“الشلل” مُستمرّ والفراغ يتمدّد
الى الأجهزة الأمنيّة العسكريّة!
تعود المواجهة السياسية اليوم الى “ساحة النجمة” مع العرض السادس “لمسرحية الفشل” الرئاسي، من خلال عنوانين رئيسيين يندرجان في سياق ملء الفراغ بمعارك وهمية حول “جنس الملائكة”، بينما تحرك الوضع الامني جنوبا اثر دخول اميركي على الخط، عبر ما يمكنه اعتباره “انزالا” مفاجئا من قبل قيادة المنطقة الوسطى على الجانب الآخر من الحدود، لمنع حصول تصعيد مفترض بعد عودة اليمين المتطرف الى الحكم في “اسرائيل”.
عنوان المعركة الداخلية هو النصاب القانوني لانتخاب الرئيس ، والخلاف المستجد على تشريع الضرورة. الرئيس نبيه بري ومعه حلفاؤه، يصرون على عقد جلسات لتشريع الضرورة استجابة لمصالح الناس الملحة وطلب صندوق النقد الدولي. في المقابل، فإن كتل نيابية وازنة ترفض ذلك، وترى ان الأولوية يجب أن تكون محصورة بانتخاب الرئيس أولاً. بري لن يتراجع في دفاعه عن موقفه بأن رؤساء الجمهورية السابقين حتى اليوم انتخبوا في الدورة الثانية بأكثرية مطلقة، شرط تأمين النصاب بحضور ثلثي أعضاء البرلمان، حماية للموقع الأول للموارنة في الدولة، لكي لا يطغى الصوت المسلم على انتخابه. في المقابل، لن يتراجع خصومه، وهم متمسكون “بشل” العمل التشريعي. انها دوامة من “التفاهة” لن تنتهي قبل نضوج التسويات الخارجية.
واذا كانت الترتيبات الامنية العسكرية على “قدم وساق” في “اسرائيل”، هل تدرك الطبقة السياسية ان “الفراغ” يتسلل الى المؤسسات الامنية والعسكرية؟ وهل تدرك ان المواقع المعرّضة للشغور تبدأ مع المجلس العسكري في ضوء احالة رئيس الاركان امين العرم الى التقاعد في كانون الاول المقبل، وبعده في شهري شباط وآذار المقبلين مفتش عام وزارة الدفاع الوطني العميد ميلاد اسحق، والمدير العام للإدارة اللواء الركن مالك شمص؟ بينما تحتاج صيغة اعادة تعيين المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، مرة جديدة بصيغة “مبتكرة” الى وجود مجلس للوزراء بعد ان يخرج الى التقاعد في آذار.
هكذا يستمر الخلاف السياسي على “جنس الملائكة”، بينما سيفقد المجلس العسكري قانونيته، وستكون البلاد امام تمديد للفراغ في مراكز امنية حساسة في غياب رئيس للجمهورية وحكومة مكتملة المواصفات، ما يترك البلاد امام انعكاسات خطيرة داخليا وعلى الحدود الجنوبية، حيث استشعر الاميركيون الخطر مبكرا ويحاولون ضبط ايقاع “الجنون الاسرائيلي”.
وقد ارتفع منسوب الجهوزية لدى المقاومة على الجبهة الجنوبية مع فلسطين المحتلة، اثر تدريبات اميركية- “اسرائيلية” مشتركة على مواجهة ما يرونه “التهديدات” الناشئة في الشرق الاوسط ومنها حزب الله. واذا كان “الخطر” الايراني قد تقدم على غيره خلال المباحثات بين رئيس أركان “الجيش الاسرائيلي” أفيف كوخافي، وقائد القيادة المركزية في الجيش الأميركي”سنتكوم” الجنرال مايكل كوريلا، الذي زار “إسرائيل” بصورة مفاجئة وليوم واحد، فان زيارته الاستطلاعية لطول الحدود اللبنانية اثارت الكثير من علامات الاستفهام في توقيتها ومعانيها، مع حرص بيان للجيش “الاسرائيلي” على التأكيد انها تندرج في اطار زيادة التنسيق في ظل التدريبات المشتركة مع الجيش الاميركي، لتطوير القدرات العسكرية أمام تزايد المخاطر في المنطقة. بينما تقصّد الاميركيون تسريب معلومات عن تشديد المسؤول الاميركي على الأهمية الاستراتيجية الكامنة في الحفاظ على الأمن على الحدود البحرية “الإسرائيلية”- اللبنانية.
