في خضم الأزمات المستمرة، يعاني لبنان من تداعيات ملحمة ضروس وعدوان اسرائيلي حول الجنوب واماكن متعددة من البقاع الى ارض محروقة. وقد أدت الحرب الدائرة بين حزب الله و”إسرائيل”، إلى نزوح أكثر من مليون ونصف مواطن إلى مناطق لبنانية مختلفة، بعد أن اجبروا على مغادرة ديارهم سواء من خلال الإنذارات التي يطلقها جيش العدو بضرورة الاخلاء او بسبب الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية المتكررة. ومع تصاعد هذه الهجمات الصهيونية الغاشمة التي طالت بلدات كانت تُعتبر آمنة مثل بشامون وعاريا، وصولًا إلى الكورة وجبيل، أصبح الوضع أكثر تعقيدًا. ولا بد من الإشارة الى انه أرغم الكثيرون على الانتقال إلى مراكز الإيواء التي تفتقر في الغالب إلى المقومات الأساسية. تزداد التحديات في تلك المراكز، خاصة بالنسبة لكبار السن، الذين يحتاجون إلى رعاية غذائية وصحية خاصة.
أهمية الغذاء في حياة كبار السن
مما لا شك فيه، ان الغذاء يحمل قيمة كبرى بالنسبة الى كبار السن، فهو أساس الحياة ولكنه يصبح أكثر أهمية في هذه المرحلة. فهم أكثر عرضة لمشكلات صحية مزمنة، بما في ذلك أمراض القلب والسكري وهشاشة العظام. لذا، تحتاج متطلباتهم الغذائية إلى اهتمام خاص، حيث تساهم الوجبات الغنية بالبروتينات والفيتامينات والمعادن في تعزيز صحتهم العامة. كما يساعد اتباع نظام غذائي متوازن على تقوية جهاز المناعة وتقليل فرص الإصابة بالأمراض.
يوضح اختصاصي التغذية طه مريود لـ “الديار” أنه “في مراكز الإستضافة، تبرز الحاجة إلى توفير الوجبات التي تلبي احتياجات كبار السن. يشمل ذلك تكييف الوجبات بما يتناسب مع حالاتهم الصحية، مثل تقليل الأملاح والسكر، وتوفير الأطعمة سهلة الهضم. إذا لم يتم تأمين هذه الشروط، فإن النتائج قد تكون وخيمة، مما يضع كبار السن في خطر أكبر للإصابة بمشكلات صحية”.
ويشير إلى “التحديات التي تواجه هذه الفئة في مراكز الإيواء، ومن بين هذه الصعوبات، نقص الحصص المناسبة وغياب الخدمات الطبية الأساسية. إذ يعاني الكثير من كبار السن من مشكلات حركية، مما يصعب عليهم الوصول إلى الطعام أو الحصول على الرعاية اللازمة. كما أن ضعف الدعم النفسي والاجتماعي يؤثر بشكل كبير في حالتهم العامة”.
ويضيف، “تفتقر العديد من مراكز الإيواء إلى الدعم الكافي لتلبية احتياجات كبار السن. وفي كثير من الأحيان، يتم تجاهل مطالبهم الخاصة، حيث تُعطى الأولوية في هذا المجال للأطفال والشباب وحتى النساء. وهذا يتطلب تغييرا في الطريقة التي تُدار بها عمليات الإغاثة، بحيث من الواجب الإنساني العناية القصوى بكبار السن”.
مسؤولية الجمعيات الخيرية والهيئات الإنسانية
ويشدد على ان “الجمعيات الخيرية تلعب دورا وظيفيا حيويا في تقديم الدعم لكبار السن في مراكز الإيواء. من الضروري أن تعمل هذه المنظمات على تطوير برامج تستهدف احتياجات كبار السن، مثل توفير الوجبات الصحية، وتنظيم حملات توعية حول التغذية السليمة. بالإضافة الى ذلك، يجب تدريب العاملين في مجال الإغاثة على فهم متطلبات هذه الشريحة من المجتمع وكيفية تلبيتها بشكل فعال. لذلك، يفترض أن تتضمن هذه المبادرات، سواء كانت خاصة او حكومية او اهلية، تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهؤلاء، من خلال توفير بيئة آمنة ومحفزة. كما يمكن أن تضم هذه المشاريع أنشطة ترفيهية واجتماعية، تساعد في تحسين الحالة النفسية لكبار السن، وتعزز من شعورهم بالانتماء والمشاركة في المجتمع”.
شهادات ميدانية
وفي هذا الإطار، أجرت “الديار” مقابلات مع عدد من كبار السن في مراكز الإيواء ضمن نطاق مدينة بيروت، حيث تم تسليط الضوء على تجاربهم. يقول الحاج حيدر، الذي يبلغ من العمر 72 عاما: “كنت أتابع نظامًا غذائيا صارما بسبب إصابتي بالسكري، لكن في مركز الإيواء، لا أحصل على الطعام الذي يناسب حالتي الصحية واشعر بأن صحتي تتدهور بسبب هذا الوضع الحرج”. بالطبع يعكس حديث الحاج حيدر التحديات التي يواجهها كبار السن الذين يعانون من الأمراض المزمنة.
وتتحدث الحاجة هدى أم مهدي، البالغة من العمر 65 عامًا، عن تجربتها، قائلة: “كنت أتناول الأطعمة الصحية، لكن هنا لا أجد أي خيارات. أعاني من ارتفاع ضغط الدم، ويجب أن أكون حذرة في ما أتناوله. لا يساعدني الوضع هنا على الالتزام بنظامي الغذائي”.
تعتبر هذه الشهادات دليلًا على الواقع الصعب الذي يعيشه كبار السن في مراكز الإيواء، مما يستدعي ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة والزامية لضمان تقديم الدعم اللازم.
ويتناول مريود توصيات تهدف الى تحسين اوضاع كبار السن وتوفير الرعاية المناسبة لهم في مراكز الإيواء. لذلك، ينبغي اتخاذ خطوات فعالة تتضمن:
1. تعيين موارد غذائية خاصة: يجب أن تخصص برامج الإغاثة موارد ضرورية تلبي احتياجات كبار السن، مع التركيز على توفير الوجبات الصحية.
2. تدريب العاملين في مجال الإغاثة: من المهم أن يتلقى العاملون في مراكز الإيواء التدريب المناسب لفهم متطلبات كبار السن وكيفية تقديم الدعم اللازم لهم.
3. تقوية المساندة: يجب أن تشمل برامج الدعم الاجتماعي فعاليات ترفيهية ونفسية تعزز من تواصل كبار السن مع بعضهم البعض ومع المجتمع.
ويختم “في الخلاصة تتطلب أزمة النزوح في لبنان مزيدا من العناية بكبار السن، الذين يعانون في صمت. إذ يعتبر توفير الغذاء المناسب والرعاية الصحية والاجتماعية لهم واجبا إنسانيا يستحق الالتزام من جميع المعنيين. يجب أن نتذكر أن كبار السن ليسوا مجرد ضحايا، بل هم جزء أساسي من نسيج المجتمع، ويجب أن يُنظر إليهم كأفراد لهم حقوق واحتياجات تستحق الرعاية والاهتمام”.