كتبت “الراي” الكويتية: تتقاطع الاختبارات القاسية التي تضع لبنان أمام محطاتٍ مفصلية يُخشى أن يتوغّل معها في انسلاخه عن نظام المصلحة العربية، مع ما لذلك من تبعاتٍ من شأنها أن تنقل أزمته مع دول الخليج العربي خصوصاً إلى مرحلة «حرْق المراكب» وهدر آخر الفرص لـ«بلاد الأرز» للإفلات من مصير قاتم تترنّح معه حالياً بين «الدولة المارقة» و…الدولة الفاشلة.
وفي حين تنهمك بيروت هذه الأيام في إنجاز مشروع موازنة 2022 ثم خطة النهوض التي تشكل ركيزة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وذلك على وقع ازدياد مؤشرات الخفّة الفضائحية في أداء وزراء يضطلعون بملفات حيوية سواء بمواقفهم المعلنة أو «السرية» التي يفضحها «ميكروفون مفتوح»، فإن «الانفصام اللبناني» مضى في «حصْد» المزيد من المحاولات السوريالية لبلوغ «الخلاص» من الارتطام المميت – الذي لا مفرّ من أن يكون على حمّالة الدعم الخارجي (من دولٍ وصندوق النقد ومؤسسات مالية أخرى) – من دون إجراء أي تعديلٍ على البنية السياسية التي انهار عليها وبسببها الواقع المالي – الاقتصادي نتيجة «فائض قوة» حزب الله الذي تطايرت تعبيراتُه على امتداد الوضع المحلي ومَفاصله، وصولاً إلى عموم خريطة المنطقة وساحاتها اللاهبة.
ولعلّ أكثر تعبيرٍ عن «الشيء وعكسه» في سلوك لبنان الرسمي يتظهّر في مقاربته الورقة الكويتية – الخليجية – العربية – الدولية التي حمل الجواب عنها إلى الكويت أمس وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، وفق معادلةٍ «انتهت صلاحيتها» وحاولت التوفيق مجدداً بين الحرص «اللفظي» على العلاقات مع الدول العربية وأمنها ومصالحها وبين «نفض اليد» من الترجمة «الفعلية» لهذا الحرص، والذي لا تراه بلدان مجلس التعاون خصوصاً إلا على صعيد الحدّ من تمكين «حزب الله» لبنانياً ولجم أدواره في الاقليم لا سيما في الملف اليمني، ومعالجة سلاحه وفق منطوق القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن 1559 و1680 و1701.
ولم يكن عابراً أن يُعْلي لبنان قبيل توجُّه بوحبيب إلى الكويت ومعه الرسالة الجوابية عن البنود الـ 12 في المذكرة التي حملها وزير الخارجية الشيخ أحمد الناصر إلى بيروت أولويةَ «السلم الأهلي والاستقرار» كسقفٍ سعى إلى التملص عبره من «عدم الرغبة وعدم القدرة» على التعاطي مع إشكالية سلاح «حزب الله»، بوصفها مشكلة إقليمية وبمثابة «زرّ تفجير» للواقع اللبناني برمّته، محاولاً من خلال هذا «التحايل» الديبلوماسي كما عبر اقتراح تشكيل لجان مشتركة لبنانية – خليجية النفاذَ من أولوية المجتمعين العربي والدولي بعدم سقوط «بلاد الأرز» في الانهيار الشامل وحفْظ الحدّ الأدنى من مقومات الدولة ومؤسساتها لا سيما الأمنية، لشراء المزيد من الوقت تفادياً لاستجرار إجراءات خليجية جديدة تعمّق الأزمة المفتوحة منذ أكتوبر الماضي والتي تفاقمت مع تصعيد الحوثيين اعتداءاتهم على السعودية وصولاً إلى دولة الإمارات.
وفي هذا السياق، ساد بيروت «حبْس أنفاس» حيال ما بعد الردّ اللبناني الذي سيكون أيضاً محور نقاش داخل وعلى هامش الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب اليوم في الكويت، رغم أن لا قرارات ستصدر عنه، وسط رصْدٍ لوقْع الجواب الذي حمله بوحبيب باعتبار أنه سيشكّل مؤشراً لمرحلةٍ جديدة يصعب أن تكون كما قبلها بعدما جاءت المبادرة في الشكل والمضمون والصياغة و«المهلة الزمنية» للردّ وكأنها دعوة لبيروت لحسْم خياراتها على قاعدة «يا أبيض يا أسود».
ونقلت وكالة «رويترز» عن مسودة الرد اللبناني الذي يحمله بو حبيب، أن لبنان لن يتطرق إلى طلب رئيسي لدول الخليج العربية، عندما يرد على شروطها لتحسين العلاقات، ولن يحدد أي خطوات نحو تنفيذ القرار 1559. وذكرت مصادر مطلعة على الرسالة أن بيروت ستقول إن «لبنان لن يكون منطلقاً للتحركات التي تمس بالدول العربية». كما أن لبنان يحترم كافة قرارات الشرعية الدولية بما يضمن السلم الأهلي والاستقرار الوطني للبنان، وأن الحكومة ملتزمة قولاً وفعلاً بسياسة النأي بالنفس. لكن المسودة لم تتضمن أي إشارة لقرارات محددة للأمم المتحدة ولا لخطوات لتنفيذها.
وذكرت وكالة «رويترز» عن مصادر قولها إن الرسالة ستقول إن لبنان لن يكون منطلقاً للتحركات التي تمس بالدول العربية، وإنها ستعزز الإجراءات لمنع تهريب المخدرات، لكنه لن يحدد في الوقت عينه أي خطوات نحو تنفيذ القرار 1559 القاضي بنزع سلاح «حزب الله». ونقلت «الوكالة» أيضاً عن بو حبيب قوله إنه لا يذهب للاجتماع مع دول الخليج، لتسليم سلاح «حزب الله»: «نحن ذاهبون للحوار».