جاء في النهار:
بين الحرائق السياسية والديبلوماسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والحرائق الطبيعية يتقلب لبنان واللبنانيون على جمر واقع يفتقد دولة حقيقية فيما تتخبط الحكومة منذ أكثر من شهر في شلل لا تجد إلى الخروج منه سبيلاً بفعل التعطيل الذي عاد يعصف بالمؤسسات والناجم عن سياسات الابتزاز السياسي الفاقع.
أمس تراجع المشهد السياسي بكل أزماته إلى المرتبة الثانية لتتقدم كارثة موسمية باتت معتادة بسبب الفشل والعجز والفساد الذين تجمعوا في سلوكيات دولة فاشلة لم فرطت حتى بطائرة مختصة بإخماد الحرائق ولم تعد العدة لهذه الكارثة التي تتكرر موسمياً وخصوصاً عند موسم الشحائح والجفاف وسط الخلل المناخي الذي يضرب لبنان أسوة ببلدان عديدة. وقد اشتعلت عشرات الحرائق أمس في معظم المناطق اللبنانية وسط عجز مخيف عن مكافحتها إلا بالوسائل المتاحة لدى أجهزة الإطفاء بمشاركة الأهالي الذين أطلقوا صرخات استغاثة بعدما حاصرت النيران منازلهم.
وذكر أن رئيس الوزراء نجيب ميقاتي تابع ملف الحرائق التي اندلعت في عدد كبير من المناطق اللبنانية لا سيما في صور وبيت مري والكسليك وعبرين. وأجرى لهذه الغاية، اتصالات مع وزير الداخلية بسام مولوي وقيادة الجيش لاستنفار كل الأجهزة المعنية للإسراع في إخمادها ومنع تمددها. كما أجرى اتصالات استباقية طلبًا للمساعدة من الدول المجاورة في حال اقتضت الحاجة. وتابع مع وزير البيئة ناصر ياسين الذي كان موجوداً في وادي العزية في الجنوب الجهود المبذولة لإخماد الحريق الكبير الذي اندلع في البلدة. وفيما انتقل وزير الداخلية إلى غرفة عمليات الدفاع المدني في فرن الشباك، تواصل وزير الزراعة عباس الحاج حسن مع قيادة الجيش ووزارة الداخلية وقوات الطوارىء العاملة في الجنوب ووزارة البيئة في إطار المساعدة السريعة على إخماد الحريق الكبير الذي يتركز في منطقة صور في وادي العزية-زبقين والحنية وخراج مجدل زون وجب سويد.
مع ذلك، لم يحجب التهاب الأحراج في الكثير من المناطق خطورة المعلومات التي انتشرت على نطاق واسع عن حواجز مسلحة على طريق حدث بعلبك – كفردبيان، أفيد أنها لمسلحين من “حزب الله” بلباس أسود وبكامل أسلحتهم كانوا نفذوا انتشارًا كثيفًا في جرود عيون السيمان ونصبوا حاجزاً على بعد كيلومتر واحد من حاجز الجيش اللبناني في الطريق القديم المفرق المؤدي إلى زحلة القادومية. وفي حين ذكر مختار كفردبيان وسيم مهنّا أنّ الصور هي لحفل افتتاح بئر مياه ارتوازي في خراج بلدة حدث- بعلبك، إلا أن “وكالة الانباء المركزية” نقلت عن مصادر عليمة أن لا علاقة لافتتاح البئر وهو تحديداً في منطقة طاريا وحضر الحفل في التاسعة صباحاً، رئيس المجلس التنفيذي في الحزب هاشم صفي الدين، بالانتشار العسكري ذلك أن مسؤولي “حزب الله” حينما يتنقلون يفعلون ذلك خفية من دون انتشار عسكري، وعزت ما جرى إلى مناورة صامتة أجراها الحزب على مدى ثلاثة أيام تُحاكي التطورات اللبنانية الأخيرة، لا سيما الأمنية منها، حيث أقام معسكر تدريب لعناصره فككه صباح أمس.
