نضال العضايلة
- واقع الأردنيين يبدو أكثر إثارة للخوف من مستقبل مجهول
- الحكومات هذه الأيام مستنسخة ولا تشعر بحاجات الناس
- الأردن مستهدف كنظام وشعب ووطن من الاحتلال الاسرائيلي وأمريكا
- إسرائيل ترفض حلّ الدولة الواحدة وحلّ الدولتين والكونفدرالية، هي تريد كلّ شيء
ألقى رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري في نقابة الصحفيين الأردنيين، محاضرة بعنوان “أين سنكون مستقبلا”، تطرّق خلالها إلى الوضع الراهن في الأردن وفلسطين، وما ستؤول إليه الأحوال في المستقبل بناء على الواقع الذي نعيشه اليوم.
وقال المصري في المحاضرة التي دعت إليها نقابة الصحفيين الأردنيين: إن الواقع الذي يعيشه الأردنيون اليوم يبدو أكثر إثارة للخوف من قادمات الأيام ومن مستقبل مجهول لا يجدون معه حتى مجرّد فكرة “المستقبل الآمن أو الناعم”، مشيرا إلى أن الحكومات هذه الأيام تبدو وكأنها “لا تشعر بحاجات الناس أو بالمستقبل، وما يمكن أن يكون عليه حالها في قادمات الأيام، كما أن سياساتها تجعلنا نعتقد أنها حكومات مستنسخة عن بعضها البعض؛ حكومة واحدة ولكن بوجوه وأسماء مختلفة.
وأكد المصري أن الأردن مستهدف كنظام وشعب ووطن من خلال خطط وأطماع مرسومة على الورق من قبل الطامعين وفي مقدمتهم دولة الاحتلال الاسرائيلي ومن يقف خلفها من الداعمين في أمريكا والغرب عموما، وما نراه من دعم معلن وغير معلن من قبل بعض الأشقاء، متسائلا: “خطر التمدد الصهيوني ينتقل إلى الأردن، فماذا نحن فاعلون؟”.
وأشار المصري، وهو السياسي العريق، إلى تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية وممارسات العدوّ الصهيوني، قائلا إن اسرائيل تحتل اليوم كلّ أراضي فلسطين ما عدا قطاع غزة وفرضت القدس كعاصمة لها، وها هم يعملون بجد على بناء الهيكل الذي هو إشارة بأن إسرائيل التوراتية قد اكتملت.لافتا إلى أن ما يدور هذه الأيام في المسجد الأقصى بذبح القرابين داخل الأقصى هو بمثابة إعلان أن هذا هو موقع الهيكل “وهو الخطوة الاخيرة بيننا”.
وأضاف المصري: “إذا تذكرنا أن قانون قومية أو يهودية الدولة قد أصبح ضمن الدستور أو النظام الأساسي للدولة، وهو القانون الذي يعلن ان فلسطين لليهود وحدهم وان سكانها يجب ان يكونوا يهوداً . وهذا في فهمي أن إسرائيل ترفض إعطاء الفلسطينيين لا دولة واحدة ولا حل الدولتين ولا حكماُ محلياً ولا كونفدرالية ، لا شيء لنا وكلها لهم”.
وانتقد المصري عقد الحكومات اتفاقيات مع الاحتلال الاسرائيلي رغم النتائج الوخيمة التي استقرت عليها هذه العلاقات والسياسات، مشيرا إلى “إستمرار تنفيذ البرنامج الصهيوني الذي يعمل على ضم كل الضفة الغربية إلى إسرائيل والتعامل مع السكان الفلسطينين حسب مفهوم قانون يهودية الدولة. بالاضافة إلى كون كلّ الفئات في إسرائيل (الحكومة، الكنيست، الأحزاب، والإعلام) تتحدث علناً عن (الوطن البديل)، ما يجعل حدود إسرائيل الأمنية هي عند حدود الأردن الشرقية، وأحد أحلامها بالوصول إلى قلب العرب. ومع ذلك تعقد الحكومة الاتفاقيات معها ضاربة عرض الحائط بالنتائج الوخيمة التي استقرت عليها هذه السياسات والعلاقات”.
وحذّر المصري من سوداوية المستقبل إذا ما بقي تفكير وعقل الحكومات على ما هو عليه الآن، محذّرا من “ضربات موجعة من الصعب مواجهتها والتصدي لها، على نحو تمـــدد المشروع الصهيوني، وإغراقنا بالمزيد من ربط اقتصادنا ومعاشنا بالقوتين الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية الإسرائيلية، وهو أمر من المؤكد أنه سيؤثر على استقلالنا وسيادتنا وهويتنا الوطنية الأردنية”.
وقال المصري: “إننا إذا لم نطور نظامنا السياسي، واستفحلت المشكلات الأساسية التي يعاني منها المجتمع، وتمّ خلق أعداء وهميين سواء بسبب العقيدة أو الهوية والجنسية، والتبدل السلبي في المفهوم العشائري، وتراجع الإصلاح وتمتين العلاقات مع اسرائيل المحتلة الطامعة، وظهر للناس أن ثمة انقسام عميق في المجتمع الأردني، فإننا عندها سنكون وجها لوجه مع أخطر مشكلة تواجهنا في المئوية الثانية”.
