بدعة جديدة للتجّار تتمثل بمنع استرداد أو استبدال السلع لأيّ سبب!
مع توسّع حلقة تبعات الازمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان، في ظل معاناة مئات عشرات العائلات من الفقر المدقع، باتت بؤر الجوع المفترسة تتمدد يوما بعد يوم، وتتصاعد معها شكاوى المواطنين من الارتفاع الفاحش لأسعار السلع الغذائية والمواد الاستهلاكية، والسعر الذي تعتمده كل “سوبرماركت” مخالف لجوهر قرار وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الاعمال امين سلام ، وأيضا لمسار سعر الصرف في السوق الموازية.
وجديد هذا المسلسل ان أصحاب المحال و”السوبرماركات” أصبحوا يبتدعون حيلة جديدة تتمثل بمنع المواطن من استبدال او إعادة أي منتج لأي سبب كان. وبعض “السوبرماركات” الكبرى ذهبت إلى ابعد من ذلك، فقد عمدت إلى تعليق لافتات كتب عليها “ممنوع استبدال أو ارجاع أي صنف مهما كان السبب”.
والسؤال الذي يطرحه المواطن كيف يمكن لمراقبي وزارة الاقتصاد الا يلاحظوا هذه الشعارات المخالفة لقوانين وزارة الاقتصاد من جهة، وجمعية حماية المستهلك من جهة أخرى؟
هكذا يتم استغلال المواطن!
في سياق متصل، روت تمارا ناصيف لـ “الديار” ما حدث معها في احدى “السوبرماركات” فقالت: “كنت اشتريت الأسبوع المنصرم منتجا للعناية بالبشرة من سوبرماركت معروفة جدا في منطقة الزلقا على نهر الموت، بحيث ان العاملة هناك باعتني كريما مخالفاً لما طلبته منها. حينذاك لم اتفقده لظني انها أكثر اطلاعا مني على هذه الأمور، ولم يتسنَ لي الكشف عليه لظنّي انه المستحضر الذي اريد مئة في المئة. لكن بعد أيام اكتشفت انه منتج مشابه، فذهبت لاستبداله ومعي الفاتورة، الا ان المسؤولة رفضت التجاوب معي بذريعة انهم لا يستبدلون المستحضرات التجميلية، مع العلم ان المنتج ما زال مغلفا بالنيلون من الخارج”.
تابعت تمارا “وبعد جدال عميق اتصلت المسؤولة بالإدارة، واتى القرار باستبدال المنتج بآخر من الشركة نفسها حصرا، والا فلا يمكن ان استرجع المبلغ الذي دفعته، عندئذ أصررت على استرداد المال “ويا دار ما دخلك شر”. لكن الفاتورة التي كنت دفعتها سابقا بالفريش دولار، تمت إعادة المبلغ بالليرة اللبنانية واقل من السعر المدون داخل الفاتورة، بحجة ان صندوق المحاسبة سينقص. وهنا يمكن كشف ما يقوم به التجار من تلاعب، بحيث ان سعر المنتج ارتفع خلال فترة زمنية قصيرة، بينما الدولار بقي ثابتا”.
اضافت “هذا ليس كل شيء، فالسلعة تحتسب على سعر صرف اعلى بنحو 15 ألف ليرة لبنانية والفوارق جدا شاسعة، لذلك لم يسمحوا لي بتصوير الفاتورة التي تحتوي على المبلغ المُسترد، حتى لا يظهر الفارق والتلاعب بالسعر”.
