مخطئ من يظن أن عهد ميشال عون سينتهي في الحادي والثلاثين من تشرين الأول. نهاية العهد ستكون على الورق. وفي الإجراء العملاني سيخرج عون من القصر الجمهوري، لكن القصر سيرافقه إلى الرابية. وإن ما قاله رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي عن أنه تم نقل كل شيء إلى الرابية، على الرغم من محاولة تقديمه كنكتة أو فكاهة، إلّا أن ذلك سيكون واقعاً. ويكفي ما استنبطه جبران باسيل في آخر إطلالة له عن كلام دار بينه وبين أحد أصدقائه بأن عهد عون لم يبدأ في الدخول إلى بعبدا ولن ينتهي بالخروج من القصر، إلا إصرار على الاستمرار بفكرة نجح عون نفسه في تكريسها ما بعد خروج من القصر ذاته مهزوماً في 13 تشرين، فحّول الإنكسار إلى انتصار، وإن تأخر قبض ثمنه.
السحر والتوهم
من يعرف ميشال عون، وكيفية تعاطيه مع النوازع السوسيولوجية للبنانيين والعونيين، يوقن أن الحقبة العونية لن تنتهي. ومن يحاول طمأنة نفسه بذلك، أو يمنّي نفسه بأن المسألة مرتبطة بالوجود في بعبدا وتنتهي بالخروج منه، سيكون حتماً في حكم الخائب لاحقاً، أو بالحدّ الأدنى سيكون خاسراً لرهانه. أسس عون لمرحلة من النادر حدوثها واستمرارها واتساع رقعتها. وهنا يبقى الحديث في أرقام وإحصاءات شعبيته (وتياره) وتراجعها على صعيد التمثيل مسألة عرضية لا تفي بالغرض. ثمة جموع لا تزال مؤمنة بهذا التيار أو بشخص الرجل، وإن غلب عليها طابع “السحر” أو التوهم، لكنها جموع قائمة بذاتها، لها تمثيلها وحضورها وتأثيرها، ولها أساسها القائم في بنية الدولة العميقة، وفي تعميم الحالة العونية داخل الإدارات والقطاعات، وحتى داخل البنى الحزبية والاجتماعية للأحزاب الأخرى، التي تنتظر يوم الإثنين المقبل للإطلاق على عون صفة “الرئيس السابق”.
إذاً، لم يبدأ عهد ميشال عون في 31 تشرين الأول 2016. إنما كان العهد قد بدأ في تعطيله أول حكومة أراد تياره المشاركة بها كرمى لعيون صهره. وتعزز العهد ما بعد الانقلاب على حكومة سعد الحريري من دارته في الرابية في العام 2011، منذ ذلك الوقت بالتحديد كان العهد يلج إلى كل المفترقات والمفاصل. لحظة العام 2016 والتصويت له في المجلس النيابي، كانت فقط في سياق الانتقال من الرابية إلى بعبدا، أو نقل “الرابية” إلى القصر الجمهوري، وحالياً حان موعد نقل القصر إلى تلك التلّة التي بني عليه قصره جديد.
استثمار بـ”المظلومية”
لن يكون ميشال عون حقبة، أو عبارة عن مرحلة. لا بل إن العونية حالة مستمرة، قابلة للدوام، وتعيش على الاستمرار في ادعاء المظلومية. تلك المظلومية التي يخيل إلى الكثيرين أنها مشابهة إلى حدود بعيدة للمظلومية الشيعية، التي تتأسس عليها قضية سياسية عمرها أكثر من 1400 سنة. في المظلومية العونية تطال الحالة الجانب الشخصي في ادعاءات الرئيس بأنه حورب وحوصر وتعرّض للتآمر، لكونه البطل المخلص والقائد العادل والمستقيم و”مصلح الأمة”. وهذا مجال للاستثمار الأطول في تلك المظلومية، والتي لا بد لها أن تستمر باستمرار معاركها ومواجهاتها.. في السياسة وشعاراتها.
لن يكون انتقال القصر الجمهوري إلى الرابية رحلة رمزية أو “مسيرة حج”، والتي غالباً ما تشغف بها الجماعات المشرقية وتلجأ إليها في الأوقات العصيبة. الهدف أبعد من ذلك، ويرتبط بأن تعود إلى الرابية كل آليات الحلّ والعقد، في الاستحقاقات المقبلة، رئاسياً وحكومياً وكل ما له علاقة بإدارة شؤون الدولة، أو حتى بالذهاب إلى طاولات الحوار. وعليه، تبقى العونية حالة سياسية إلى جانب الحالة الاجتماعية، والتي ستكون حاجاتها الأساسية هي الاستمرار بخوض المعارك أو حتى اختراعها واصطناعها. وهنا يُفترض أن أكثر من يعرف عون في هذا المجال هو رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، والذي وصفه في سنوات الحرب بالراكب على الدراجة الهوائية، التي يحتاج راكبها إلى الاستمرار في التدويس كي لا يقع. إنه الوصف الأدق لشخصية عون وحالته.
في الرابية، سيكون عون مستمراً بالدوس، مستنداً على الحاجة الاستراتيجية الدائمة له من قبل حزب الله، فيما الآخرون والغارقون في سكرة خروجه -بحال استمروا كذلك- لن يكون لهم سوى الوقوع تحت العجلات.