وقد شهدت الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة حركة عسكرية وامنية نشطة منذ مساء يوم الاثنين، ما استدعى رفعا للجهوزية لدى المقاومة التي تراقب عن كثب كل التحركات في الجبهة المقابلة. وتبين لاحقا ان ما كان يحصل يرتبط برفع مستوى الانذار الامني استعدادا لمواكبة زيارة القائد العسكري الأميركي التي بدأت يوم الثلثاء صباحا بجولة في موقع “رأس الناقورة”، حيث تم شرح مفصل ودقيق من قبل كوخافي وضباط “الجيش الاسرائيلي” لما وصفوه “تحديات” الجبهة اللبنانية وتحركات حزب الله على الجبهة المقابلة. كما شملت الجولة “الخط الأزرق” ومواقع مطلعة على الحدود مع سوريا، حيث استعرض قائد المنطقة الشمالية في “الجيش الإسرائيلي” ما اسماه تموضع “أذرع إيران” على الأراضي السورية. كما عُقدت ندوة عملياتية واستخبارية برئاسة كوخافي، وبمشاركة عدد من القادة العسكريين “الإسرائيليين” حول موضوع أنشطة “الجيش الإسرائيلي” الرامية إلى منع العمليات السلبية على الجبهة السورية. وشملت الزيارة جولة في قاعدة سلاح الجو “الإسرائيلي” في “نيفاتيم” في الجنوب، وتحديدًا إلى سرب 116 الذي يشغل الطائرات المقاتلة من طراز “اف 35”.
ولفتت مصادر معنية بهذا التطور الى انها الزيارة الرابعة التي يقوم بها كوريلا إلى “إسرائيل”، منذ توليه منصبه في نيسان 2022، ما يعكس اهتماما اميركيا “استثنائيا” بالتطورات الامنية والعسكرية في المنطقة، خصوصا في الشق المتعلق بالمواجهة مع ايران وحلفائها في المنطقة. وقد سبق “للجيش الإسرائيلي” الاعلان أنه يجري “مناورات” مكثفة تحاكي ضرب منشآت نووية إيرانية مع اقتراب وصولها الى حافة انتاج أسلحة نووية. وهي العقيدة الاهم في استراتيجية رئيس الحكومة “الاسرائيلية” السابق بنيامين نتانياهو، الذي يستعد لشكيل حكومة يمينية متطرفة بعد فوزه في الانتخابات التشريعية الاخيرة.
ويبدو من خلال متابعة اجواء الزيارة ان الجانب الاميركي مهتم بعدم حصول تصعيد امني مفاجئ على الحدود اللبنانية. ووفقا لمصادر ديبلوماسية، فان واشنطن تحاول جاهدة تضييق هامش التحرك على حكومة نتانياهو المتطرفة وتطلعاتها لتصعيد الموقف في المنطقة، وهو امر استدعى حضور المسؤول العسكري الاميركي الذي نقل رغبة بلاده في التهدئة، وعدم الذهاب الى اي خطوة متهورة ستؤدي حتما الى اشعال المنطقة. ولهذا تم رفع مستوى التنسيق العسكري والامني مع قيادة المنطقة الوسطى في محاولة اميركية “لكبح جماح” القيادة “الاسرائيلية” المتطرفة.