دخلت المنطقة ولبنان في سباق مع الزمن، بانتظار تبلور الرسائل الاميركية المتناقضة حيال كيفية وقف المجرزة الدموية في غزة ، وعدم خروج الامورعن السيطرة في المنطقة. ثمة شيء ما «يطبخ» بعيدا عن الاضواء، لكن لا شيء واضح او «ناضج» حتى الآن، ما يزيد من خطورة المشهد المعقد اصلا، والذي يزداد تعقيدا بسبب غياب استراتيجية اميركية واضحة المعالم حيال التعامل مع الحدث المتفجر.
فبعد وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن، وصل رئيس الاستخبارات الاميركية وليام بيرنز الى دولة الاحتلال الاسرائيلي، ويستكمل اتصالاته مع نظرائه في اكثر من دولة عربية واقليمية. حتى الآن، نكثت واشنطن بوعودها بحسب وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبداللهيان الذي كشف عن «رسالة» اميركية غير مباشرة من واشنطن، تعهدت خلالها بوقف انساني للنار في القطاع، وهو امر لم يجد طريقه الى التنفيذ.
الادارة الاميركية تناور لمنح «اسرائيل» المزيد من الوقت لتحقيق «انتصار» على الارض! ومن الصعب الاعتقاد انها عاجزة حقا عن اقناع «الرؤوس الحامية» في «اسرائيل» بضرورة «النزول عن الشجرة»، على الرغم حديث «الاعلام الاسرائيلي» عن «حرب» ديبلوماسية تخاض حاليا مع الاميركيين. عدم التزام واشنطن انعكس تصاعدا في التوتر ميدانيا، فبعد ساعات على «رسالة» اميركية الى ايران، حملها رئيس الوزراء العراقي الى طهران، اعلنت فصائل عراقية انها استهدفت 4 قواعد أميركية في العراق وسوريا، كما اعلنت القوات اليمنية عن استهداف الاراضي الفلسطينية المحتلة بدفعة جديدة من المسيرات.
واكثر «الرسائل» المقلقة جاءت من جبهة الجنوب، بعدما تقصدت «اسرائيل» اغتيال المدنيين في سيارة بعيدة عن جبهة القتال امس الاول، في تصرف غير بريء رفع مستوى التصعيد ووسع رقعة الاشتباك، فلم يُستدرج حزب الله الى حرب مفتوحة، ولم يتم ردعه ايضا، وجاء الرد القاسي على مدار يومين باستهداف المستوطنات الشمالية ، وقد وصلت الصواريخ بالامس الى ما قبل حيفا بقليل وبعد عكا.
في هذا الوقت تقدم لبنان بشكوى رسمية الى الامم المتحدة فيما رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي «الغاضب» من الجريمة، لم يتلق اي جواب من السفيرة الاميركية في بيروت دورثي شيا ، بعدما طالبها بموقف وتفسير حيال هذا الاستفزاز، بعدما طمأنه بلينكن قبل ايام بان «اسرائيل» ملتزمة قواعد الاشتباك! ولهذا بات اكثر قلقا من اي يوم مضى حيال تطورات الوضع جنوبا.
واذا كان الانقسام اللبناني حيال التعامل مع الموقف قد تجلى بالامس بصورة جلية في التناقض الواضح بين موقفي مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان والبطريرك بشارة الراعي، فإن السؤال الاكثر الحاحا يبقى: الى متى سيبقى «الهامش» متاحا امام الديبلوماسية الاميركية لاثبات حسن نياتها في تحقيق هدنة انسانية في غزة، قبل خروج الامور عن «السيطرة»؟
تحذير اوروربي من «الخطأ»
وفي هذا السياق، اعرب ديبلوماسي اوروبي في بيروت عن «مغامرة» اميركية غير مضمونة النتائج من خلال الرهان على الوقت، وعبّر عن خشيته من حصول خطأ ما في هذه المواجهة اليومية على الحدود الشمالية، الآخذة في التصعيد. وقال امام زواره ان من شأنها أن تقلب الامور «رأسا على عقب»، وتجر المنطقة الى حرب شاملة، لا تريدها في هذا الوقت لا واشنطن ولا طهران.
