بعد الازمات المتوالية والمتتالية على اللبنانيين، من “دولرة” كافة القطاعات الحياتية والحيوية والاساسية، وآخرها المواد والسلع الغذائية، كان لا بد من ان يصبح الموت الذي هو حق على كل انسان شاقاً. فـ “المقابر” كما محلات بيع “صناديق الموت او التوابيت” تكلفتهما أضحت تُثقل قدرة اهل الفقيد على دفن فقيدهم “واكرام الميت دفنه”، اما المستحقات بالدولار والا “دبّر رسك”!
تكلفة حفر القبر خياليّة كما التابوت
جالت “الديار” على محلات التوابيت ما بين الاشرفية وزحلة وعين الرمانة، والاسعار كانت فاحشة!
يقول أبو كامل لـ “الديار”، وهو يعمل في احدى جبانات منطقة البقاع الأوسط لدى الطوائف الاسلامية، “عندما يموت انسان، فنحن بحاجة للقيام بمجموعة اعمال، نبدأ من بحش القبر في مكان معيّن من الأرض داخل الجبانة، ويختلف بناء القبر إذا كان اهله يريدونه طابقا واحدا او عدة طوابق”.
ويتابع: “إذا كان القبر مؤلفا من طابق واحد يحتاج نحو 60 حجرا من اللبن لبنائه، وكيس ترابة “باطون” وأربع صفائح من الرخام لتبليط الضريح، ليصبح القبر تحت الأرض جاهزا لاستقبال الجثمان، اما الأسعار فهي على الشكل الاني:
نكش القبر: 1000000 ل.ل. الكفن: 1,400,000 ل.ل. بعد ان كان بـ 750000 ل.ل.، تكلفة البلاط واحجار اللبن: 6000,000 ل.ل.، تكلفة اعمار الضريح فوق الأرض 1,500,000 ل.ل.، اعمار الضريح تحت الأرض 1,500,000 ل.ل.، غسل الميت 1000,000 ل.ل.، تنظيف القبر قبل وضع الجثمان فيه حوالى الـ 800 ل.ل. مع الإشارة الى ما يسمى بـ “سماحة النفس” وهو إعطاء “اكرامية مادية”، اضف الى الازهار التي يتم وضعها فوق الضريح بعيد دفنه، والتي تكلفتها حوالى الـ 1000,000 ل.ل. ويبقى ما يسمى بـ “داربست”، وهو الحجر الذي يحفر عليه اسم وتاريخ ولادة المتوفى والوفاة، ويتم وضعه فوق رأس الميت، وتكلفته اذا كان حفرا نحو الـ 1200,000 ل.ل.
ويشير أبو كامل الى انه علينا الاخذ بعين الاعتبار سعر صرف الدولار اليومي بحسب السوق السوداء، ما يعني ارتفاع أسعار هذه البضاعة خاصة لجهة سعر كيس الترابة والبلاط واحجار اللبن، والتي سعر الواحدة بحسب أبو كامل بـ 80000 ل.ل.، والضريح يحتاج لبنائه الى حوالي الـ 60 حجرا. فإذا ارتفع سعر صرف الدولار، الأسعار قابلة للارتفاع و”الله يرحمو”.
ويشير الى ان هذه المبالغ لا تشمل كلفة تأمين قاعات العزاء، والتي عادة تكون في بيت الفقيد او عند ذويه او في قاعات تعود لجمعيات تتبرع بها. اما إذا تم استئجارها فالتكلفة تكون حوالى 350$، هذا عدا الكراسي للمعزين وتكلفة مئة كرسي حوالى 80$.
التابوت ليس “مفاخرة”
اما التكاليف عند المذاهب المسيحيّة، فيجْمِلُها جوزف، وهو صاحب مؤسسة للتوابيت، فيقول ان “الأسعار تبدأ من 300$ وصولا الى الـ 10000$”، فلا “أوكازيون” في توابيت الموت في الوقت الراهن، لان الأسعار بحسب سعر صرف الدولار في السوق السوداء باتت هستيريّة، واقتناء “تابوت” او “صندوق” ضرورة وليس “عنترة” او “مفاخرة”. ويلفت الى “انه لا بيع بالرأسمال او تخفيض أو حتى عن طريق الدفع بالليرة اللبنانية”.