على خطٍ موازٍ، اعتبرت الصحافية غادة سلامة “ان الارتفاع الكبير في أثمان معظم السلع الغذائية والمواد الاستهلاكية المختلفة المتوافرة في السوبرماركات غير مبرر او منطقي، والتجار يسعرون بضائعهم وفقا لدولار 100 ألف ليرة لبنانية وما فوق. وقالت لـ “الديار” “لاحظت ان الفوضى عارمة في قطاع السوبرماركات والمواد الغذائية، والمواطن يُستغل على عين الدولة، فالأسعار تُرفع دون ضوابط بهدف تحقيق المزيد من الأرباح”. اضافت “نحن شعب متروك لقدره، مخذول من زعمائه، ولا يمكن انكار او تجاهل ان المسؤولين والسياسيين هم من يعبثون بهذا البلد سياسيا وامنيا ومعيشيا واقتصاديا، نموت مئات المرات يوميا ولا أحد ينظر الينا بعين الرحمة والرأفة”.
وختمت “الاسوأ ان رعاة البلد لا يضيعون فرصة لوضع لبنان في دائرة الامتعاض العربي، فالبارحة تصريح وزير الاقتصاد امين سلام اجج العلاقات اللبنانية – الكويتية، ومن قبله تصاريح كل من وزير الخارجية الأسبق شربل وهبي ووزير الاعلام جورج قرداحي والهفوات على الجرار”.
مسار الدولار ثابت
ومسار التجار “طلوع”!
يبدو ان الأمور لن تتوقف عند هذا الحد، فإلى جانب تداعيات البؤس والتقهقر الذي يعيشه المواطن، انكشفت مجموعة من تجار الازمات الذين سيطروا على الأسواق، وفرضوا قبضتهم على السلع والبضائع، وضاعفوا الأسعار بصورة فاحشة. فالمواطن الذي يتلوى وجعا من تقلبات سعر الصرف بسبب الراتب الذي يتقاضاه بالعملة الوطنية، وقع فريسة التجار وأصحاب المحال و”السوبرماركات”، وباتت المشكلة لا تنحصر على تقلبات سعر الصرف في السوق الموازية وحسب، انما في أولئك الذين لا يوفرون طريقة لاستغلال الأوضاع الاقتصادية والمالية المتردية، لتحقيق المزيد من الأرباح على حساب جيوب المواطن الفارغة او المفرّغة، بسبب الضرائب المستجدة ودولرتها لملء خزينة الدولة.
يذكر ان آخر قفزة كبيرة بسعر الصرف كانت في آذار الفائت، ومع تراجعه وثباته الى حد ما في السوق الموازية، ظلت موجة ارتفاع اسعار السلع قائمة و”طلوع”، وتبقى التحذيرات التي تطلقها وزارة الاقتصاد حبرا على ورق، ما دامت لا تضع حدا للتجار من اجل تعديل اسعارهم وفقا للمسار الذي يسلكه الدولار حاليا.
سياسة الاستبدال والاسترجاع
وفي إطار متصل، قالت نائبة مدير “جمعية حماية المستهلك” السيدة ندى نعمة لـ “الديار” “يحق لكل مواطن استبدال واسترجاع السلعة، إذا كان المنتج يحتوي على خطأ او مقلدا لعلامة تجارية أخرى او منتهي الصلاحية او على وشك الانتهاء”. اضافت “كما يحق للمشتري الحصول على تعويض او استرداد ماله، وهذا من ضمن المبادئ التي تقوم عليها جمعية حماية المستهلك، فلا يحق للمحلات او السوبرماركات رفض استرجاع او استبدال السلع المدفوعة ويجب الإبلاغ عن الحالات المخالفة”.
والسؤال الذي يطرح نفسه: اين الدولة التي سنّت هذه القوانين من تطبيقها على ارض الواقع، وهي نفسها من تحمي حيتان السوق؟
المعاناة ستطول ما دامت مؤسسات الدولة لا تقوم بدورها الرقابي في ضبط السوق وردع جشع التجار. فانعدام الرقابة وغياب المحاسبة من خلال التغطية على الممارسات غير القانونية يشجع أصحاب المصالح على التمادي في استعباد اللبنانيين وابتزازهم أكثر، فهل تتحرك الدولة وتنصف المواطن ورب الاسرة والفقير الذي لا يملك سوى راتب شهري قد لا يتجاوز الـ 40 دولارا واقل؟