لم تهدأ بعد حرب التصريحات بين التيار الوطني الحر و «حركة أمل» التي بدأت مع قيادات الصف الأول لتنتقل الى مستوى الجمهور والقواعد، وعلى الأرجح سوف تستمر الى الإنتخابات النيابية، إلا إذا نجح حزب الله في تبريد حرارة الخلاف الذي طالت شرارته أيضا تفاهم مار مخايل، مع ذلك فان المؤشرات والتوقعات ان لا يتمدد الخلاف بين الحزب والتيار الوطني الحر أكثر، وان ينحصر فقط بين «أمل» والتيار في مشهد يشبه ما جرى عشية انتخابات ٢٠١٨ بين حليفي حزب الله، وعليه تقول مصادر سياسية، من الطبيعي ان تستعمل في الصراع السياسي والإنتخابي الجاري اليوم كل أنواع الأسلحة والذخائر لشد العصب في البيئة المسيحية من جهة التيار الوطني الحر المصاب باحباط تراجع شعبيته، ولدى «حركة أمل» في مواجهة مرشحي اللوائح التغييرية و «الثورة» ممن يأكلون من صحن الحركة انتخابيا أكثر من مرشحي حزب الله.
ومن الثابت ان طرفي «أمل» والتيار اللذان تبادلا اتهامات الفساد بكلام عالي السقف قاله النائب جبران باسيل ورد عليه النائب علي حسن خليل، لن يتراجعا قبل تاريخ ١٥ أيار، مع المزيد من التشدد في العناوين الرنانة والجذابة، من هنا لم يكن مفاجئا ان يقفز طرح اللامركزية الإدارية والمالية الى الواجهة ليشكل أبرز عناوين المعركة.
تحدث باسيل في مؤتمره عن اللامركزية المالية، فرأى كثيرون فيها رسائل معينة وابعادا أخرى للفيدرالية التي نفى رئيس التيار ان يكون يقصدها، ومع ذلك فان طرح اللامركزية استفز شريحة كبيرة من السياسيين واللبنانيين رأوا فيه أبعادا خطيرة ومخاوف مع إطلالة مقنّعة للفيدرالية، خصوصا ان هذا الطرح بات اليوم متقدما لدى المسيحيين، ويدغدغ مشاعر فئة كبيرة من الناس ترى فيه الحل الأنسب للخروج من المأزق والحالة الراهنة على خلفية الانهيار الكبير وشعور المسيحيين باستقواء الآخرين عليهم، وانهم باتوا الطرف الضعيف في السلطة، وقد أتى قرار المجلس الدستوري في شأن الطعن في الإنتخابات ليزيد الإحباط المسيحي والشعور بالضعف.
بالنسبة الى العونيين، فان طرح الدولة المركزية التي تنتزع صلاحيات رئيس الجمهورية «بالسلبطة» في مجلس النواب والمجلس الدستوري لم تعد مقبولة، كما قال باسيل. كلام عالي السقف للنائب جبران باسيل، وجاء مكملا لخطاب سابق لرئيس الجمهورية حول اللامركزية، مما يمهّد الطريق الى التفكير بطروحات لتغيير النظام والذهاب الى صيغة جديدة، على اعتبار ان النظام الحالي ينازع في ظل الولاءات السياسية والطائفية والمذهبية وبعد ان تحولت الدولة الى دويلات.
الحديث عن اللامركزية، برز الى الواجهة بعد خطاب رئيس التيار الأخير، لكنه خرج في التوقيت السياسي «الخطأ «، وان كان حصيلة مباشرة للوضع السياسي المتأزم، وردة فعل مما أصاب المسيحيين من انهيار، حيث تعتبر شريحة من المسيحيين ان الحل الوحيد اليوم باللامركزية والذهاب ربما الى خيار الفدرلة لضمان بقاء المسيحيين في ظل انعدام فرص التوازن والتكافؤ الديموغرافي، وبعد انفجار ٤ آب واهتراء الدولة، وقد أتى كلام رئيس الجمهورية ليصب الزيت على النار الحامية، وان كان هذا الطرح ليس ما يريده الرئيس وفريقه السياسي فعليا، حيث من المعروف ان التقسيم والفيدرالية هو طرح النخب الحزبية والمثقفة التي تبنته في الماضي لإنهاء الحرب الأهلية.
بعيدا عن الموقف الرسمي، يبدو الانقسام واضحا حيال اللامركزية والفيدرالية، فبالنسبة الى دعاة الفدرالية، فان هذا الخيار يضمن بقاء المسيحيين في لبنان نظرا للتحولات السياسية وما يرسم من خرائط في المنطقة، فيما يرى فريق ثاني ان هناك استحالة لتطبيقها بسبب التنوع الطائفي وخريطة لبنان الجغرافية.