تُعتبر السجون اللبنانية مشكلة مزمنة منذ عقود، تفاقمت بفعل الأزمات الاقتصادية والأمنية، والسياسية التي تعصف بالبلاد. وتشهد هذه المراكز الإصلاحية اكتظاظاً غير مسبوق وظروفاً غير إنسانية في كثير من الأحيان، ما يعكس سوء إدارة القطاع القانوني والجنائي في ظل تحديات مستمرة ومتزايدة. ومع تصاعد الاشتباكات المسلحة بين حزب لله وإسرائيل، ازدادت الأمور تعقيداً، حيث توسّعت العمليات العسكرية لتشمل مناطق شاسعة من لبنان، مما أدّى إلى نزوح أكثر من مليون وأربعمائة ألف شخص إلى مراكز إيواء موزعة في مختلف المناطق اللبنانية، التي أصبحت غير آمنة نسبياً بالمقارنة مع المناطق المتأثرة مباشرة، بما في ذلك بالطبع السجناء.
السجون في مرمى الخطر.. هل تصبح هدفاً؟
في ظل هذه التطورات، يتعاظم القلق بشأن وضع السجناء في لبنان. ففي حال استمرار توسّع العمليات العسكرية، قد تتحوّل السجون إلى أهداف محتملة، سواء بسبب استهداف مباشر أو تعرّضها لأضرار عرضية ناتجة من القصف. مما يثير تساؤلات جديّة حول مصير آلاف النزلاء إذا ما تعرّضت هذه المرافق للخطر. تتعدّى المسألة مجرد حمايتهم كأفراد محتجزين، حيث تشمل ضرورة اتخاذ إجراءات قانونية وإنسانية تحميهم من الوقوع ضحايا لظروف الحرب.
صرخات من داخل السجون ونداءات لإنقاذ المساجين
في تصريحات لجريدة «اللواء»، أعرب بعض المساجين عن خوفهم من اتساع رقعة الحرب، محذّرين من أن السجون قد تتعرض للقصف أو الإصابة بسبب العمليات العسكرية، مما قد يجعلهم ضحايا مباشرة لهذا الصراع. وطالب المصفّدين الجهات المعنية، وعلى رأسها الحكومة اللبنانية، بوضع خطة طوارئ عاجلة تضمن سلامتهم وعدم تعرّضهم لمخاطر هذه الملحمة الشعواء.
أولوية غائبة.. ولا خطط طوارئ للسجون!
رغم أن حكومة تصريف الأعمال اللبنانية قد أعلنت مؤخراً عن ما أسمته «خطط طوارئ» للتعامل مع الأزمات المتفاقمة، إلّا أن الواقع يروي قصة مختلفة. فلا توجد حتى الآن أي دلائل ملموسة على مدى فعالية هذه الاستراتيجيات في حماية المساجين أو مواجهة التحديات الصحية والقانونية والأمنية التي تحاصر البلاد. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال هو: هل وضعت الحكومة فعلاً خطة طوارئ للسجون؟ وهل يمكن تنفيذها في ظل انعدام التنسيق بين الوزارات وغياب الشفافية؟
من المؤكد ان الواقع يفرض على الحكومة اللبنانية أن تتبنّى حلولاً استباقية مستمدة من تجارب دول أخرى شهدت ظروفاً مشابهة. ففي العديد من الدول التي واجهت حروباً أو كوارث طبيعية، أطلقت الحكومات مقترحات طارئة تضمن سلامة المساجين، سواء من خلال إجلائهم إلى مناطق أكثر أماناً أو نقلهم إلى مراكز احتجاز أقلّ تعرّضاً للخطر، مع ضمان استمرارية الإجراءات القانونية التي تحول دون الإفلات من العدالة.
قانون العفو والمحاكمات الجزائية
في ظل الظروف المتفاقمة، تبرز استفسارات حول إمكانية تفعيل قانون العفو أو تسريع المحاكمات الجزائية كحل مؤقت للتخفيف من اكتظاظ الزنازين. فهل يمكن أن يشكّل ذلك حلّاً عملياً للتخفيف من الأعباء على هذه المؤسسات، أم أن الأزمة تتطلب تصورات أشمل وأكثر استدامة؟ تبقى الإجابات غامضة، مع استمرار تراكم التحديات على مختلف المستويات القانونية والإنسانية. لذلك، لا بد من تحرّك فوري من قبل الحكومة اللبنانية والجهات المعنية لوضع حد لهذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة.
عمل دؤوب!
يقول رئيس لجنة السجون في نقابة المحامين في بيروت المحامي جوزاف عيد لـ «اللواء» «تتعاون لجنة السجون في نقابة المحامين مع المنظمات والهيئات الرسمية والوطنية والعربية العاملة في نطاق مهامها، وتنطلق من الحقوق الإنسانية لنزلاء السجون وهذه الحقوق مستمدة من حقوق الانسان العالمية وحقوق السجناء في الاتفاقيات والقوانين الدولية. الأمر الذي جعلنا ومن خلال مسؤوليتنا، نواكب موضوع السجون في ظل العدوان الإسرائيلي بالتعاون المطلق مع قوى الأمن الداخلي والصليب الأحمر الدولي».
