فعلها الرئيس الروسي بوتين، بدأ صباح الخميس عملية عسكرية روسية خاصة في إقليم «دونباس»، وهو ماضٍ بالحرب دون تردد، عازياً الى أن روسيا يجب أن تقومَ بإجراءات حاسمة وحازمة ضد أوكرانيا ومن يقفُ معها في شرق أوروبا ودول الغرب، مؤكداً أن روسيا لا تريدُ احتلالَ أوكرانيا، إنما تهدفُ الى نزع سلاحها ووقف تهديد الأمن الروسي.يؤكدُ خبراءُ عسكريون أن العملية العسكرية الروسية، لن تقفَ تداعياتها عند أوكرانيا ومنطقة شرق أوروبا، لا بل ستنعكسُ على الساحة الدولية قاطبة، خصوصاً بعد أن شجّعت وحرّضت الولايات المتحدة ودول الغرب أوكرانيا على مواجهة روسيا واستفزازها.
يبدو أن العالم سيشهدُ تحولاً كبيراً وواضحاً بالنظام الدولي، عقب العملية العسكرية وبدء التوغل الروسي البري في أوكرانيا، ما يعني ولادة مشهدٍ عالميٍ جديد وتغيّراً في موازين القوى على الصعيدين الإقليمي والدولي، وهذا ما كثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة.
المشهدُ العالمي الجديد الذي بدأت ملامحه تلوحُ في الأفق والذي يتوق اليه البعض، سينعكسُ حتماً على بروز دولٍ منافسة (روسيا – الصين) لبعض الدول العملاقة في المجالات الإقتصادية كافةً، هذا فضلاً عن دخول بعض الدول ساحة التسلح النووي الذي كانت تسعى اليه كييف وبات مستحيلاً بالنسبة لها بعد اليوم، إضافةً الى هيمنة روسيا على مساحاتٍ إقتصاديةٍ كبيرة ستفتحُ من خلالها الأبواب أمام أسواقٍ جديدةٍ، ما يعني تعزيز مكانتها من الناحيتين الإقليمية والدولية
ومع الساعات الأولى للحرب الروسية على أوكرانيا يوم الخميس، بدأت التداعيات الإقتصادية بالظهور، بدءاً بارتفاع أسعار البترول والغاز عالمياً لتعود وتتراجع خلال تعاملات يوم الجمعة بنحو ٢٢٪، وارتفعت أسعار الحبوب والذرة والزيوت، حيث إن الدولتين الروسية والأوكرانية هما من أكبر المصدّرين في العالم، وانخفضت أسواق الأسهم والعقود الآجلة، كما قفزت أسعار الذهب بشكلٍ جنوني. وكان مسؤول مالي في موسكو قد أكدّ أنّ عضّ الأصابع الإقتصادي بين روسيا والغرب يدور حول مَن سيبدأ بوقف تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا، فإن جاءت العقوبات على التحويلات الروسية بواسطة «السويفت» أو بادرت روسيا للرد على العقوبات ستكون النتيجة واحدة، وهي لا غاز روسي إلى أوروبا.
المشهدُ المتطور السريع في الحرب الروسية على أوكرانيا سينعكسُ حتماً على العالم، ما يعني الحد من الصادرات الروسية ككل، وخاصةً في ما يتعلق بالقمح، مما ينبىء بأزمة خبز في الشرق الأوسط ودول أفريقيا.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي شن حربه الشاملة على أوكرانيا على نحوٍ متسارع، لم يحدد شكل وحجم التوغل في الأراضي الأوكرانية، لكن ما جرى يوم الخميس يحسمُ بأن موسكو حققت نصف أهدافها من خلال تدمير البنية التحتية العسكرية الأوكرانية، حيث ضربت مطارات أوكرانيا وجعلتها دون رادارات ودون نظام صاروخيّ ودون دفاع جوي، ما يعني أن وقف الحرب أو استمرارها هو بيد موسكو التي لم تأبه لا لأوروبا ولا لواشنطن، في حين تخلت واشنطن ودول الغرب عن كييف التي لم تصمد لساعات، وأكدت عدم استعدادها للدخول بحربٍ مع روسيا، فيما أعلن الرئيس الأوكراني، أن بلاده جاهزة للتفاوض مع روسيا بشأن صيغة محايدة حول الوضع الراهن شرط حصول أوكرانيا على ضماناتٍ أمنية.
المواجهة الأميركية والأوروبية لروسيا اتخذت طابعاً قانونياً ومالياً، وجاءت على شكل عقوبات شملت خطوات تمثلت بتجميد أصول بنوك وشركات روسية، وقال الرئيس الأميركي جو بايدن أن أصول البنوك الروسية تزيد على تريليون دولار.
والاسئلة المطروحة: لماذا دفعت واشنطن بأوكرانيا نحو الحرب، ما دامت الأخيرة غير قادرةٍ على خوضها، وما دامت أميركا لا تنوي مساعدة أوكرانيا أصلاً؟ ما هي إجراءات واشنطن التي سوف تتخذها ضد روسيا غير اتخاذ العقوبات؟ ماذا عن التحولات الحاصلة في موازين القوى إقليمياً ودولياً؟ وهل هذا مؤشر قويٌ على ما ستؤول إليه المرحلة المقبلة من تغييرات؟
دون أدنى شك ستتغير الخارطة السياسية دولياً وإقليمياً، نتيجة تحديد الدول لتحالفاتها وانتماءاتها وسلم أولوياتها، ما يعني تغييراً في العلاقات والتحالفات الدولية الغربية والعربية أيضاً، فهل نحنُ أمامَ «حقبة جديدة” في العلاقات الدولية تحد من الهيمنة الأميركية!!