يتعايش لبنان مع حالة من القحط السياسي. تكفي جولة واحدة على عدد من المسؤولين السياسيين في البلاد، لاكتشاف أن الجميع يجلس على رصيف الانتظار. الخلاصة التي تتكون من اللقاءات، هي أن لا أحد يمتلك معطى جديداً قادراً من خلاله على تحريك الركود. أما كل ما يتعلق بالتحركات البينية أو الاتصالات أو حتى الجولة المرتقبة لسفراء اللجنة الخماسية بعد عيد الفطر، فلا تغدو سوى البقاء في حالة إظهار اهتمام سياسي، لكنه بلا أي نتيجة أو طائل. فلبنان معلّق على حبال غزة وما بعدها، ولا سيما معركة رفح وما قد يليها. دون ذلك، هناك حالة من تعبئة الفراغ أو الوقت الضائع، من لقاءات بكركي بحثاً عن وثيقة مشتركة، إلى موقف الثنائي الشيعي الذي أصبح يربط كل التطورات بما ستؤول إليه المواجهات العسكرية في الجنوب وربطها بالإقليم.
الفراغ وتناقض التوقعات
في لحظات الانتظار هذه، وبما أن الفراغ هو سيد نفسه والبلاد، تكثر التقديرات لدى السياسيين أو التحليلات، على تناقضاتها. بين من يتلقى رسائل ديبلوماسية ودولية تحذيرية من احتمال اتساع رقعة الحرب والصراع، فيأخذها ليضعها في خانة التهويل والضغط في سبيل فرض معادلات جديدة والوصول إلى تسويات.. وبين من يتعاطى بجدية مع مثل هذه الرسائل على قاعدة أن ما أقدمت عليه إسرائيل طوال الأشهر الماضية، وإصرارها على استمرار العمليات العسكرية المتنوعة في لبنان وسوريا، لن تتراجع عنه بسهولة. وهو سيكون قابلاً إما للاستمرار بهذه الوتيرة المتصاعدة، أو يمكن أن يتطور سريعاً إلى حرب كبرى. بعض المسؤولين يأخذون ذلك في حساباتهم، وتذهب تحليلاتهم إلى ما هو أبعد من هذه الوقائع في حال حصلت، بل يبحثون في تداعياتها وكيفية انعكاسها على موازين القوى السياسية.
التحذيرات الخارجية
أمام هذا الواقع، صدرت مواقف لعدد من وزراء خارجية دول كبرى تحذّر لبنان من احتمال تصاعد العمليات العسكرية وتحولها إلى حرب واسعة. فهناك من يضع مثل هذه المواقف وتزامنها معاً، بأنها ناجمة عن مخاوف حقيقية من احتمال حصول حرب إقليمية، وأن المواقف الدولية هي مساعٍ للتبرؤ من أي مسؤولية، والقول إنهم نقلوا رسائل استباقية وحذروا جدياً من الحرب. وكأن ذلك يشير إلى أن الحرب ستكون آتية بغض النظر عن شكلها وسياقها. فليس بالضرورة أن تكون حرباً برية أو حرباً واسعة على شاكلة ما حصل في حرب تموز. لا سيما أن هناك من يفسر تصريح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بأن إيران وحزب الله تعهدوا أكثر من مرة بإزالة اسرائيل من الوجود، وكأنه غطاء أميركي ضمني للإسرائيليين في حال قرروا التصعيد.
وجهة نظر أخرى في البلاد تبدي مخاوفها من أن إسرائيل ستبقى مصرة على استكمال الضربات للوصول إلى تحقيق أهداف استراتيجية لها. بالتالي، فإن الضربات هي ممارسة أقصى أنواع الضغوط على حزب الله، لإجباره على القبول بما لم يقبل به في المفاوضات. وبعض هؤلاء يعتبرون أن خيار الحرب الواسعة واحتمال الاجتياح البري لمساحة جنوبية معينة قد تصل إلى 7 كلم هو مسألة جدية.
بايدن ونتنياهو
جهات أخرى تضع تحذيرات وزراء الخارجية في خانة مختلفة. إذ يربطون توقيتها وتزامنها بما بعد استهداف اسرائيل للقنصلية الإيرانية في سوريا، واحتمالات الرد الذي تتجه إيران إلى تنفيذه. فجاءت الرسائل العلنية إلى لبنان لمنع حزب الله من الانخراط في مثل هذا الرد بشكل عنيف، كي لا تتصاعد المواجهة وتتوسع، فيدفع لبنان الثمن. أصحاب وجهة النظر هذه يعتبرون أن صفقة منح اسرائيل أسلحة بقيمة 18 مليار دولار هي أكبر دليل على أن الرئيس الأميركي جو بايدن تحول إلى رهينة لدى نتنياهو. وبالتالي، في حال أقدم الأخير على توسيع الحرب والمواجهة مع لبنان، فلن تكون أميركا قادرة إلا على دعمه ومساندته.