ينتظر الجميع حصول الهدنة في غزّة لكي تتوقّف المواجهات العسكرية القائمة بالتالي بين “حزب الله” والعدو الإسرائيلي عند الجبهة الجنوبية، وتحوّلها تدريجاً الى هدنة طويلة الأمد، على غرار ما تمكّن القرار 1701 من فعله لجهة وقف الأعمال القتالية أو العدائية بين الجانبين منذ 11 آب 2006، وحتى 7 تشرين الاول 2023. فأي قرار لن يُتخذ قبل وقف إطلاق النار في غزّة. إلّا أنّه ليس من مؤشّرات حالياً تدلّ على الذهاب الى هذه الهدنة المؤقّتة أو الطويلة الأمد التي يريدها الفلسطينيون كونهم باتوا يُعانون من التهجير والتجويع، بعد أن قتل العدو وجرح أكثر من 100 ألف فلسطيني ودمّر ممتلكاتهم وينوي استكمال الحرب في رفح رغم كلّ الضغوطات الأميركية والغربية التي تُحذّره من خوضها.
ترى مصادر سياسية عليمة بأنّ ثمّة هوّة واسعة وشاسعة بين ما تُطالب به “حماس”، وما يريده العدو الإسرائيلي والأميركي والدول الحليفة لهما. فحركة “حماس” تريد حلّاً يُنهي العدوان على غزّة ويوقف إطلاق النار ويُطلق سراح الأسرى، وبالتالي يؤدّي الى انسحاب القوّات الإسرائيلية من القطاع بشكل نهائي، ويُعيد النازحين الى مناطقهم، رغم تدمير عدد كبير من المباني السكنية والمستشفيات والمدارس، أي باختصار عودة القطاع الى ما كان عليه قبل عملية “طوفان الأقصى”. في حين أنّ العدو لا يهتم سوى بمطالبه أي بإطلاق سراح من تبقّى من الرهائن، وإعادة المستوطنين الى المستوطنات الشمالية، مع استمراره في الحرب وفي مخطّط قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين وتهجير كلّ من تبقّى منهم الى خارج القطاع باتجاه مصر. علماً بأنّ الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي رفض هذا المخطط التهجيري للفلسطينيين الى بلاده.
لهذا، لا يتمّ اليوم التوافق على أي هدنة، مؤقّتة كانت أم طويلة الأمد، رغم كلّ المساعي والجهود الدولية والعربية التي تُبذل، على ما أضافت، الأمر الذي يشير الى أنّ الحرب بين الجانبين ستكون طويلة فعلاً. كذلك فإنّ الأميركي لا يزال حتى الساعة يؤيّد ويدعم “الإسرائيلي” في كلّ ما يقوم به من قتل وتدمير وتهجير واستهداف للمدنيين، تحت عنوان “القضاء على “حماس”، وإن كان يوحي بأنّه ضدّ استمرار الحرب أو قصف المدنيين. ففي الواقع بدأت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تصبّ اهتماماتها على الإنتخابات الرئاسية، الأمر الذي يجعل بايدن حائراً كونه لا يريد خسارة أصوات العرب والمسلمين ويُطالب حليفته بعدم استهداف المدنيين في غزّة، رغم أنّ نواياه باتت مكشوفة في هذا الإطار. ومن جهة ثانية، لا يُمكنه الضغط على “إسرائيل” لوقف الحرب فوراً، كونه يودّ كسب أصوات اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأميركية. ولا يزال في الوقت نفسه، يأمل بقبول “حماس” بالمطالب الإسرائيلية والتراجع عن شروطه، رغم صعوبة الأمر.
وهذا يعني، وفق المصادر نفسها، بأنّ فرصة إحلال الهدنة في غزّة، وفي جنوب لبنان، قد ضاعت، لا سيما مع دخول إدارة بايدن في حسابات الحملة الإنتخابية التي قد لا تعيده الى البيت الأبيض في حال أخطأ فيها. ولهذا حاول الموفد الأميركي آموس هوكشتاين خلال زيارته الأخيرة الى بيروت، إنجاح اقتراح فصل الجبهتين عن بعضهما البعض، علّه يتمكّن من إيجاد حلّ ما للجبهة الجنوبية. غير أنّه فشل، مع رفض “حزب الله” مناقشة أي طرح قبل وقف إطلاق النار في غزّة.
من هنا، ما يُمكن تأكيده، على ما تابعت، في حال قرّر هوكشتاين عدم العودة قريباً الى لبنان، لأن ليس لديه أي طرح جديد ليُقدّمه للمسؤولين اللبنانيين، هو أنّ الجبهة الجنوبية ستبقى مفتوحة أقلّه الى ما بعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية، أي الى الخريف المقبل. على أن تبقى المواجهات العسكرية على الوتيرة نفسها ضمن قواعد اللعبة، أي ما يُعرف بـ “قواعد الإشتباك”، إلّا في حال قرّر العدو خوض مغامرة غير محسوبة النتائج، وشنّ ضربة قويّة على لبنان.
وأشارت المصادر عينها، الى أنّ كلّ ما يقوم به “الإسرائيلي” اليوم هو إيهام الرأي العام بأنّه “يستمر في القتال من أجل تحقيق الأهداف” لهذا يرفض التراجع رغم الضغوطات. ولا شيء سوف يغيّر المشهد المأسوي الذي يعيشه أهالي غزّة منذ 7 تشرين الأول الفائت، واللبنانيون في جنوب لبنان، سوى أمرين:
الأول، عدم القيام بعملية رفح (والتي قد تمتدّ الى شهر أو شهرين)، وإسقاط حكومة بنيامين نتنياهو وقبول الحكومة الجديدة بتقديم بعض التنازلات. علماً بأنّ نتنياهو يؤكّد مضيه في هذه العملية رغم الضغوطات الكثيرة عليه لإلغائها، وليس بالتالي من مؤشّرات حالياً تدلّ على إمكانية إسقاط حكومته هذه، رغم وجود خصوم كثيرين لها ينتقدون أداءها.
الثاني، قبول حركة “حماس” بالمطالب الإسرائيلية، أي بالتنازل عن شروط المقاومة. وهو أمر لن يحصل أيضاً في المدى المنظور.
وهذا يعني بأنّ المواجهات العسكرية بين “حزب الله” و”إسرائيل” ستتواصل، ما دامت الحرب مستمرّة في غزّة، ويُمكن أن تتوسّع، على ما يُهدّد العدو، لجرّ الحزب الى مواجهة أوسع. ما يجعل الأمور والمفاجآت مرتبطة بالميدان كون الكلمة الأولى والأخيرة له.