تنطلق قريباً أولى استحقاقات المجلس النيابي عبر انتخاب الرئيس ونائبه، وسط جوّ ملبّد بالمواقف الشعبوية و «التهريجية» التي تقدّم صورة أوّلوية عن مستقبل المجلس النيابي الحالي. مواقف مُعارضة لإعادة انتخاب نبيه بري، وأخرى مؤيدة، واللافت مواقف تدعو الى مقاطعة الجلسة، صادرة أو تحظى بتأييد بعض نواب «الثورة» الذين على ما يبدو وصلوا الى البرلمان لتفعيل التعطيل لا تغيير الواقع.
هناك من حاول تضخيم مواقف الكتل السياسية من إعادة انتخاب بري، خاصة ما صدر عن كتلة «القوات اللبنانية»، وكتلة «التيار الوطني الحر»، علماً أن الكتلتين لم يسبق لهما أن صوّتا لبري في رئاسة المجلس في المرات السابقة، منذ العام 2005 حتى اليوم، وما حصل عام 2018 من قبل تكتل «لبنان القوي» كان ترك الحرية لأعضاء التكتل، حيث عارض يومها انتخاب بري أكثر من 10 نواب من التكتل.
واشارت مصادر سياسية إن التعاطي مع مواقف «التيار» و «القوات» بهذه الطريقة هدفه الدخول في اللعبة الشعبوية التي يحاول لعبها نواب «الثورة»، فكلمة «تغيير» درجت موضتها اليوم، ويظن البعض أن عدم استعمالها سيخسره شعبياً، وهو ما ينعكس عدم جدّية بالتعاطي مع الملفات المطروحة، والتي تستوجب الإنتهاء منها سريعاً للتفرّغ الى قضايا الشعب اللبناني.
منصب رئيس المجلس أصبح محسوماً، تضيف الصادر، بغض النظرعن عدد الأصوات، وما يبقى اليوم حول هذه المسألة سؤال أساسي ستكون الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة عليه: هل سنبدأ العهد النيابي الجديد بالتعطيل أم لا؟
أما بالنسبة الى منصب نائب رئيس المجلس النيابي، فيكتسب هذا المنصب، في الوقت الراهن، أهمية بالغة، لا سيما أنه من المفترض أن يترأس في البرلمان الجديد إجتماعات اللجان النيابية المشتركة التي ستناقش العديد من مشاريع وإقتراحات القوانين الهامة، بالإضافة إلى أنه قد يتحول إلى المنصب المسيحي الأول في الدولة اللبنانية في حال الوصول إلى الفراغ الرئاسي.
في هذا السياق، تعتبر القوى المسيحية الأساسية، أي «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية»، أن فوزها بهذه المعركة يصب في خانة التنافس التي تخوضه على التمثيل المسيحي الأكبر، ولذلك يرشح كل منهما نائباً لهذا المنصب، بالرغم من إدراكهما أن وصول أي منهما، الياس بو صعب وغسان حاصباني، لن يكون بالأمر السهل، بحسب المصادر، بل يحتاج إلى مروحة واسعة من التفاهمات، خاصة أن التحالف الكبير الذي تتباهى به «القوات» لا يبدو أنه متفاهماً حول هذا المنصب لكثرة الراغبين فيه.
هنا، من المفيد الإشارة إلى أن هذا الأمر قد يكون مرتبطاً إلى حد بعيد بإنتخابات رئيس المجلس، حيث تنازل أي منهما في موضوع التصويت لبري يفتح الباب أمامه لتعزيز وضعية مرشحه، تقول المصادر، على قاعدة القدرة على تأمين أصوات نواب «الفريق الموالي لبري» له، خصوصاً بالنسبة إلى بو صعب، الذي من الممكن أن يؤمن توافق قوى الثامن من آذار عليه، بينما حاصباني يحتاج إلى تفاهم حول اسمه مع القوى والشخصيات المستقلة و «التغييرية.»
في الوقت الراهن، يصر مختلف الأفرقاء على رفض أي تسوية من هذا النوع، حيث تم الإعلان عن ذلك من جانب «القوات» و «التيار»، بينما بري، وبحسب المقربين منه، مرتاح إلى قدرته على الفوز بعدد لا يستاهن به من النواب، وقد لا يكون أيضاً في وارد الدخول في أي تسوية على هذا الصعيد، الأمر الذي يفتح الباب أمام معركة قاسية بين الحزبين المسيحيين الأساسيين، قد تقود إلى ذهاب المنصب إلى أحد النواب المستقلين، وهنا لا يقتصر الأمر على ملحم خلف، بل هناك سجيع عطية أيضاً، علماً ان بري يفضل أن تأخذ اللعبة الديموقراطية مداها في هذا الاستحقاق، مع الأخذ بعين الإعتبار أنه كلما زادت حدة المعارك كلما مالت الكفة لصالح الحلول الوسطية.