لا يُخفى على أحد أن ما ينتظر لبنان في الفترة المقبلة حتى نهاية شهر أيار، مستقبل محفوف بالمخاطر من كل نوع. الفوضى عارمة سواء على الصعيد السياسي أو على الصعيد القضائي أو على الصعيد الاقتصادي.
ملاحقة الصرافين وسعر الدولار
ملاحقة الصرافين غير الشرعيين، قد تؤدّي إلى ردة فعل من الشبكات التابعة لها، وقد تقوم برفع سعر صرف الدولار اصطناعيًا إلى مستويات تخدم من جهة حجة الصيارفة أنهم ليسوا سبب الأزمة ، ومن جهة ثانية عمّ الفوضى في الشارع من خلال رفع سعر صرف الدولار إلى مستويات عالية ستؤدّي إلى تحريك الشارع. بالطبع ما سبق يبقى في سياق التحليل ولا شيء مؤكّد حتى الساعة، حيث يجتاح السوق نظريات أخرى تنصّ على أن فقدان السيطرة على سعر صرف الدولار في السوق السوداء، وعجز مصرف لبنان عن ضخ الدولارات بشكلٍ متواصل، ولكيلا يؤدّي فلتان سعر صرف الدولار مقابل الليرة إلى فلتان أمني، رُفع الغطاء عن بعض الصيارفة غير الشرعيين الجوالين أو الثابتين. وهو ما يقترح بقاء الدولار ثابتًا في المرحلة المُقبلة، إلا أن هذا السيناريو يبقى في إطار السيناريوهات ولا يمكن تأكيده.
من باب سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء، من المُتوقّع زيادة الطلب الاقتصادي على هذا الدولار، مع التوجّه نحو «دولرة» العمليات الاقتصادية، وهو ما سيعقّد مهمّة السيطرة على سعر الصرف في هذه السوق. هذا الأمر سيرفع حكمًا سعر منصة صيرفة (لخفض الخسائر التي يتكبدّها المصرف المركزي)، واستطرادًا سعر الخدمات العامة المسعّرة بالدولار على سعر منصة صيرفة (فواتير الاتصالات والكهرباء بالدرجة الأولى).
لذا وبدءًا من اليوم، الأزمات المحتملة كثيرة، وكلها ذات تداعيات اقتصادية قد تؤدّي إلى فلتان في سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، خصوصًا إذا لم تتحرك وزارة الاتصالات لتعطيل التطبيقات على الأجهزة الخليوية من خلال تعطيل الـ Port Number الذي تتواصل به التطبيقات مع الأجهزة الخليوية.
فوضى التسعير بالدولار
الفوضى ستدخل بدءًا من اليوم مع بدء التسعير بالدولار الأميركي في العديد من القطاعات، وعلى رأسها محال بيع المواد الغذائية. هذه «الدولرة» تخدم بالدرجة الأولى التجّار على عكس ما يتمّ تسويقه، كما أن التسعير بعملة غير الليرة اللبنانية هو أمر مخالف للقانون بتأكيد قانونيين. فقطاع المواد الغذائية ينتظر صدور قرار من وزير الاقتصاد والتجارة يسمح بالتسعير بالدولار الأميركي، حيث وفي حديث تلفزيوني، صرّح الوزير أن الوزارة ستضع آلية للتسعير بالدولار في «السوبرماركات» والمحال التجارية، مع توقعات بصدور هذا القرار يوم الثلاثاء على أبعد حدّ، وتشير المصادر الى أن «السوبرماركات» أصبحت جاهزة، وهي بانتظار صدور القرار للبدء بالتنفيذ الفوري.
بالطبع الحجج التي تقدّمها الوزارة كما التجّار، أن التسعير سيضيف شفافية ويسمح بمقارنة الأسعار التي قد تنخفض مع المنافسة. إلا أن هذا الأمر غير مؤكّد، خصوصًا أن المواطن كان يقارن الأسعار بالليرة اللبنانية، فما الذي سيتغيّر مع التسعير بالدولار الأميركي؟ كما أننا لا نعرف من سيُصدر سعر صرف الدولار الذي سيُستخدم في عملية الدفع. أضف إلى ذلك الهيكلية الاحتكارية للتجارة في لبنان، حيث يتحكّم عشرات التجار بشكل مباشر أو غير مباشر بـ 22 ألف نقطة بيع وهو ما يمنع حكمًا أي عملية منافسة بين التجار. العديد من الأسئلة تبقى بحاجة إلى أجوبة من قبل السلطات اللبنانية، وعلى رأسها كيفية تسعير السلع والبضائع اللبنانية المنتجة محليًا (خضر، فاكهة…)؟ الأكيد من كل ما سبق أن هذا الإجراء هو خطوة إضافية نحو دولرة الاقتصاد بالكامل والعودة منه لن تكون سهلة لأن العودة تعني التخلّص من الدولار لمصلحة الليرة، وهذا أمر سيتطلّب الكثير من الوقت.
أيضًا تتوجّه الحكومة إلى تسعير البنزين – على غرار المازوت – بالدولار الأميركي، وبالتالي يُطرح السؤال عن إمكان الدفع بالليرة اللبنانية وعلى أي سعر صرف دولار؟ وهل سعر صرف دولار المحروقات سيكون هو نفسه سعر صرف الدولار المستخدم في «السوبرماركات»؟ كلها أسئلة تجعل الواقع المعيشي محفوفا بالغموض، خصوصًا أن الأفق السياسية لا تزال غير واضحة، ودولار السوق السوداء يستمر في الارتفاع بشكل تتآكل معه القدرة الشرائية للمواطن اللبناني خصوصًا الذي يقبض أجره بالليرة اللبنانية.
