المصدر: الديار
يبدو أن قاعدة كل الازمات في لبنان تنتهي بتسوية” لا غالب ولا مغلوب”، لا زالت سارية المفعول وهي الحاكمة في اشكالية
المطران موسى الحاج، الذي انتقلت من جبهة المواقف المعلنة إلى محور التحرك وراء الكواليس،اذ بدا واضحا من بوصلة الغضب الكنسي الماروني والارتوذكسي، ان الامور تتجه نحو “تنفيس للاحتقان”، مع بلوغ مفاعيله عاصمة الكثلكة، التي رفع سفيرها في بيروت الصوت رفضا لما حصل.
واضح ان السقوف العالية التي بلغتها المواجهة، ان من عملية التوقيف ذاتها، او ما استتبعها من مواقف عالية السقف بين طرفي المواجهة، لم يكن صعبا الرجوع عنها بعدما استنفدت غاياتها، فالنزول عن الشجرة كان ” متل الطلعة عليها”، وأن تقرر اعتماد استراتيجية “ابو ملحم” لتبويس اللحى في حل الازمة المستجدة، اذ يبدو جليا ان من اتخذ القرار ونفذه كان يدرك جيدا حدوده تبعاته ونتائج، حيث سجلت زيارة المطران إلى قصر بعبدا بدلالاتها الكثيرة نقطة تحول مفصلية.
واذا كان ثمة من يسرب بأن الحادثة جاءت “شحمة عا فطيرة” لحل مشكلة الفارين إلى إسرائيل، مقابل من يرى من جماعة “المقاومة والممانعة” ان من ينفخ بنار الفتنة بين المسيحيين والشيعة إنما يقدم هدية مجانية لتل أبيب عشية خوض حارة حريك معركة استعادة المياه والغاز، الا انه لا يمكن للمتابع الا ان يتوقف عند مجموعة من النقاط اللافتة والاساسية، ابرزها:
– الأطراف التي اعتبرت معنية بالرسالة، من البطريركية المارونية ومواقفها السيادية العالية السقف عشية الاستحقاق الرئاسي ودعواتها إلى قيام الثورة رقم ٢ لتصحيح المسار، وصولا إلى الفاتيكان الذي يحمل لواء القضية اللبنانية في المحافل الدولية ومشروع حياد لبنان.
-بينت مجريات القضية، انها مؤلفة من عدة “لايرز” يختلط فيها السياسي بالامني والقضائي، لكل مستوى من الثلاث ادواته وأهدافه، خصوصا ان السقوف التي بلغتها عالية جدا وقد تكون متقاطعة مع بعض ما يجري اعداده في الخارج للفترة المقبلة، من تحييد للمحكمة العسكرية وشل عملها، وليس اخيرا استكمال مشروع ضرب الاجهزة الامنية.
-الضياع الرسمي العام، إذ كيف لرئيسي الجمهورية والحكومة ان يستنكرا تدبيرا دون اتخاذ اي اجراء فعلي، فيما وزير العدل صاحب صلاحية الإحالة للمجلس التأديبي “لا حول ولا قوة له” ينتظر جواب مدعي عام التمييز الذي لن يصله “قبل خراب البصرة”، هذا اذا ما قدر له ان يصل.
-دخول حزب الله على الخط لدحض الاتهامات السياسية بحقه، وأن كان من باب الدفاع عن النفس،دون الاسترسال بكثير من الشرح والتحليل، حيث ثمة من يرى فيما حصل دخولا لطابور خامس أميركي هدفه المستور ضرب مزدوج “لصفقة” التوافق الاقتصادي بين باريس وحارة حريك، واضعاف لموقف المقاومة عشية زيارة هوكشتاين.
-إشارة بيان المطارنة إلى “المصالح العائلية” في إشارة واضحة إلى “أبو مصطفى”. فما هو المستجد في العلاقة بين عين التينة وبكركي الذي اوصل الأمور إلى هذا الدرك؟
-تغريدة لاحد “المستشارين” السابقين منذ حوالي الشهر اورد فيها تفاصيل ما حصل ،ما طرح التساؤلات حول الجهة التي ابلغته بالمعلومات و”التركيبة” التي جرى طبخها.
مصادر كنسية أكدت ان السقف العالي هذه المرة انما هو من باب الحرص على المصلحة الوطنية، فالقاضي عقيقي تخطى كل الحدود، وأصبح واضحا انه لا” يستقوي” الا على المسيحيين وقياداتهم السياسية والروحية، واحدا لم ينس بعد كيفية تعامله الكيدية مع ملف أحداث الشياح – عين الرمانة، متابعة بأن المطلوب اليوم أكثر من موقف وطني وتغريدات وردود فعل شعبية ووجدانية، فالخطر يكمن في محاولات اللعب على وتر تعزيز الشرخ بين المسيحيين والدولة، خاتمة ان” بكركي من عركة لعركة وحدها بتحكي صح”.
أوساط متابعة لمجريات القضية، أشارت إلى أن الأمور بالغة الحساسية والدقة، واتصالات التهدئة قد نجحت في ايجاد المخارج المطلوبة ، مع نجاح وزير سابق(مرشح رئاسي بارز) الذي بدا منذ قرابة الشهر في العمل على الملف في ايجاد “الديباجة” القانونية اللازمة التي اخرجت الموضوع من مسار التعامل وخرق قانون المقاطعة وما اليه من تطبيع وغيره، حيث يقوم الحل على مجموعة نقاط اهمها: اعادة الاموال المصادرة ، الاحتفاظ بالادوية الاسرائيلية المنشا، اقتصار العبور عبر الناقورة بعناصر وموظفي القوات الدولية حصرا ،ما يعني ان المطران الحاج سيستحدم في تنقلاته خط بيروت –عمان الجوي.
إزاء كل ما تقدم يبدو السؤال حول مدى نجاح تسوية “لا مات الديب ولا فني الغنم” واقعيا ومطروحا بقوة، بعيدا عن حجم الحشود الشعبية في الديمان وهويتها ولونها. اكيد ان الامور هذه المرة “مش متل كل مرة”. فمن هو العبقري الذي ورط الجميع؟ ومن كان ليكون “كبش محرقة”، خصوصا ان الظاهر حتى الساعة اكثر من شخص واحد؟ وهل ينتقل الملف إلى مستوى جديد “لحرق أصابع” اخرين؟
ما حصل رسالة جاءت على حساب الكنيسة وسمعة الدولة بمؤسساتها.
الوقت كفيل بتظهير الحقيقة واليات المعالجة وبيان الخاسرين من الرابحين.