في غضون ذلك، أعلن مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في البيان الختامي الذي أصدره عقب دورته السنوية أنه “أمام استمرار التدهور الاقتصادي والمعيشي والأمني والديبلوماسي والقضائي، وارتفاع نسبة الفقر والخوف لدى الشعب اللبناني، وازدياد نسبة البطالة والهجرة، يرفع المجتمعون صوتهم ليستنكروا هذا الوضع الشاذ وليطالبوا المسؤولين بتحمل مسؤولياتهم والتحرك السريع لتدارك الخطر الداهم، وبضرورة الاحتكام إلى الدستور واحترام مبدأ فصل السلطات لكي تتابع الحكومة ورشة الإصلاح المطلوب ولكي يكمل القضاء تحقيقاته في كل الجرائم والقضايا المطروحة، وأولها جريمة انفجار مرفأ بيروت. والإسراع في العمل على حل الأزمة الديبلوماسية القائمة مع دول الخليج”. كما دعا المجلس “جميع اللبنانيين إلى إقامة الحوار في ما بينهم، حوار المحبة في الحقيقة والمصارحة والمغفرة والمصالحة من دون مساومات ولا تسويات، كما طلب منهم القديس البابا يوحنا بولس الثاني في الإرشاد الرسولي “رجاء جديد للبنان” (1997)، وكما يطلب منهم قداسة البابا فرنسيس (في رسالته إلى اللبنانيين 24/12/2020، وفي لقاء الصلاة والتفكير الذي تم في الفاتيكان في1/7/2021). هذا الحوار بات ضرورياً اليوم، بل ملحاً، ويفترض عملية تنقية الذاكرة من قبل جميع الأطراف اللبنانيين، أي أن يقوم كل طرف بفحص ضمير عميق، وفعل توبة صادق، وقراءة نقدية لمسيرته السياسية. فنصل جميعاً إلى الاعتراف بالأخطاء، وطلب المغفرة، وفتح الطريق أمام المصالحة الشاملة. ولا يكون في هذا الحوار أي مصلحة سوى قيامة لبنان، وإعادة بنائه وطناً رسالة. وتقوم لجان منبثقة من المجلس بالتواصل مع القوى الحية والتغييرية الناشطة في المجتمع المدني، ومع الجماعات الأخرى المسيحية والإسلامية، بهدف الوصول إلى تشكيل خلية دراسة وتفكير تهيء للحوار بين الأطراف كافة برعاية رئيس المجلس البطريرك مار بشاره بطرس الراعي”.
من جانبه، أبدى “التيّار الوطني الحر” أمس “بالغ القلق من استمرار تعطيل مجلس الوزراء من دون أي سبب مقنع وشلّ الوضع الحكومي في موازاة التفشّي الدراماتيكي للأزمة الاقتصادية والاجتماعية. فالأولوية الاجتماعية تعلو، لذا بات واجباً إستدراك ما يحصل والتحلّي بحسّ عال من المسؤولية الوطنية والإنسانية”. وحذر التيّار من “استغلال الأزمة السياسية لتأزيم الوضع اقتصادياً ومالياً وأمنياً تحقيقاً لأجندات خارجية”، ودعا مجلس النواب إلى “سؤال الحكومة عن أسباب امتناعها عن عقد مجلس الوزراء”.
في سياق متصل بالأزمة الديبلوماسية بين لبنان والمملكة العربية السعودية، أكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في مقابلة مع “فرانس 24” أن “حزب الله” يبذل قصارى جهده لعرقلة تحقيق انفجار مرفأ بيروت. وأشار إلى أنّه “لا أزمة مع لبنان إنّما هناك أزمة في لبنان”، مشدداً على أن “الفساد السياسي والاقتصادي مستشرٍ ومستمرّ في لبنان”. ورأى بن فرحان أنّه “على الطبقة السياسية اللبنانية اتخاذ ما يلزم لتحرير لبنان من هيمنة حزب الله وهو يستخدم القوة العسكرية لفرض إرادته على الشعب اللبناني”. ولفت إلى أن “نصرالله اعترف سابقاً بتلقيه دعماً من إيران وهذا مقلق بالنسبة لنا”.