ويقول: “الصندوق الخشبي قد لا يعيد للروح الحياة، مهما عظُم مقداره او انخفض وتعددت الاشكال والزخرفات واختلف الثمن، فالموت يبقى واحداً، ولكن هو تقدير للفقيد”.
ويردف جوزاف، لدينا تشكيلة واسعة منها ما يحمل رسم العشاء السري او رأس المسيح او رأس السيّدة العذراء. ومع توابيت الموت “احجز واختار نعشك ولا تتلبك وتحتار”، شارحاً لـ “الديار” ما هي الأمور التي قد يحتاج اليه ذوو الفقيد، فيقول: أسعار الصناديق تبدأ من 300$ وبحاجة الى سيارتين من نوع الكاديلاك، واحدة لنقل الجثمان، وأخرى تحمل باقات الزهور، وتكلفتهما فارغتين نحو 150 ل.ل. وباقات الورد الواحدة بـ 30 $، ولقمة الرحمة إذا كانت ضمن الحد الأدنى، أعني سندويشات بنحو 80000 ل.ل للسندويش الواحدة، اما أوراق النعوة فهي قابلة للمناورة قليلا! على الا ننسى تكلفة حجز الصالة وبدل الكنيسة.
اما في منطقة عين الرمانة، محلات الشعار لدفن الموتى فقالت لـ “الديار”: الأسعار للتوابيت تبدأ من الـ 200$ صعودا حتى الـ 10000$، وباقة الزهور الواحدة بـ 15$، ويوجد بـ 35$ صعودا، اما لقمة الرحمة فالأسعار تختلف ما إذا كان الطعام عبارة عن طبخ او منسف او سندويشات التي هي الأقل تكلفة. وما تجدر الإشارة اليه هو ان سعر السندويش يختلف بحسب نوع الخبز، إضافة الى السيارة والبراد الخ… واللافت ان جميع الأسعار بالدولار.
ويبقى النعش نعشا مهما كان غالي الثمن او مزخرفا، والموت من لهيب الأسعار يكاد “يُصلي” جسد الميت، فهذا ليس كل شيء، فهناك تكلفة أخرى للعزاء، بحيث ان اللوازم الأساسية لمثل هكذا مناسبات ارتفعت 50 مرة، وفاق بعضها الـ 100 مرة، كسعر القهوة المرّة، وصناديق المياه، والمشروبات الغازية والمحارم الورقية، الى جانب أدوات التعقيم والكمامات، وصولا الى نصب الخيم لاستقبال المعزّين وهذا بدون “مباهاة”.
لا واعظ ولا من يوعظون
“كفى بالموت واعظاً ومؤدّباً”، هذه مقولة نستشهد بها فقط في المحافل السياسية والتجمعات، اما على ارض الواقع فلا واعظ ولا من يوعِظون، ولا رهبة للموت او لمن يموتون في لبنان، “كفى لتجار الازمات ان يتاجروا، ومن الدولار يربحون ويجنون الأموال الطائلة ويكتنزونها”.
ويبقى الكثير من الفقراء المعدمين لا يستطيعون دفن موتاهم! و”اولاد الحلال” ورجال الدين الذين كانوا يقفون الى جانب المعوزين في هذا النوع من المناسبات وفي هكذا ظروف، أضحوا بخبر “إلكن الله”، وعمل الخير بات ما يقوله اللسان لا يترجمه على الأرض، بل يبقى في القلب وهو أضعف الايمان وأيسرها، وسيتحول رجال الدين للوعظ عن طريق اللسان فقط، اما الصدقات فأصبحت أيضا للمحسوبيات.
ولربما سيتحول اللبنانيون لاقتناء الاخشاب لصنع “توابيتهم” بدلا من الاخشاب والزجاج والحديد لترميم منازلهم.
ويبقى ترميم الضمير عند من أوصل المواطنون الى هذا الواقع المظلم ما بين جهنم والعصفورية، لبنانيون يخبِّئون نعوشهم في مستودعات خوفا من غدر الأيام.