كتب أحمد عياش في “النهار”:
الانباء التي تحدثت عن الانتشار العسكري ل”حزب الله” في مرتفعات عيون السيمان خلال الأيام القليلة الماضية، لم تأخذ طريقها الى وسائل إعلام الحزب، كما لم تثر أية ردة فعل من جانب الحزب لا نفيا ولا تأكيدا. في الوقت نفسه، جرى إنتشار عسكري مماثل في مرتفعات الشوف، وفي وقت متزامن مع الانتشار في مرتفعات عيون السيمان، لكنه ظل طيّ الكتمان.
يقول النائب السابق فارس سعيّد:” نعيش في الجرد ونعرفه معرفة اهل البيت، من عيون السيمان الى جرد العاقورة الى جرد تنورين وصولا للقرنة السوداء. ونعرف كما يعرف الجيش ومعه السفارات، بوجود حزب الله داخله. السؤال لماذا اراد الحزب اعلان وجوده؟ لمن الرسالة؟”
قبل المتابعة للإجابة على سؤال سعيّد، نتوقف عند وقائع الانتشار المسلح ل”حزب الله” المعلن في عيون السيمان، والمضمر في مرتفعات الشوف. ففي عيون السيمان، وفي موازاة تسريب الانباء، والذي بدا متعمدا، عمد الحزب الى توزيع نبأ قيام رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين السبت الماضي، بإفتتاح بئريّ مياه في بلدتي طاريا ووادي أم علي، وسلّم آليات لمركز الدفاع المدني في بلدة رسم الحدث. كما وزع الحزب لصفي الدين كلمة القاها لمناسبة إفتتاح ” روضة الشهداء” في بعلبك كلمة لصفيّ الدين قال فيها:”أنتم أيها المزايدون، يا من رفعتم الشعارات وزايدتم على مدى سنوات طويلة وتهجّمتم وظلمتم واعتديتم تحت عنوان الاستقلال والسيادة والحرية، أنتم بعد الآن يجب أن تسكتوا، لأنّكم أصبحتم مفضوحين…”
لا داعي لبذل الجهد لمعرفة من هم هؤلاء “المزايدون” الذي دعاهم المسؤول البارز في “حزب الله”، والذي يأتي في المرتبة الثالثة بعد الأمين العام ونائبه، الى “السكوت.” ففي مقدمة هؤلاء رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ، اللذان أنبريا في توجيه أشد الانتقادات للحزب خلال أزمة لبنان المستمرة مع دول الخليح العربي، كما فعل جنبلاط. وكذلك خلال أزمة احداث الطيونة وتداعيات إقتحام مرتدي القمصان السود لعين الرمانة، كما فعل جعجع.
والان ما الذي جرى في مرتفعات الشوف؟ وفق معلومات ل”النهار” من أوساط بارزة في المنطقة، قام “حزب الله” بتنفيذ إنتشار مسلح هناك في الأيام الماضية تحت ستار رعاة ماعز، ولكن مدججين بالسلاح. ولم يكن هناك قمصان سود، بل قطيع من الماعز الذي هو بطبيعة الحال أسود اللون. تضيف هذه المعلومات، ان الاتصالات التي جرت بين فعاليات المنطقة مع مرجعية هؤلاء الرعاة المسلحين، أدت الى إنكفاء الأخيرين وعودتهم من حيث أتوا من المقلب الشرق للمرتفعات المطلّ على سهل البقاع. واعادت هذه الأوساط الى الاذهان، ما جرى أبان احداث 7 أيار عام 2008، والتي صارت مثلا يطلق على تدخلات الحزب المسلحة في الداخل اللبناني. ففي مرتفعات الشوف وقعت وقتذاك مواجهة بين مسلحين تابعين للحزب إجتازوا المرتفعات فوقعوا في قبضة مسلحين من المنطقة والمحسوبين على الحزب التقدمي الاشتراكي. أما بقية المعطيات حول ما جرى قبل 13 عاما فقد صارت معروفة، وابرزها الافراج عن مسلحي الحزب بمبادرة من جنبلاط، وذهاب المتخاصمين الى إتفاقية الدوحة، بعد سقوط عشرات القتلى والجرحى في بيروت، ومثلهم في بعض مناطق الجبل.
والان، ماذا عن السؤال التي وجهه فارس سعيّد وهو: لمن الرسالة التي أراد حزب الله توجيهها بالإعلان عن إنتشاره المسلّح في عيون السيمان؟
يجوز القول ان جزءا من الجواب، قد ورد للتو، بالإشارة الى التصريح الاخير رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” . لكن هل هذا يكفي؟ بالتأكيد، الجواب بالنفي. ولا بد من مقاربة السؤال بصورة شاملة نلتقط اول خيوطها في توصيف الرئيس فؤاد السنيورة في لقائه الإعلامي الأخير حيث أشار الى ان هذا التنظيم يعاني “قلقا” نتيجة فقدانه التغطية التي كان يتمتع بها داخليا والتي بلغت ذروتها أبان حرب تموز عام 2006 . ويشير هنا مراقبون الى ان هناك هوّة واضحة تفصل حاليا ما بين الحزب وبين حليفه المسيحي الأبرز ، أي “التيار الوطني الحر” تجلّت في ملفيّن بارزيّن هما:التحقيق القضائي في إنفجار مرفأ بيروت، والازمة الديبلوماسية بين بيروت والرياض. وفي هذا السياق يقف التيار بقيادة رئيس الجمهورية ميشال عون على طرف نقيض من الحزب في مسألة مطالبة الأخير بتنحية المحقق العدلي طارق البيطار. كما ان “التيار” ليس في الموقع نفسه في تمسك الحزب ببقاء وزير الاعلام جورج قرداحي في منصبه ، علما ان “التيار” واجه معضلة مماثلة أيام حكومة حسان دياب عندما تسبب وزير الخارجية السابق شربل وهبة بأزمة ديبلوماسية مماثلة مع الرياض بسب مواقف أطلقها الاخير. ولم يتأخر “التيار” وقتذاك في دفع الوزير السابق المحسوب عليه الى الاستقالة ، ما أدى الى إحتواء الازمة الديبلوماسية قدر الإمكان، فلم تتطور الى ما تطورت اليه الازمة الأخيرة.
في سياق متصل، لا يبدو ان الرئيس نبيه بري على موجة واحدة مع “حزب الله”، أقله فيما يتعلق بسبل معالجة الازمة الديبلوماسية بين لبنان ودول الخليج العربي. ولم يعمد الرئيس بري، او أي من نواب كتلته او قياديي حركة “أمل”، الى السير على خطى “حزب الله” في شأن بقاء الوزير قرداحي في منصبه، كما يتشدد الحزب في ذلك. لكن بري يبدو في سلوكه ، مثله عون يتصرف على قاعدة “منّ في فمه ماء.”
في الخلاصة، صار أسلوب إرهاب الخصوم كما حصل في 7 أيار 2008، وسيلة “حزب الله” في فرض مشيئته هذه الأيام. لكن “الرياح” التي جرت الشهر الماضي في عين الرمانة، واليوم في مرتفعات عيون السيمان والشوف ، لا تبدو انها “تشتهيها سفن” الحزب الذي ما زال مكابرا في قراءة متغيّرات لبنان!