بواحدة من فقرات “ملفات المنطقة”، اختصر الموقف السعودي من لبنان على منبر الأمم المتحدة ما هو مطلوب بالتحديد ليستعيد البلد عافيته وسيادته وحضنه العربي وحاضنته الدولية، فجاءت “الفقرة اللبنانية” في كلمة وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان، على اقتضابها، لترسم معالم خريطة الطريق الإنقاذية الوحيدة الواجب أن يسلكها المسؤولون اللبنانيون مهما طالت بهم دروب “اللف والدوران” حولها… فلا خلاص للبنانيين من أزمتهم إلا بتنفيذ “إصلاحات سياسية واقتصادية هيكلية شاملة”، ولا قيامة لوطنهم إذا ما استمرّ “نقطة انطلاق للإرهابيين أو تهريب المخدرات أو الأنشطة الإجرامية الأخرى التي تهدد أمن المنطقة واستقرارها”، ولن تقوم قائمة لدولتهم ما لم تبسط سيطرتها “على جميع الأراضي اللبنانية بما يشمل تنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة واتفاق الطائف”.
ومن نيويورك يعود رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى بيروت “مسنوداً” بحزمة مواقف دولية وعربية داعمة وداعية لتسريع خطوات التشكيل الحكومي واحترام الموعد الدستوري للاستحقاق الرئاسي، ليستأنف مشاورات التأليف في قصر بعبدا بزخم متجدد، مدعوماً كذلك على المستوى الداخلي بإسناد مباشر من “حارة حريك” تحت وطأة رفع “حزب الله” مستوى الضغط على العهد وتياره لتسهيل ولادة الحكومة، ما يجعل رئيس الجمهورية ميشال عون عملياً “ظهرُه للحيط” في جولة المساومات الأخيرة مع ميقاتي، حسبما رأت أوساط مواكبة للاتصالات الحكومية، سيّما وأنّ “الحزب” ضيّق الهامش الزمني لكي تبصر الحكومة النور “الأسبوع المقبل” كما رجّح الشيخ نعيم قاسم، بالاستناد إلى أنه جرى تذليل الكثير من العقبات ولم يبقَ سوى “بعض التفاصيل وجزئيات بسيطة لتكون لدينا حكومة كاملة الصلاحيات تستطيع أن تدير المرحلة المقبلة” على ما أكد النائب حسن فضل الله.
وابتداءً من الغد، سيكون الرئيس المكلف على موعد مع تنفيذ الوعد الذي قطعه من بهو القصر الجمهوري لدى انتهاء لقاء بعبدا الأخير حين تعهد بأن “يفترش” القصر حين يعود حتى التأليف، على أن يخطو هذه المرة خطواته باتجاه مكتب عون “بقوة دفع استثنائية من المجتمع الدولي نتيجة اللقاءات النوعية التي نجح في عقدها في نيويورك على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة”، وفق تعبير المصادر، فضلاً عن “مضامين البيان الثلاثي السعودي – الفرنسي – الأميركي شديدة الوضوح في الملفين الحكومي والرئاسي، ناهيك عن بيان لقاء دار الفتوى الذي صوّب بوصلة الموقف النيابي السنّي إزاء الاستحقاقات الدستورية والوطنية برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان”.
وفي المعلومات المتوافرة عن الخيارات المطروحة لإنجاز التشكيلة الحكومية المرتقبة، لفتت المصادر إلى أنها “باتت محصورة بخيار من اثنين، فإما يصار إلى استبدال وزير المهجرين عصام شرف الدين باسم لا يستفز وليد جنبلاط مقابل أن يكون لعون وزير مسيحي إضافي مع أرجحية تسمية الثنائي الشيعي وزير مالية جديداً بدلاً عن الوزير الحالي يوسف خليل، أو تنتهي مشاورات التعديل الوزاري إلى حائط مسدود يفضي إلى إعادة إصدار مراسيم تأليف الحكومة الحالية بتركيبتها ذاتها وبالحقائب والأسماء نفسها، وفي هذه الحال سيكون على جبران باسيل أن يتعهد بمنح الثقة لهذه الحكومة بكامل أصوات نواب تكتل “لبنان القوي” التياريين والحلفاء، لتعويض خسارة ميقاتي أصوات نواب عكار ونواب “اللقاء الديمقراطي” في جلسة الثقة”.
وغداة التزام 24 نائباً سنيّا تحت سقف دار الفتوى “العمل مع أَعضاء المجلِس النيابي على انتخاب رئيس للجمهورية في الموعد الدستوري المحدد يكون ممن يحترمون الدستور ويلتزمون القسم الدستوري”، انطلاقاً من تشديد المفتي دريان على مسؤولية النواب السنّة الكبيرة في الاستحقاق الرئاسي لمنع الشغور وتأمين انتخاب “رئيس جديد يحافظ على ثوابت الوطن والدولة” ويعيد لرئاسة الجمهورية “احترامها ودورها بالداخل وتجاه الخارج”، جدد البطريرك الماروني بشارة الراعي رفع الصوت الكنسي والوطني في مواجهة الساعين إلى تفريغ سدة الرئاسة الأولى محذراً من أنّ “السعي لتعطيل الإستحقاق الرئاسي يهدف إلى إسقاط الجمهورية وإقصاء الدور المسيحي والماروني تحديداً عن السلطة”.
وإذ شدد على أنّ الدولة لا تستقيم “مع بقاء حكومة مستقيلة، ولا مع حكومة مرمّمة، ولا مع شغور رئاسي، لأن ذلك جريمة سياسية وطنية وكيانية”، سأل الراعي في عظة الأحد من الديمان أمس: “لماذا يفضل البعض تسليم البلاد إلى حكومة مستقيلة أو مرمّمة على انتخاب رئيس جديد قادر على قيادة البلاد بالأصالة؟ ألا يعني هذا أنّ هناك من يريد تغيير النظام والدستور وخلق تنافس مصطنع بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة”؟.