وبرأيه فان واشنطن تبالغ في «رسائلها» الردعية لحزب الله وايران، لان هذه الرسائل ستكون دون اي معنى، اذا تدحرجت الاحداث عن سابق تصور وتصميم من قبل «اسرائيل» المتخبطة داخليا، والتي قد تجد في توسيع نطاق الصراع فرصة لتوريط واشنطن للتخلص من اعدائها، وهو الامر الذي تدركه الادارة الاميركية، لكنها لا تفعل الكثير حتى الآن لكبح جماح «اسرائيل» التي تتصرف على نحو «مجنون»، وقد تتسبب بانفجار كبير في الضفة الغربية وعلى الحدود مع لبنان، فيما تبذل واشنطن جهودا مضنية لعدم حصول ذلك!
«اليونيفيل» والخروج عن السيطرة
بدورها، اعلنت قيادة «اليونيفيل» ان لجم تبادل إطلاق النار في لبنان المستمر منذ 4 أسابيع بات مهمة صعبة، وعبّرت عن خشيتها من «وقوع الأخطاء التي تؤدي الى تصعيد أخطر في لبنان»، وزعمت أنه «لا يمكن تحديد من استهدف مراكزها في لبنان والتحقيق مستمر». واعلن الناطق الرسمي باسم «اليونيفيل» أندريا تيننتي «ان احتمال خروج التصعيد عن نطاق السيطرة واضح، ويجب إيقافه».
وقد اعلنت وزارة الخارجية البريطانية امس، أنّها سحبت موقّتاً بعض موظّفي السفارة البريطانية من لبنان، ونصحت البريطانيين بعدم السفر إلى لبنان بسبب الحرب بين «إسرائيل» وحماس في قطاع غزة، وتبادل إطلاق النار على الحدود بين «إسرائيل» ولبنان. كما حضّت البريطانيين في لبنان على المغادرة، في وقت لا تزال فيه الرحلات التجارية متاحة.
تهديدات اميركية بضرب حزب الله
وفيما لا تبذل الولايات المتحدة الكثير من الجهود لردع «اسرائيل»، يستمر الضغط على ايران وحزب الله، دون ان تكون النتائج مضمونة، وفقا لكل التجارب السابقة. وفي هذا السياق، كشفت وسائل إعلام أميركية، ان الادارة الاميركية التي اعلنت ارسال غواصة نووية الى الشرق الاوسط، بعثت مجددا برسائل إلى كل من إيران وحزب الله، عبر قنوات ديبلوماسية ودول إقليمية، أعربت فيها عن استعدادها للتدخل عسكريا إذا شنّا هجمات ضد «إسرائيل». وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، نقلاً عن مصادر خاصة، أن المسؤولين في البيت الأبيض أبلغوا تلك الرسائل بشكل واضح، مؤكدة أن واشنطن مستعدة للتدخل عسكريا ضد كل من إيران وحزب الله وضربهما على نحو مباشر اذا هاجما «اسرائيل».
ولفتت الصحيفة إلى أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، وجّه تحذيرات خلال تصريحات له في مطار بغداد، أثناء مغادرته العراق، من أن الهجمات على القوات الأميركية والأهداف المدنية في المنطقة سيتم الرد عليها بالمثل.
وتزامنا مع التصعيد الاميركي، سربت صحيفة «اسرائيل اليوم»عن مصادر حكومية تأكيدها أن «إسرائيل» ستجد صعوبة في احتواء حزب الله لزمن طويل. ولفتت الى ان السيد نصر الله «عدو مرير وخطر ، وحزب الله لن يهزم بالنقاط، أي في حرب استنزاف، ويجب ان ننال منه بضربة واحدة، حتى لو كانت هذه الضربة تنطوي على ضربة شديدة للجبهة الداخلية الإسرائيلية، وفتح جبهة حيال إيران، لكن في المحصلة سنزيل التهديد المركزي عن إسرائيل».
توتر «اسرائيلي» – اميركي؟
وكشفت وسائل إعلام «إسرائيلية» عن زيادة حدة التوتر بين «إسرائيل» والولايات المتحدة الأميركية، على خلفية تزايد القصف على قطاع غزة، الأمر الذي أصبح واضحًا على جميع وسائل الإعلام «الإسرائيلية»، حتى وصف بعضها العلاقة بالعداء والحرب. وأفادت صحيفة «يدعوت احرنوت» بأن الإدارة في واشنطن مخطئة في تقييم الوضع في الشرق الأوسط، وتعتقد أنها ستعزّز موقعها في المنطقة من خلال الحصول على هدنة إنسانية وتزويد القطاع بالوقود. وأوضحت الصحيفة ان «إسرائيل» بجانب قتالها في عدة جبهات في غزة والعراق واليمن ولبنان، تواجه الآن الجبهة الأميركية، والتي لا تطلق فيها النار، بل تواجه ضغوطا منها لتخفيف آثار الحرب على قطاع غزة وحماس.
