الأخبار – عبد الكافي الصمد
شهدت طرابلس، أمس، ما جرى التحذير منه منذ أشهر، من أن يؤدي الاحتقان الشعبي نتيجة الأزمة الاقتصادية والمعيشية الضاغطة إلى انفجار اجتماعي واسع، لن تسلم منه أيّ منطقة، وما أشارت اليه التقارير الأمنية من ترجيح أن تخرج شرارة هذا الانفجار من عاصمة الشمال تحديداً.
فقبل انطلاق الموجة الجديدة من الاحتجاجات السبت الماضي، وهي الأعنف منذ إحراق مبنى البلدية والمحكمة الشرعية في 28 كانون الثاني الماضي، حذّرت معلومات أمنية من أنّ المدينة مقبلة على تطوّرات أمنية خطيرة، وستغرق في فوضى أمنية قبل حلول عيد الأضحى، بعد نحو 20 يوماً. واستندت هذه المعلومات إلى أنّ طرابلس اعتبرت دائماً خاصرة أمنية رخوة، وأرضيتها خصبة لاندلاع أيّ نزاع أمني، عدا عن ضعف قياداتها ومرجعياتها السياسية وانقساماتهم على أنفسهم، وهي لطالما كان ينظر إليها على أنّها «صندوق بريد» لتبادل الرسائل الأمنية المتفجّرة، داخلياً وخارجياً.
قبل الانفجار الاجتماعي – الأمني في المدينة أمس، كانت مجموعة مؤشّرات بدأت تلوح في الأفق تحذّر من أنّ الأيّام المقبلة تنذر بالأسوأ. أحد هذه المؤشّرات تمثل في تغريدة لافتة نشرها سفير اليابان في لبنان تاكيشي أوكوبو، الإثنين الماضي، أشار فيها إلى أنّه «ألغيتُ الزيارة التفقدية إلى الشمال بسبب توتر الوضع الأمني. كنتُ أتوقّع الزيارة إلى موقع المشروع الذي موّلته اليابان مؤخراً. يُقال إنّه سوف يزدهر الأمن الذاتي مجدّداً».
التغريدة ترافقت مع حركة احتجاجات واسعة، ومسيرات كانت المناطق الشعبية في عاصمة الشمال تشهدها نهاراً ومساءً، نتيجة انقطاع الكهرباء وتوقّف مولدات الاشتراك الخاصّة عن العمل بسبب نفاد مادة المازوت، وهي أزمة أضيفت إلى الأزمة المعيشية والاقتصادية الضاغطة، بعدما كانت كلّ التحرّكات الاحتجاجية تجري سابقاً خارج المناطق الشعبية وعند مداخل المدينة. إلّا أنّ انتقالها إلى قلب هذه المناطق أعطى إشارة الى أنّ الانفجار هذه المرة سيكون كبيراً، لأن أغلب الانفجارات الشعبية في طرابلس، تاريخياً، كانت تخرج من رحم هذه المناطق الأكثر فقراً وعوزاً وبطالة وحرماناً، على مستوى لبنان كله.
هذه المخاوف ترجمت خلال ساعات قليلة، كان لافتاً فيها انتشار مجموعات مسلّحة في توقيت موحّد في أنحاء مختلفة من المدينة، ما أعطى انطباعاً وكأنّ أمر عمليات ما قد أُعطي لها. فقد انتشر مسلحون في الشوارع خلف المحتجين، مطلقين النار في الهواء، وأجبروا أصحاب المحال التجارية في منطقة التل وجوارها على إغلاق محالهم، وكان لافتاً أن أغلبهم لم يخفوا وجوههم التي كانت مكشوفة ومعروفة، من غير أن يبدوا أي خشية من ملاحقة أمنية لهم، ما يوحي بأنهم يحظون بغطاء سياسي ـ أمني.
هذا الانفلات الأمني تطوّر على نحو خطير، ووصل حدّ التصادم بين المحتجّين والجيش الذي تعرّض بعض عناصره للرشق بالحجارة من قبل عدد من المحتجين، في موازاة دعوة بعض الناشطين، ومنهم ربيع الزين، قائد الجيش العماد جوزف عون إلى «تأمين الدواء والكهرباء والحليب والبنزين للشعب، وإما أن تسحب الجيش من الشوارع ونحن نصفّي حسابنا مع المسؤولين»، في حين كانت غالبية مداخل المدينة تغلق من قبل المحتجين، إضافة إلى تقطيع أوصال المدينة التي بدت شوارعها خالية من السيارات والمارة.
النائب فيصل كرامي حذّر من أنّ «النّاس جاعت، والوضع مقلق بعد انقطاع الكهرباء على مدى 3 أيّام، ووصلنا إلى الانفجار الكبير، وما بدأ اليوم سيتمدّد في مختلف المناطق»، محذّراً من «دخول طابور خامس على خط الغليان»، في حين رأى نائب رئيس تيار المستقبل، النائب السابق مصطفى علوش، أنّ «ما كان متوقعاً بدأ يحصل في طرابلس، والانفجار الاجتماعي بدأ اليوم، والمزيد آتٍ في حال لم يحصل تدخّل سريع لوقف التدهور».