التجبيس، الجفصين او العناية التجبيرية، هي احدى وسائل الطب العربي في علاج الكسور لتثبيتها، بهدف تسهيل التئام العظام بطريقة صحيحة، والتخفيف من الألم الناتج جراء الحركة في المنطقة المصابة. ويستخدم للمحافظة على ثبات العظم المكسور، ويعتمد أيضا في حالات الرضوض والالتواء.
الى جانب أسباب أخرى تستدعي الخضوع لـهكذا علاج، مثل التمزق والكسور بأنواعها واشكالها، وتتجلى بالسيطرة على الألم وحماية الانسجة اللينة والاعصاب.
مهنة تقليدية
أطلق على من يزاول هذه المهنة بـ “المجبّر العربي”، حيث يمارس هذا العمل بأساليب شعبية وبدائية او تقليدية، من دون دراسة اكاديمية او شهادات علمية، ويتم اكتسابها بالخبرة من خلال المتابعة العملية.
في أكثر الأحيان يتم توارث هذه المهنة من قلب الاسرة الواحدة، فيعمد الاب الى تلقينها لأبنائه، وهكذا تتناقل لتصبح أبا عن جد. وتعد من أقدم المهن التي عرفها الانسان، حيث الطب لم يكن متقدما وقتذاك بالنحو الذي عليه اليوم، والحاجة الملحّة لها منذ زمن بعيد.
التَجْبير الذي ظلّ قائما حتى هذه الايام، تراجع بحكم التطور الطبي في مجال جراحة العظم، لكنه ما لبث ان عاد بقوة مسترجعا مكانته في معالجة التئام الكسور في جميع الحالات.
المواطنون نحو بديل اقل كلفة
هذه المهنة التي كانت على شفير الانقراض، تعود الى الواجهة بسبب الظروف المعيشية التي تسيطر على الواقع و”دولرة” القطاعات كافة، وفي طليعتها المستشفيات والعيادات الطبية، الى جانب الأدوات التي قد يحتاج اليها المريض مثل “خلع” او انفصال عظمي، ويحتاج الى مشدات وبراغ وغيرها من الادوات.
ومع سيطرة الدولار على كافة الجوانب الحياتية، بات المواطن يحسب ألف حساب لأي طارئ على حياته، ويعد للمليون قبل الاقدام على أي خطوة، حتى وان كانت تتعلق بحياته او صحته، تماما كما حدث مع تامر الذي ذهب ليجبر يده في احدى العيادات، فكان البدل صادما حيث بلغ حوالى الـ 300 دولار.
الامر عينه حصل مع نضال، الذي يعاني تمزقاً في يده ، فيقول لـ “الديار”، “زرت طبيب عظم في احدى المستشفيات حيث وصف لي “مشدا” لتثبيت يدي، كان سعره خياليا وهو يحتاج مني عملا لمدة سنة ونصف سنة لأسدد ثمنه، الامر الذي دفعني الى تحمل الوجع.
اما داني فيتحدث عن بدل تكاليف تجبير رجله قائلا: “فاق الـ 200 دولار ، عدا اتعاب الطبيب والصورة، ومعهما أكون قد دفعت حوالى الـ 350 دولارا”.
وبالنسبة لبديع الذي كان يحتاج الى عملية في يده بسبب التواء في العظم جراء حمل الاثقال، يقول: “أخبرني الطبيب ان حالتي تستدعي بعض المعدات من براغ وجهاز ومنظار لمعاينة التمزق، وبلغت التكلفة حوالى 3000 دولار وبالفريش، ما دفعني الى البحث عن مجبرعربي حيث التكلفة كانت اقل بعشرين مرة”.
الكسور تختلف
“الديار” التقت المجبر العربي العتيق عدنان الشما الذي قال: “والدي علمني أسس وقواعد “الجبار” الذي يحتاج الى براعة وجرأة، وأصبحت اضاهي الأطباء المتخصصين فيه”. ويضيف: “رغم كل التقدم والتطور التكنولوجي في الطب وخاصة في هذا المجال، ما زال لقب “الحكيم العربي” او “المجبر العربي” متربعا وبقوة في أيامنا هذه”. يتابع: “في الأصل نحن تهجّرنا من فلسطين الى لبنان، ومنذ قدومنا نمارس المهنة في منطقة صور”.