وأكدت الصحيفة أن هذه الضغوط تُجبر «الجيش الإسرائيلي» على تسريع عملياته لإنجاز أكبر قدر ممكن من العمل، قبل فرض وقف إطلاق النار. وأشارت الصحيفة إلى خطورة فقدان الدعم من الحليف، إلا أنها أكدت على ضرورة الوقوف بثبات أمام جميع التحديات حتى لو كانت من واشنطن. وانتقدت الصحيفة الولايات المتحدة بالقول «أميركا تريد تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط على حساب «إسرائيل»، حتى تتمكن من التركيز على تحقيق النصر في الصراع الروسي – الأوكراني، والتنافس مع الصين على الهيمنة، ولتستعيد مكانتها في الشرق الأوسط التي فقدتها أمام بكين، وإلى حد ما أمام موسكو. وخلصت الى القول «الحرب على الجبهة الأميركية بدأت للتو، ومن المتوقع أن تشتد».
خلاف حول هداف الحرب
بدورها، كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن وجود خلاف بين «إسرائيل» والولايات المتحدة حول أهداف الحرب في غزة، مشيرة إلى أن هناك اختلافا بين الرئيس جو بايدن ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حول الهدف طويل الأمد ومستقبل المنطقة. وتتباين هذه الأهداف والمصالح في النزاع القائم في الشرق الأوسط. وفوق كل هذا، تنظر «إسرائيل» لحماس بأنها تهديد وجودي وتريد أن تقضي عليها، وأي شيء غير ذلك، سيكون بالنسبة لها فشلا. وقد التزمت الولايات المتحدة بمساعدة «إسرائيل» على هزيمة حماس، إلا أن الرئيس بايدن يذهب بتهديداته أبعد من حماس، وتريد إدارته أن تجعل حلفاءها موحدين ضد إيران وروسيا والصين، وهو ما تهدده هذه الحرب.
واشارت الصحيفة الى ان واشنطن تريد تجنب حرب إقليمية، لكن «إسرائيل» مستعدة لاتخاذ مخاطر في سبيل هزيمة حماس. وتعكس المحطات التي توقف فيها بلينكن، اعترافا بأن بعض الدول العربية التي تعتمد على الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، هي حكومات هشّة ويمكن أن يتعرّض استقرارها للخطر، لو استمرت أخبار «إسرائيل» في غارتها وغزوها البري لغزة في الصفحات الأولى للصحف وعلى شاشات التلفزة. وتخشى أميركا والدول العربية وغيرها من تداعيات الحرب الإقليمية، بحسب الصحيفة ، فالحملة «الإسرائيلية» المدمرة ضد غزة أدت إلى تظاهرات وردود في أنحاء العالم. وتواجه إدارة بايدن معضلة، لأن الغضب الشعبي كله موجه ضدها.
تدحرج الوضع جنوبا
وفيما بلغ عدد شهداء حزب الله على طريق القدس 64 شهيدا، مع نعي حزب الله للشهيدين حسين لطفي سويد ومحمد ملحم يوسف، توسعت رقعة المواجهة بالامس، وفي رد واضح على مجرزة عيناتا، وصلت الصواريخ بالامس، الى ما قبل حيفا ومحيط عكا ومستوطنة نهاريا، وهي «رسالة» واضحة الدلالة حملت توقيع كتائب القسام- لبنان، فيما شن العدو غارتين على جبل صافي الواقع بين قضاء جزين واقليم التفاح، وهذه المنطقة خارج القرار 1071 ، ويمكن القول ان دائرة المواجهة اتسعت وباتت ضمن دائرة 30 كيلومترا.
وأفادت وسائل إعلام «إسرائيلية» بأن صفارات الإنذار دوت في نهاريا وفي «كريوت»، وهي أبعد من نهاريا جنوباً، واتساع رقعة القصف في الشمال للمرة الأولى، مشيرة إلى مخاوف من تسلل طائرات مسيّرة من لبنان تجاه الجليل الغربي.
وفيما اعلنت كتائب القسام في لبنان أنها قصفت «نهاريا وجنوب حيفا بـ16 صاروخاً ردًّا على مجازر الاحتلال الاسرائيلي وعدوانه على أهلنا في قطاع غزة، اعلنت إذاعة جيش العدو الإسرائيلي أن حزب الله قصف شمال حيفا للمرة الأولى منذ 2006 ، وهو لاتساع رقعة القصف في الشمال.
