التصرفات الاجرامية في النزاعات العسكرية تجعل السكان المدنيين في حالة من الاستضعاف والتوتر والخوف. فآلة الحرب “الإسرائيلية” دمرت ابراجا ووحدات سكنية شاهقة على رؤوس قاطنيها، وكأن العدو الصهيوني ينتقم عن مئة عام مضت ومئة عام مقبلة، يفجر غضبه الملعون بأطفال أعمارهم لا تتجاوز العامين. فالأوضاع الامنية والإنسانية في قطاع غزة تشكل ضغطا متزايدا وخطرا مضاعفا على المواطنين. ويعاني أكثر من 40% من الأطفال، إما من اليتم بسبب وفاة ذويهم بالقصف، وإما بموتهم دون أي رحمة، هذا الى جانب الاصابات المباشرة والانفصال عن الاسرة، جراء النزوح وانقطاع الامدادات الغذائية والصحية كنوع من الضغط والحصار على العزّل، للتضييق على الجهة المستهدفة في هذا النزاع المرتبط بهذه الملحمة الهيْجَاء.
وعادة يكون ضحايا الحرب من الراشدين او المواطنين الموجودين في ميدان الصراع، او في المساحة القريبة من مكان الاقتتال، الا ان أكثر من 70% من الضحايا في حرب العدو الإسرائيلي الحالية على غزة، هم أطفال دون العاشرة من العمر، ناهيكم بأولئك الذين أصيبوا بجروح بالغة او بتشوهات جراء القذائف الفوسفورية التي يقصفها العدو على المدنيين. وفي هذا السياق، كان أعلن المكتب الإعلامي لحركة حماس ان 64% من شهداء القصف “الإسرائيلي” منذ 7 تشرين الأول هم من الأطفال والنساء.
القانون الدولي “حبر على ورق”!
واقعيا، القانون الدولي بات مجرد حبر على ورق ، ودائما المعتدي يكون مسيطرا ويتنصل من الجرائم التي ارتكبها ضد المدنيين. ويقول القانون الدولي: “ان مسألة حماية الأطفال وقت الحروب مسألة مكرّسة في القانون الدولي الإنساني، الذي يوفر حماية عامة لجميع المتضررين من النزاعات المسلحة، ويتضمن احكاما تتعلق بالأطفال خصوصا”. ويحظى الأطفال طبقا للقانون الدولي بوصفهم مدنيين بالحماية، ففي حال وقوعهم في قبضة قوات العدو يجب ان يعاملوا معاملة إنسانية، ويحمي القانون الدولي جميع الأطفال من الانتهاكات بما فيها التعنيف وسوء المعاملة والعنف الجنسي والاحتجاز التعسفي او السبي كرهائن والنزوح القسري.
وبحسب القانون الدولي، يجب الا يكون الأطفال هدفا للهجمات بأي حال من الأحوال، ما لم يشاركوا بشكل مباشر في الاعمال العدائية، ويشمل ذلك الحصول على التعليم والغذاء والرعاية الصحية واتخاذ تدابير محددة لحماية الأطفال المحرومين من حريتهم والمنفصلين عن اسرهم. وينص قانون حقوق الطفل 1989 وبرتوكولها الاختياري بشأن اشراك الأطفال في النزاعات المسلحة (2000) على وجه الخصوص، وقاية الأطفال من آثار النزاعات المسلحة”.
هذا القانون الذي يرمي الى احترام حقوق الانسان لا تطبقه “إسرائيل” المتطرفة اجراميا، كما انها لا تحاسَب في المحاكم الدولية على افعالها وجرائمها التي تقترفها يوميا. فالاحتلال يحرم المدنيين في قطاع غزة من ابسط مقومات الحياة مثل المياه والكهرباء والدواء.
والسؤال اين شرعة حقوق الانسان من كل ما يقترفه العدو الاسرائيلي ضد الانسان والإنسانية والطفل والطفولة؟
الخوف يؤثر في الصحة النفسية
قالت الاختصاصية الاجتماعية غنوة يونس لـ “الديار”: “يعيش الأطفال اليوم أقسى أنواع الخوف والهلع وعدم الشعور بالأمان، وهذا يؤثر في صحتهم النفسية، ان لجهة الأطفال الذين يقطنون بالقرب من موقع المعركة ، او لأولئك الذين يرون المشاهد التي تبث على وسائل التواصل الاجتماعي او عبر القنوات التلفزيونية. ويقاسي الأطفال في غزة بشكل خاص من الاضطهاد، فيرتعبون من القصف العشوائي ومن أصوات تحليق طيران العدو الإسرائيلي فوق رؤوسهم، وهذا يقتلهم مئات المرات يوميا”.