واشار الى ان “تتعدد أنواع واشكال الكسور، منها كبير والآخر صغير بحسب الحالة، على سبيل المثال: الشُّعِرْ، الفكِشْ في العظم غير التمزق او انفصال العظام عن بعضها وخروجها من مكانها، واتعامل مع كل ما تقدم الى جانب المهنية والحرفية ما تستدعيه الحالة، فلكل علاج إصابة يختلف عن أخرى”.
يتابع: ” مهما بلغ حجم الكسر، فإنه يحتاج الى ما بين شهرين وحتى ثلاثة أشهر ليشفى، وعلى المريض ان يتقيد بالإرشادات، ويبقى على النحو الذي أُجبّر فيه المنطقة وعدم الحراك، كيلا يؤدي الى التواء والذي يمكن تجليسه دون ان يشعر المريض بالألم. اما في حال نتج ورم بعد عملية “التجبير”، على المريض ان يزورني مجددا بعد ان يزول الورم”، ويلفت الى انه في حال كان كسر المريض في الرجل اذهب اليه بنفسي.
ويشير الى “ان بعض المرضى تعرضوا لكسور والتواءات، وزاروا عيادات طبية تخصصية، ولم ينجح التجبير فعادوا وخضعوا مرة أخرى الى تضميد كسورهم عن طريق المجبر العربي، والتأمت بطريقة اسرع”، وهذا الكلام يقول الشما “اسمعه من المواطنين الذين التقيهم وكان عندهم حالات مشابهة”.
المعدات
يتطرق المجبر العربي الى الادوات التي يستخدمها، والتي هي عبارة عن “الشاش ونوع من الخشب مخصص للاستخدام في علاج الكسور، الى جانب الجفصين العربي، وهو من الأمور السرية كونه يختلف عما يستخدم في المستشفيات، ويومئ الشما الى التمايز بين طريقته وطريقة الأطباء الذين يعتمدون على الصورة، وفي كثير من الأحيان يلْحُم العظم خارج مكانه”، مشيرا الى خلطة يصنعها وهي “سر مهنته”.
ولفت الى “ان معظم الناس تبين لهم ان العمليات التي خضعوا لها لم تكن صحيحة ، واكتشفوا ان التجبير العربي أكثر دقة وضمانة لجهة النتيجة، ولا يمكن ان يكون للمُجَبّر خبرة تقل عن 20 عاما، ولهذا يكون واثقا في مضمون العلاج”. اضاف: “والدي لم يسلمني العمل الا بعد تأكده من مهارتي واتقاني له”. ويوضح “ان البعض يخوّفون الناس من زيارة المجبر العربي، واجزم انه لم يأتني شخص واحد على الاقل بشكوى، وهذا ما يجعلني واثقا للمضي قدما”.
اما عن اعداد المرضى الذين يأتون اليه، فيصفها الشما بالقول، ” يزورني يوميا ما بين الـ 5 و10 حالات وأحيانا أكثر. وهذا العدد تضاعف اليوم نظرا الى الازمة الاقتصادية والمعيشية، حيث لم يعد باستطاعة أحد زيارة طبيب خاص او مستشفى، ومن هنا بعد ان كادت مهنتنا على شفير الهاوية، عادت الى الحياة وازدهرت بقوة”.
الاتعاب
ماذا عن الاتعاب؟ يجيب الشما: “في السابق لم أكن اتقاضى بدل الاتعاب ماديا او اقله احدد المبلغ، وكنت اترك الامر للمريض ليفعل ما شاء. اما اليوم فقد تغيرت الظروف مع دولرة كل مناحي الحياة”. لافتا الى انه يأخذ اتعابه بحسب الحالة، و”اكبرها يبلغ حدود الـ 100 دولار إذا كانت العظام مبتورة، اما تكلفة علاج الالتواء فتبلغ حوالى الـ 400 ألف ليرة”.
وينهي الشما حديثه قائلا: “لا يجب الهلع من الكسر، فكل ما يحتاج اليه المريض هو الانتباه الذي يساعد على الشفاء السريع والتئام العظام، ويعتبر التجبير العربي من أسرع الوسائل العلاجية التقليدية الشعبية، وقد تعجز المستشفيات عنه بالمقارنة مع ما تحققه هذه الوسيلة”.