وتطرّق المصري إلى الوضع الاقتصادي في الأردن، قائلا إن الأزمات الاقتصادية المتلاحقة رفعت قيمة الدين العام الخارجي، وأضعفت كل قطاعات الاقتصاد، ليصبح مقدار الدين الخارجي (40) مليار دينار، ونقترب بسرعة من اعتبارنا دولة مفلسة. ما يضطر الحكومات لرفد الموازنة العامة بفرض المزيد من الضرائب، الأمر الذي أدى بالنتيجة لارتفاع نسبة البطالة، والتضخم، وتآكل المداخيل وانخفاض القوة الشرائية للمواطنين، لينعكس ذلك بطبيعة الحال على أداء السوق والسيولة النقدية وحركة المال اليومية، وبالنتيجة زيادة الفقر والفقراء وبنسب عالية لا مثيل لها.
وأشار إلى اعتقاد غالبية الأردنيين بأن الأزمة الإقتصادية التي نعيشها الآن هي خطط تنفذ على الأرض في سياق استهداف الأردن دولة وشعبا للوصول به إلى الاستسلام الناعم لكل المشاريع الهادفة لتأمين التمدد الصهيوني في المنطقة والإقليم، وهو اعتقاد لم يولد من فراغ، مما يحتم على الحكومة التفكير في خلق واقع اقتصادي جديد بأفكار وخطط جديدة بعيدة عن الإعتماد على الضرائب الباهظة لتأمين موازنة الدولة، وبعيدا أيضا عن ربط الأردن بمشاريع استراتيجية كبرى مع إسرائيل على نحو اتفاقيتي الغاز والمياه وهما السلعتان الاستراتيجيتان اللتان ستكونان مستقبلا عنوانا رئيسا في صراعات الشرق الأوسط والإقليم والعالم.
وتساءل المصري: “كيف لبلد كالأردن أن يضحي بعدم استخراج مادة حيوية له هي الغاز، ويوقف بشكل مفاجئ وبسرعة وبدون إبداء أسباب. يقوم بذلك حفاظاً على ربحية إسرائيل من هذا الغاز المستخرج أو المسروق من فلسطين”.
وحول الاصلاح السياسي، قال المصري: “إن جهود التحديث ترواح مكانها، وعلى مدى نحو 32 سنة لم ننجح بتكريس النهج والسلوك الديمقراطي الحقيقيين، وظللنا نستمرئ البقاء في خانة “التحول الديمقراطي” أو “الوضع الحالي” وذلك لأسباب عديدة أهمها المماطلة في تنفيذ أي مشروع إصلاحي حقيقي رغم كثرة المشاريع الناجزة والمهمة، والتي أبقتها الحكومات حبرا على ورق، بدءا بالميثاق الوطني مرورا بالأجندة الوطنية ولجنة الحوار الوطني، متمنيا أن لا يكون مصير مخرجات لجنة التحديث الملكية الأخيرة كمصير سابقاتها”.
وتابع رئيس مجلس الأعيان الأسبق: “العالم اليوم يتجه لفتح المزيد من الطرق والوسائل لإشراك الشعب في السلطة ورسم السياسات، فيما نحن نسير عكس هذا التيار الأممي المتنامي، بل إن الكثير من الدول الديمقراطية بما فيها دول التحول الديمقراطي أصبحت تفوض سلطاتها للشعب من خلال البرلمان والإنتخابات، فيما نحن نتمسك باضعاف دور مجلس النواب بل والتعديل على صلاحيته الدستورية وهو ما أدى بالنتيجة إلى فقدان الثقة الشعبية ليس بالمؤسسة البرلمانية وحدها وإنما بكل مكونات الدولة والسلطة”.
وطرح المصري تساؤلات عديدة حول التعديلات الدستورية الأخيرة والتعديلات التي جرت على القوانين النظامة للحياة السياسية، وما وفرته هذه التعديلات من تحسين في النظام العام؟ ومدى الاهتمام الذي حظيت به التعديلات الدستورية الأخيرة من المواطنين؟ وما هو الأثر الايجابي الذي انعكس او سينعكس على حياتهم؟ وأين ستظهر للمواطنين قوة هذه التعديلات؟ متابعا: “أن مثل هذه التساؤلات لن تجد غير إجابة واحدة صادمة في مجملها، وهي أنها لم تعكس أية حاجة للشعب بقدر انعكاسها على المزيد من تكريس السلطة بيد السلطة نفسها، مما سيبقي البرلمان والتمثيل الشعبي في أضعف حالاته، وبالنتيجة سيؤدي بالمواطنين إلى المزيد من الخوف والقلق وفقدان الثقة، وهنا سنفتقد حتى مجرد القدرة على التفكير بمستقبلنا”.
ولفت إلى أن “هذه التعديلات تسير بالبلد إلى وضع يغير النظام الدستوري في الأردن إلى شيء آخر لم يجري الاتفاق عليه من قبل، ولم يناقش بالأسلوب الدستوري الديموقراطي، كما أن التعديلات الدستورية التي جرى اقرارها مؤخرا تسير بالبلد إلى وضع يخالف مسار كل المجتمعات في كل الدول”.