ولا تقف الأمور عند هذا الحدّ، فالمولدات بدأت بالتسعير بالدولار الأميركي، والظاهر أن بعضها بدأ يطبّق الضريبة على القيمة المضافة أي 11%. للتذكير فإن سعر الكيلوواط هذا الشهر كان بحدود الـ 40 سنتًا، وهو أعلى بكثير من كلفة الكيلوواط في خطة الكهرباء، التي لن ترى النور إلا قسم التعرفة (على سعر منصة صيرفة + 20%).
الواقع يشير إلى أن «الدولرة» تعفي مؤسسات الدولة من الرقابة والملاحقة، إلا أن ما لا يعيه المعنيون هو خطورة الذهاب إلى «الدولرة»، أي التخلّي عن العملة الوطنية لمصلحة الدولار الأميركي، بحكم أن العكس هو أمر صعب جدا، حتى في ظل برنامج مع صندوق النقد الدولي. لذا لا نعلم آلية أخذ القرارات لدى أصحاب القرار، والتي ستظهر تداعياتها السلبية في الأسابيع المقبلة!
تداعيات الفوضى السياسية والقضائية
الأمثلة عن الفوضى التي بدأنا نراها، تأتي من نتائج الرقابة التي قامت بها مديرية حماية المستهلك على اللبنة، حيث ان المباع لا يمكن تصنيفه لبنة، وهو يتراوح بين النشاء والجبصين! كذلك نشر أحد المواقع الإلكترونية عن سفينة محمّلة بخمسة آلاف طن من القمح غير المطابق للمواصفات، والتي تمّ إفراغ حمولتها ووزّعت على مخازن الشركات. ويحكى عن ضغوطات على الجمارك للسماح باستخدام هذا القمح حتى قبل ظهور النتائج… والأمثلة كثيرة وتتراوح بين التلاعب بالأسعار وصولًا إلى الغش بنوعية السلع والبضائع.
الاشتباك القضائي المتوقّع بين المحقّق العدلي والمدّعي العام التمييزي، سيكون له تداعيات على الشق الاقتصادي، حيث ان أي تصعيد على الجبهة بين الطرفين قد يؤدّي إلى تداعيات سواء كانت على الصعيد الأمني أو على الصعيد الإقتصادي. وإذا كان موضوع المقال اقتصاديا بحتاً، فإننا نكتفي بعرض السيناريو الأسواء الذي قد يشمل المواطنين على الصعيد المعيشي. ففي حال كان هناك من مذكرات توقيف ضد سياسيين أو قضاة، من المرجّح أن ينعكس ذلك على الحياة اليومية سواء كان من الباب الأمني، مع ما لذلك من تداعيات على الشق الاقتصادي، أو من باب عقوبات دولية محتملة ستؤدّي حكمًا إلى التأثير في الماكينة الاقتصادية.
سياسيًا، يعقد مجلس الوزراء اجتماعًا مخصّصًا للشق التربوي بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى الملف الصحي، في جدول أعمال من 29 بندًا تبلغ تكلفتها ما يوازي 1 تريليون ليرة لبنانية (أي 16 مليون دولار أميركي على سعر السوق السوداء، أو 24 مليون دولار أميركي على سعر منصة صيرفة)، لا نعلم حتى الساعة كيف ستموّلها الحكومة، وهو ما يقترح تمويلها من قبل مصرف لبنان بطلبٍ من الحكومة اللبنانية عبر المادة 91 من قانون النقد والتسليف. بالطبع هذا الأمر سيؤدّي حتمًا (في حال حصوله) إلى مزيد من التضخّم.
الأمر ليس أفضل على صعيد نتائج لقاءات الوفد البرلماني اللبناني مع مسؤولين أمميين وأميركيين في العاصمة الأميركية واشنطن، حيث تشير المعلومات الصحافية المتوافرة إلى أن دعم البنك الدولي لاستجرار الغاز والكهرباء من مصر والأردن في حال جمود، نظرًا لتقاعس الحكومة اللبنانية عن القيام بالإصلاحات المطلوبة. كما أن التوجّه الجمهوري المسيطر في الكونغرس هو نحو المزيد من التشدّد مع المسؤولين اللبنانيين. وبالتالي، من المتوقّع ألا يتمّ الالتزام بخطّة الكهرباء من ناحية ساعات التغذية التي وعد بها وزير الطاقة والمياه، مع العلم أن التعرفة أصبحت تتمّ على سعر منصة صيرفة زائدا عشرين في المئة.
يبقى القول إنه على الحكومة التركيز على خطوات فعّالة تستهدف تحسين القدرة الشرائية للمواطن، وعلى رأس هذه الخطوات لجم استهلاك الدولارات سواء من قبل التجّار أو من قبل الدولة، وهذا يفرض التشدّد في مراقبة الاًستيراد وتحويل الأموال «الكاش» إلى الخارج، والتي تحرم الشعب اللبناني من الحصول على الدولارات لشراء الأدوية وتمويل الخدمات العامة.