الجمهورية – ايفا ابي حيدر
لام هامشي كثير خرج عن زيارة وفد صندوق البنك الدولي الاخير للبنان لا سيما اللقاء الذي جَمعه ببعض المصرفيين. فما حقيقة ما دار في هذا اللقاء؟ وهل هناك فعلاً خلافات بين المصارف حول الحل الذي ينبغي اعتماده؟
غادر وفد صندوق النقد لبنان خالي الوفاض تاركاً وراءه بعض الجدل والتكهنات التي أثيرت حول الاجتماع مع عدد من المصرفيين، وصحة طرح بعض المصرفيين لشطب الودائع، وامكانية اعادة وديعة الـ100 الف دولار، والخيارات المطروحة لمصير الودائع التي تفوق هذا المبلغ. وعليه، هل يمكن القول ان بروز الاختلافات بين المصارف حول مصير الودائع هو الجديد الذي أظهرته زيارة وفد صندوق النقد الاخيرة للبنان؟ وهل يمكن للمصارف ان تبتكر الحلول في ظل غياب الدولة والمصرف المركزي عن المشهد؟
في السياق، يؤكد وزير الاقتصاد السابق رائد خوري لـ«الجمهورية» ان التنوّع في وجهات النظر بين المصارف قائم في الاساس لأن لكل طرف رأيه ووجهة نظره. لكنه يؤكد ان الخلاف ليس كما روّج له بأنه يتعلق بمطلب شطب الودائع بين مؤيّد ورافض له، انما الإختلاف الجوهري يكمن في مَن سيتحمّل عبء الأزمة، او كيف ستتوزع الخسائر والمسؤوليات، فإذا كانت الدولة تنأى بنفسها عن ذلك، وكذلك المصرف المركزي فمن يتحمّلها؟ صحيح ان صندوق النقد اقترح منذ البدء شطب كل الودائع والبدء من الصفر، لكن مذّاك أعلنت المصارف رفضها لشطب الودائع، وتجاه ذلك سأل صندوق النقد عن الحل البديل، ليبني على الشيء مقتضاه، اي اذا كان سيوافق عليه او يرفضه. انطلاقاً من ذلك تقدّم كل فريق مصرفي بأفكاره او تصوره للحل، مؤكداً ان كل ما جرى التداول به في اللقاء الذي جمع مصرفيين ووفد صندوق النقد ليس افكاراً رسمية أو نهائية وليس هناك من اجماع مصرفي حولها، والّا كان اعلن عن ذلك رسمياً. وأكد خوري ان المصارف ترفض التوجه نحو شطب الودائع لأن في ذلك شطب لزبائنها ولثقتهم بالقطاع المصرفي، في وقت يعلم الجميع انّ الدولة هي المسؤولة عن الأزمة وهي مَن أخذ الاموال، فما ذنب المودع ان يتحمل تبعات ذلك؟.
عودة الى جذور الأزمة
ورأى خوري انّ السبب الرئيسي في الأزمة التي وصلنا اليها هو الحجم الضخم للقطاع العام نسبة الى الاقتصاد، وهو ما ادى الى كسره وكسر المصارف. لذلك رأى انّ شطب الودائع مع الابقاء على حجم الدولة الكبير لن يحلّ المشكلة، وبالنتيجة نكون فقط شطبنا الودائع، بينما المطلوب أن نقوم بشَيئين: من جهة عدم شطب الودائع، ومن جهة ثانية التخفيف من حجم الدولة واشراك القطاع الخاص، وفي هذا ضرب لعصفورين بحجر واحد، إذ إنه من جهة تصبح الموازنة خفيفة ويتقلّص حجم الانفاق وتالياً تنتفي الحاجة الى رفع الضرائب، ومن جهة أخرى هناك تشجيع للقطاع الخاص وتحريك للعجلة الاقتصادية وادخال القطاع الخاص على ادارات الدولة فترتفع قيمتها، وتالياً يمكن اعطاء جزء من هذه القيمة على شكل اسهم للمودعين للتعويض عن خسارتهم بدل اللجوء الى شطب الودائع. وبهذه الطريقة يمكن رد الودائع ومعالجة جزء من جذور المشكلة التي أوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم.