الازدحام عقبة العقبات
ويوضح «كلنا يعرف ان المشكلة الأساسية في الحبوس هي الاكتظاظ الهائل، والذي يعتبر قنبلة موقوتة، سواء من ناحية الأمن وحالات التمرّد، أو من جهة الحالة الصحية، بالإضافة الى الواقع الغذائي وعدم اتباع برامج التأهيل. هذا في الأوقات العادية، فكيف إذا كان ذلك في ظل العدوان الإسرائيلي مع الوضع الاقتصادي المزري الذي انعكس على ازدياد المشكلات التي أشرت إليها أعلاه».
احصائيات وإقفال ونقل
ويتابع «لقد وُعينا الى هذه المشكلة، وذلك من خلال التواصل الميداني مع قوى الأمن الداخلي، وتحديدا فرع السجون في قيادة الدرك، التي يرأسها المقدم بلال عمر. تم نقل أكثر من 700 سجين من أماكن الاشتباكات والخطر الأمني من جنوب الليطاني أولا، وصولا الى غيرها من المناطق الساخنة شرقي الليطاني وبعلبك والبقاع، والضاحية الجنوبية الى سجون آمنة». مردفا، «وفقا للإحصائيات التي قمنا بها فقد أقفل سجن صور وسجن تبنين وسجن النبطية وسجن بعلبك، بالإضافة الى تجمع نظارات الضاحية الجنوبية في بيروت، مما ضاعف نسبة الاكتظاظ في بقية السجون الى أكثر من 300%. لذلك، نجري إحصاء دقيقا مع آمري السجون حول مكان وسكن ذوي هؤلاء السجناء حتى يُصار في مرحلة لاحقة الى نقل كل سجين الى أقرب نقطة من مكان إقامة ذويه وتواجدهم».
ويكشف لـ «اللواء» انه «يوجد حوالي 8400 نزيل موزعون على كافة السجون والنظارات»، لافتا الى ان «نسبة غير المحكومين تخطّت 83%، مما يعكس تململا نفسيا عند السجناء لمعرفة مصيرهم وحالة أهاليهم، بخاصة بعدما تفاقم وضعهم سوءا. لذلك، افترضنا أمام هذه العقبات، وبالتواصل مع قوى الأمن الداخلي والنيابات العامة والنيابة العامة التمييزية، تطبيق أصول المحاكمات الجزائية بالنسبة الى المواد 107 و108 و111، لا سيما في قضايا الجنح للموقوفين منذ أكثر من 4 أشهر، تسهيلا لاخلاءات السبيل، مما يخفف من حدّة الازدحام نحو 1200 سجين. لقد شهدنا بداية هذه التجربة في الشمال على أمل أن تُتابع في بقية المحافظات».
ويستكمل «لقد تم البحث في إعادة وضع المحكمة في سجن روميه قيد الافتتاح، تيسيرا لعملية المحاكمات، بحيث تخفف نسبة 10% من الاحتشاد. ويولي نقيب المحامين الوضع القضائي والإنساني كل الاهتمام، إذ تعمل لجنة السجون وفقا لتوجيهاته في هذا الخصوص».
ضرورة تسريع المحاكمات
ويؤكد عيد ان «الحلول جزئية ومؤقتة، إلّا انها تراعي حالة العدوان الإسرائيلي والوضع الاقتصادي للدولة الى غيرها من المآزق، منها النقص في عديد قوى الأمن وصعوبة سوق الموقوفين، نظرا لوجود آليات معطّلة بما في ذلك المشكلات الصحية والغذائية الشديدة جدا التي كان يعاني منها المحتجزون. فكيف سيكون الحال في ظل هذا الاكتظاظ الهائل؟ انها حقا قنبلة موقوتة». ويشدّد على انه «حتى يتم تسريع المحاكمات، يتطلب هذا الأمر عددا كبيرا من القضاة ومكننة الإدارة وتأمين الموظفين، بالإضافة الى تعطيل مجلس النواب وعدم انتخاب رئيس للجمهورية من أجل وضع حلول نهائية كقانون عفو. كما ينبغي تفعيل قانون تخفيض العقوبة رقم 463 والأخذ بعين الاعتبار حالة العدوان الإسرائيلي».
هل تؤدي التصورات الى استجابة سريعة؟ يجيب عيد موضحا «بناء على كل ما ذكرته، نتقدم باقتراح بعض الحلول الجزئية التي تشمل خطة قضائية طارئة بين قوى الأمن الداخلي ووزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى ونقابة المحامين لوضع تطبيق أصول المحاكمات الجزائية حيز التنفيذ. الى جانب الاستعانة بالمنظمات الدولية والوطنية والعربية لسد الثغرات الصحية والغذائية، وهي بصورة مؤقتة وطارئة حتى يصار لاحقا الى خلق علاجات نهائية متكاملة. وهذا يستلزم ارتياحا اقتصاديا وأمنيا وسياسيا بالتوازي مع دعم دولي وعربي».