سطوة الحروب
واوضحت يونس “يمكننا تقسيم تأثيرات الحروب واجواء الجزع هذه الى قسمين:
- أولا: اضطرابات الصدمة الآنية، أي التي تحدث الآن وفيها مزيج من الاختلالات السلوكية مثل: التوتر الدائم، عدم الارتياح، الخوف المتواصل، التبول اللاإرادي، الشعور بالارتعاب المستمر، لان الطفل يرى ان اهله غير قادرين على حمايته، وهذا يشكل ضغطا اضافيا على صحة الأبناء النفسية”. اضافت: “يقوم الطفل المتوتر دائما بتصرفات أخرى، مثل الصراخ المتواصل كتعبير عن خوف داخلي، البكاء الشديد، فقدان التركيز، قلة الاكل وغيرها من العوارض التي يتسبب بها هذا الجو الذي يهدد كل انسان. فدفاعات الطفل النفسية ضعيفة، وليست جاهزة لتلقي هكذا نوع من الارتطام والذعر، فاذا كان الراشدون لا يستطيعون تحمل ما يجري، فكيف بالصغار؟”.
وتطرقت يونس الى منحى آخر يتمثل بالآثار ما بعد الصدمة، فاشارت الى “ان العديد من الدراسات اكدت ان 70% من مجمل الأطفال يعانون من الاضطراب بعد انتهاء الحروب، ويترجم على النحو الاتي: انعدام الشعور بالأمان، الخوف الدائم، غياب الاندفاعية، كوابيس ليلية، فرط حركة، اضطرابات نقص الانتباه، اكتئاب وقلق”.
واكدت “ان هذه العوارض لا تؤثر في أطفال غزة فقط، وانما تشمل كل الأطفال الذين يحضرون هذه المشاهد، فقساوة الصورة تصل اليوم الى كل بيت ويراها الصغار قبل الكبار. طبعا التهديد ليس مشابها للواقع الحقيقي الذي يعيشه الأطفال في قلب الحرب المتوقدة، لان المشاهد التي تُبث او تُنقل خارجة عن إطار المألوف ولا يتحملها العقل، كونها إبادة جماعية حقيقية”.
كيف يتم التعامل مع الاطفال خلال هذه الفترة؟
وعن كيفية التعامل مع الاطفال في هذه الفترة، نصحت يونس “باستخدام بعض الاساليب التفريغية لتهدئة الاطفال، كالصلاة او حفظ بعض الآيات من القرآن الكريم او الكتاب المقدس، وتشجيعهم على الكتابة للتعبير عن مشاعرهم وتفسير خوفهم، وترجمة افكارهم بالرسم، وممارسة الرياضة في المنزل لمساعدتهم على الشرح والتوضيح. أيضا اللعب مع الاطفال كوسيلة لإخراج الإحساس السلبي، من خلال اعتماد مجموعة من الالعاب التي تتضمن بعض التدابير الوقائية، مثل التمثيل وكيف يمكنهم التصرف في حال حدث قصف او اصوات عالية”.
وقالت: “يجب على الاهل التوقف عن مشاهدة الاخبار امام الطفل، لان المشاهد المنقولة تجعله يقلق لان قدراته على التحمل محدودة، كما ان قراءة القصص بشكل متواصل يولّد طابعاَ جيدا ومرحَا لكي يبتعد قليلا عن الخوف، وهذا يحفز الخيال الايجابي لديه”.
وختمت يونس قائلة: “بعد كل هذه الاحداث والمجازر ليس بمقدورنا تجنيب الاطفال الاذى النفسي جراء ما يعيشونه، لذلك كل ما نستطيع فعله في الوقت الحاضر هو التخفيف من هذه العوارض والالم النفسي والآثار السلبية لهذه النزاعات والمجازر التي ترتكب ضد الأطفال”.