الودائع دون الـ 100 الف دولار
وعن الطرح المتعلّق برد الودائع ما دون الـ 100 ألف دولار، قال خوري: يبلغ مجموع هذه الودائع نحو 17 مليار دولار، وكلنا يعلم ان هذا المبلغ غير متوفّر لا في القطاع المصرفي ولا في المصرف المركزي. وبالتالي سيتم تقسيطه على فترة زمنية، وحتى انّ السير بهذا المقترح غير كاف إذ إنّ مَن سيقوم بالاستثمار لتحريك عجلة الاقتصاد هم المودعون الكبار الذين يصل مجموع ما يملكون نحو 85 مليار دولار، لذا لا يمكن رد اموال للمودعين الصغار فقط وماذا عن كبار الايداعات؟ هل نشطبها لأن الدولة قررت في مرحلة سابقة هدر الاموال وعدم ادارة اصولها بطريقة صحيحة، وتوريط البنك المركزي بقروض، دفعته الى رفع الفوائد لاستقطاب الودائع من المصارف وكبار المودعين؟ انطلاقاً من ذلك، نشدّد على انّ المودعين الكبار هم اساس ايضا لإعادة بناء الاقتصاد ولا يمكن ان تعود الثقة بالقطاع الا من خلال هذا الباب.
زيارات وفد الصندوق؟
وعن تكرار زيارات وفد صندوق النقد للبنان رغم ثبوت عدم جدواها في ظل عدم تقدّم لبنان خطوة في الاصلاحات المطلوبة منه، يقول خوري: ليس لدى صندوق النقد ما يخسره، فملف لبنان أوكِل الى السيد ارنستو ريغو راميريز الذي يدخل من ضمن واجباته زيارة لبنان كل فترة لمتابعة التطورات والتغييرات التي قد تستجد في الملف اللبناني، ويرفع تقريره للصندوق.
تابع: حتى الان كما بَدا واضحاً في تقريره الاخير ان لا شيء تغيّر في لبنان وفي الوقت نفسه ليس هناك اي قرار دولي بعد بترك لبنان كلياً او مقاطعته. وأكد خوري انه رغم كل هذا الخمول والاستهتار من الجانب اللبناني يمكن التأكيد ان الاتفاقية مع صندوق النقد مهما تأخّرت ستظل ذات جدوى، على انّ هذه المنفعة تنطلق عندما يقرر لبنان السير بالاصلاحات او الشروط المطلوبة منه.
وأسِف خوري لإنه حتى الساعة ليس هناك اجماع لبناني على ذلك، كما ان أحداً لم يأخذ الموضوع على محمل الجد بعد، حتى الطرف الحكومي الذي يتواصل مع جانب صندوق النقد لا يُنسّق مع بقية الاطراف اللبنانية المعنية والمقصود بذلك المصارف والمصرف المركزي.
ولدى سؤاله اذا كان اعلان راميريز قبل مغادرته عن عودته الى لبنان في ايلول المقبل هو مَدعاة أمل او يحمل ايجابيات في طياته؟ قال: هذا لا يعني شيئاً، لأنّ المطلوب اليوم وضع رؤية وخطة واضحة للسير بها والّا فإن هذه الزيارة لن تختلف عن سابقاتها. تابع: الصندوق يطلب البَت بـ 4 قوانين ويطلب من الدولة ان تعد رؤية وخطة شاملة ومتكاملة يدخل من ضمنها الاصلاحات على ان يتم عرضها على صندوق النقد متى جهزت للشروع بالتفاوض. في الواقع نحن حتى اليوم ليس لدينا رؤية للحل.