من جهته، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي «إطلاق 30 صاروخاً من لبنان باتجاه شمالي «إسرائيل». وافادت وسائل إعلام «إسرائيلية» ان الدفاعات الجوية حاولت إسقاط مسيّرتين عند الحدود الشمالية.
وصدر عن حزب الله بيان اكد استهداف موقعي المالكية وجل الدير بالأسلحة الصاروخية وحقق فيهما إصابات مباشرة. كما اعلنت المقاومة استهداف التجهيزات الفنية في موقع الراهب بالأسلحة المناسبة وتم تدميرها.
في المقابل، اطلق جنود الاحتلال النار باتجاه محيط مراكز الجيش اللبناني في الناقورة. كما تعرضت «جبل بلاط» والمنطقة الواقعة بين بيت ليف ورامية واطراف بلدة مروحين في القطاع الغربي لقصف مدفعي معاد. وافيد عن إطلاق صفارات الإنذار في مركز اليونيفيل في الناقورة. وقصف العدو الاسرائيلي بمدفعيته أطراف بلدتي بليدا وميس الجبل. وسمعت بعد ظهر امس أصوات انفجارات في القطاع الغربي ودوّت صفارات الإنذار في افيفيم والمالكية في الجليل الأعلى.
ايضا، استهدف قصف مدفعي «إسرائيلي» أطراف بلدة مروحين في خلّة العجوز. وكان الطيران الاستطلاعي «الإسرائيلي «حلق صباح امس فوق قرى القطاعين الغربي والأوسط حتى صور وفوق مجرى نهر الليطاني صعودًا. وطلب جيش الاحتلال الإسرائيلي من سكان الجليل الأعلى التزام الملاجئ خشية حصول حادث أمني.
اخلاء المزيد من المستوطنين
في هذا الوقت، دعا رؤساء البلديات في مستطونات الشمال مَن تبقى من السكان الى المغادرة، وحذروهم من انتشار قوات الرضوان على الحدود، وابلغوهم ان هذا الامر قد يساهم في التصعيد.
ووفقا للاعلام «الاسرائيلي»، لا احد يدرك ما هي اهداف السيد نصرالله، لا نعلم متى يحصل هذا، لكن «اسرائيل» ستضطر الى معالجة هذا التهديد، لاننا لا نعرف متى يتحرك حزب الله. نخشى الصواريخ المتوسطة والطويلة المدى، وايران تعمل على تزويد حزب الله بالاسلحة النوعية، ومنها صواريخ ارض- جو. يذكر هنا ، ان رئيس الاركان ووزير الدفاع قاما بجولة لرفع معنويات الجنود، واشارا الى «ان الجيش الاسرائيلي قد ينتقل الى الهجوم».
تناقض بين دريان والراعي!
في هذا الوقت، وفي موقفين يعكسان وجهتا نظر متناقضتين من كيفية التعامل مع التطورات الساخنة في لبنان والمنطقة، دان مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان المجزرة التي ارتكبها العدو الإسرائيلي ضد الأطفال في جنوب لبنان واستهداف سيارة الإسعاف وإصابة طاقمها، وأكّد أن «الدفاع عن الأرض والعرض والدم هو واجب ديني ووطني وإنساني، ولن نسمح أن يستمر الاحتلال في العدوان على أهلنا وشعبنا بشتى الطرق العسكرية والدبيلوماسية، التي لم تستطع حتى الآن ردع هذا الوحش المجرم الذي ينكل بشعب غزة وفلسطين بأبشع وسائل الإجرام الهمجي والعنصري ضد شعب بأكمله».
من جهته، حثّ البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي مسؤولي الدولة في لبنان، على تحييد البلاد عن الحرب الدائرة في غزة. وفيما شدّد على ضرورة تنفيذ القرار 1701 «الذي يأمر إسرائيل وحزب الله بالوقف الفوري لكل الهجمات والعمليات العسكريّة من الجانبين»، دعا الى «القيام بدور سياسي وديبلوماسي داعم للقضية الفلسطينية وهو أجدى»، مطالباً «بالتمسّك بتطبيق قرار مجلس الأمن 1701 «، وقال: «يبقى الأمل في الجيش اللبنانيّ المؤتمن مع القوّات الدوليّة على الأمن في الجنوب والحدود وسائر المناطق اللبنانيّة».