لم يعد ممكنا تبيان المسار الذي ستذهب اليه الأمور في الملف الرئاسي، وسط مؤشرات ان لا رئيس للجمهورية قبل نهاية السنة الحالية، نتيجة ارتفاع منسوب التشنجات السياسية و»الفيتوات» المتبادلة بين القوى المعنية والمؤثرة بالاستحقاق الرئاسي، حيث يتصدر النائب جبران باسيل قائمة اللاعبين في ملعب الاستحقاق بتحديد المواصفات والفرص، واضعا «الفيتو» على المرشحين البارزين المتقدمين رئاسيا في اليرزة وزغرتا ، فيما يلتزم حزب الله الحياد الايجابي في الملف الرئاسي، مع اعلانه مواصفات لمرشحه «لا يطعن ظهر المقاومة، ولا يعاديها «، ولا يكون استفزازيا لأي طرف، كما أكد الحاج نعيم قاسم. فحزب الله يحاول تدوير الزوايا الرئاسية، والمحافظة على مصلحة فريق ٨ آذار من الخضات، خصوصا بعد الانتكاسة الأخيرة مع التيار الوطني الحر على خلفية الجلسة الوزارية.
الافتراق في الخيارات الرئاسية بات واقعا بين حلفاء ٨ آذار، فرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أعلن الحرب المفتوحة رئاسيا للمرة الأولى رسميا بحديثه التلفزيوني، ضد وصول قائد الجيش الجنرال جوزاف عون، فيما كرر رفضه المطلق لرئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية الذي استهدفه أكثر من مرة بكلام من العيار الثقيل .
موقف باسيل الهجومي على الترشيحين، خلق حالة ضياع رئاسية لدى فريق ٨ آذار، وتحديدا حزب الله العالق بين حليفيه ، فرئيس «تيار المردة» حليف مسيحي أساسي واستراتيجي لحزب الله، فيما لا يزال باسيل حليفا ضروريا على الرغم من التباين الأخير.
معاداة باسيل للمرشحين الأكثر تداولا في بورصة الاستحقاق مبنية على حسابات خاصة، فرنجية بات خيارا مزعجا للتيار، كونه مؤثرا على مستقبله السياسي والحزبي، ونتيجة عدم الانسجام مع بعض في العهد الرئاسي، والأمر نفسه ينسحب على العماد جوزاف عون الذي دخل نادي المرشحين الجديين، ويطرح اسمه اليوم في المنتديات الإقليمية كمرشح تسوية، مما جعله منافسا قويا في الاستحقاق الرئاسي.
ومن الإشكاليات التي يتخوف منها التيار، ان الجنرال جوزاف عون بالنسبة الى العونيين هو من المؤسسة العسكرية التي أتى منها الرئيس ميشال عون، ومعلوم مدى الروابط العاطفية بين قاعدة التيار الوطني الحر والجيش، مما سيؤدي حتما الى خلق حالة جديدة مؤيدة لجنرال اليرزة تشكل خطرا على شعبوية التيار الوطني الحر مستقبلا ، كما ان وصول قائد الجيش الى بعبدا يعني تكرار الحالة الشعبوية نفسها التي جرت مع العماد ميشال عون، ومن المؤكد ان التيار لن يقبل سحب الغطاء الشعبوي المسيحي من تحت بساطه.
زيارة قائد الجيش الى الدوحة، سلطت الضوء أكثر على هذه النقطة الحساسة ، وحظيت الزيارة التي أتت بعد زيارة باسيل، باهتمام بالغ في ظل التعقيدات في المشهد الرئاسي، ونظرا للدور الذي يمكن ان تضطلع به قطر للوصول الى صيغة إتفاق في لبنان، عدا عن التوقيت الداخلي الحساس على وقع اهتزاز تفاهم التيار وحزب الله، مما دفع باسيل كما تقول المعلومات الى تصعيد الهجوم ضد الترشيحين في اليرزة وبنشعي، في ظل احتمال قائم بعدم ممانعة حزب الله في المستقبل إنتخاب قائد الجيش، لئلا يتهم بتعطيل الرئاسة عندما يطرح كمرشح تسوية .
حزب الله كما يقول العارفون ليس متشددا او رافضا لوصول قائد الجيش، بدليل اللقاءات المشتركة، مما يؤكد ان لا «فيتوات» من الضاحية على الجنرال عون، فاللقاءات التنسيقية قائمة في الملفات الأمنية والمسائل الحيوية والضرورية بينهما، مع العلم كما يقول المتابعون ان فرنجية هو المرشح الأبرز للثنائي الشيعي.
من هنا، تؤكد المعلومات ان زيارة قائد الجيش الى قطر في ظاهرها «شكر» لقيادة الدوحة على المساعدات المالية للجيش، حيث قدمت الدولة القطرية ٦٠ مليون دولار للمؤسسة العسكرية في أزمة الانهيار، من دون ان تغيب عنها الأبعاد والخلفيات الرئاسية.
خلاصة زيارة الدوحة، كما يضيف العارفون، ان دعم قائد الجيش للرئاسة لم يعد مجرد شائعة، او يستند فقط الى قراءات وتحليلات، فهي أبعد من زيارة دعم بروتوكولية للجيش في السباق الجاري نحو الاستحقاق.