة لإنقاذ حياتهم”.
وناشد المسؤول الأممي جيران أوكرانيا بمعاملة واستقبال هؤلاء الأشخاص كما تعامل وتستقبل الآخرين.