كبريال مراد – نداء الوطن
يبدو لبنان هذه الأيام كمن يقف عند مفترق طرق على وقع الضغوط الدولية المستمرة، والغارات الإسرائيلية المتواصلة. لا الحلول الاقتصادية ميسّرة، ولا إعادة الإعمار مؤمّنة. والربط بات واقعًا بين المعالجات السياسية والمعالجات الاقتصادية والمالية.
وفي الساعات الماضية، خرج رئيس الجمهورية بموقف متجدد من مسألة مستقبل النزاع القائم مع إسرائيل، بإشارته إلى أنه “ليس أمام لبنان إلّا خيار التفاوض الذي لا يكون مع صديق أو حليف، بل مع عدو”. فما خلفية هذا الموقف؟ وكيف سيترجم عمليًا؟
تشير المعلومات في هذا السياق إلى أن موقف الرئيس لم يأت من فراغ. بل جاء في سياق توجّه لبناني رسمي. فبعد حادثة بليدا، التي قضى فيها المواطن إبراهيم سلامة، خرج البعض بقراءات متناقضة لموقف الرئيس الذي طلب من الجيش اللبناني التصدي لأي توغل إسرائيلي في الأراضي اللبنانية المحررة. فجاء موقف الرئيس من التفاوض، ليؤكد، أنه ومع الحرص على الدفاع عن لبنان وشعبه، فالحرص كذلك هو على اللجوء إلى وسائل الشرعية الدولية والتي وافق عليها اللبنانيون لاستعادة الأرض، ومنها التفاوض.
وفي هذا السياق، فالعودة خطوة إلى الوراء تظهر أن الموافقة على مبدأ التفاوض مع إسرائيل، لم يكن “من اختراع الرئاسة الحالية”. بل من نتاج من وافق على اتفاق وقف الأعمال العدائية في 27 تشرين الثاني 2024، أي ثنائي “أمل” و “حزب الله” والقوى السياسية التي كانت ممثلة في حكومة نجيب ميقاتي.
لا بل أكثر من ذلك، فإن هذه القوى، وبموافقتها على القرار، وافقت من ضمنه على حصرية السلاح بيد الدولة على كامل الأراضي اللبنانية. وقد ذهبت أبعد من ذلك بموافقتها على البند الثالث من قرار وقف الأعمال العدائية والذي ينص على أن “تعترف إسرائيل ولبنان بأهمية قرار مجلس الأمن 1701 في تحقيق السلام والأمن الدائمين”.
ولكن ماذا عن موقف “حزب الله”؟ هنا أيضًا تشير المعلومات إلى أن مسألة التفاوض “ليست مستهجنة أو غير مسبوقة عند “الحزب” الذي قام بأكثر من تفاوض غير مباشر على مدى 15 عامًا، ووقع 5 عمليات تبادل للأسرى والجثامين. وبالتالي، فالسؤال الذي يطرح نفسه: هل الأرض ليست بقدسية الجثامين، ليكون التفاوض غير المباشر مقبولًا وشرعيًا وانتصارًا في مسألة الجثامين والأسرى، ومرفوضًا على الأرض؟”. حتى أن إيران نفسها ذهبت بعمليات تفاوض مباشر أو غير مباشر لتأمين مصالحها العليا.
الثابت إذًا أن ما هو معرض التحضير والبحث يتعلّق بالتفاوض غير المباشر استنادًا إلى النموذج الذي اعتمد بين لبنان وإسرائيل في ترسيم الحدود البحرية، والذي اعتمد فيه لبنان تمثيل العسكريين والخبراء. وهذه القاعدة يمكن أن تطبّق على التفاوض غير المباشر مع إسرائيل، فيتكوّن الوفد بحسب الملف الذي يطرح.
لا عقد ولا تابوهات
وإذ تشير المعلومات في هذا السياق إلى أن “لا عقد إطلاقًا ولا تابوهات عند لبنان الرسمي، بل الأولوية الواضحة تكمن في تحقيق مصلحة لبنان واستعادة الأسرى والأرض والاستقرار على الحدود”، تلفت إلى أن “الأركان الدستوريين الـ 3، من رئاسة الجمهورية ورئاستي مجلس النواب والحكومة توافقوا على هذا الأمر”.
هل ينتظر لبنان موفدًا دوليًا لتسليمه الرد الذي يحمل هذا التوجّه؟ الأكيد بحسب المعلومات، أن توم براك لن يأتي مجددًا إلى لبنان. أما مورغان أورتاغوس فمعنية بما هو مرتبط بالميكانيزم. والانتظار سيكون لمجيء السفير الأميركي الجديد في لبنان ميشال عيسى الذي بات مسؤولًا عن الملف اللبناني بكلّيته. ومع قدومه المرتقب في الأيام المقبلة، فلبنان الرسمي منكبّ على تحضير أوراقه للتفاوض غير المباشر، ليكون ملفه جاهزًا مع وصول الدبلوماسي الأميركي.


