لا يستطيع أحد، حتى من أركان «التيار الوطني الحرّ»، إنكار حال التراجع التي وصل إليها التيار «البرتقالي» في كل الدوائر ذات الغالبية المسيحية.
لا شكّ أن السلطة تستنزف كل من يتولاها، والأمر لا ينطبق على لبنان وحده بل على كل دول العالم، لكن في لبنان لم يمرّ أي تيار أو قوّة إستغلّت السلطة مثلما فعل «التيار الوطني الحرّ» الذي أغرق الإدارات والقضاء وكل ما يمتّ إلى الدولة بصلة بالمحاسيب.
كانت إنتفاضة 17 تشرين ضربة قوية تلقاها العهد ومعه تياره، لكن ليست هي الوحيدة التي «قصمت ظهره»، بل إن سياسات العهد المتلاحقة ورهن الدولة وسياساتها الداخلية والخارجية لمصالح «حزب الله»، كلها عوامل أدّت إلى تراجع حاد في شعبيته على الساحة المسيحية.
وإذا كان التراجع أمراً مسلّماً به، إلا أن المفاجأة كانت في بدء تخليه عن القتال على مراكز نيابية مهمّة كانت تعتبر في مناطق لا يصعب خرقها، ومن بين هذه المناطق دائرة بعبدا التي تُعتبر مسقط رأس مؤسس «التيار الوطني الحرّ» الرئيس ميشال عون.
في انتخابات 2009 النيابية، إستطاع «التيار» بفعل التحالف مع «حزب الله» وحركة «أمل» حصد مقاعد بعبدا المارونية الثلاثة وذهبت إلى النواب: ألان عون، حكمت ديب وناجي غاريوس، حينها اعتُمد قانون القضاء، ومع إقرار النسبية على أساس 15 دائرة باتت بعبدا دائرة واحدة وفيها 3 نواب موارنة، 2 شيعة ودرزي واحد.
ساهم تفرّد بعض قوى المعارضة وعلى رأسها حزب «الكتائب» في إنتخابات 2018 في تأمين فوز مرشح ثانٍ لـ»التيار الوطني الحرّ» في بعبدا، بينما لو اجتمع حينها حزب «الكتائب» مع «القوات» و»التقدمي الإشتراكي» لكان من السهل خوض المعركة من أجل كسب مقعد ماروني آخر إلى جانب مقعد النائب بيار بو عاصي، لكن «التيار الوطني الحرّ» إستفاد من تشتت الأصوات وجاء الحاصل الرابع لمصلحته وفاز كل من عون وديب.
وإذا كان التحالف مع «حزب الله» طبيعياً، إلا أن تحالف «التيار الوطني الحرّ» مع الرئيس نبيه بري يثير الشكوك، فالنائب جبران باسيل لم يترك وصفاً إلا ووصف به بري، من ثمّ أكمل المسلسل بحلقة «ما خلّونا»، في إشارة إلى أن بري عرقل العهد، وكان الهجوم الأكبر بعد أحداث عين الرمانة والطيونة، إذ وصف بري بأنه أحد أركان ثنائي الطيونة في إشارة إلى «القوات اللبنانية»، وإذ به يتحالف معه وينسى كل الشعارات السابقة.
بات واضحاً أن كل الزخم وإطلاق الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله صفارة الإنذار لنجدة حلفائه وعلى رأسهم باسيل لن يُترجم نواباً لـ»التيار» في بعبدا، إذ إن باسيل أدرك أنه لن يستطيع الحصول على حاصلين، فسارع إلى التخلّي عن المناضل العوني النائب حكمت ديب، ولو استطاع التخلّي عن النائب ألان عون لما تأخّر، لأن الأخير يشكّل المنافس الأول له داخل «التيار» ولم يستطع ترويضه، والتخلّي عنه يعني خسارة «التيار» لآخر نائب في بعبدا.
إذاً، ينطلق باسيل بمعركته في بعبدا من محاولة الحفاظ على نائب واحد هو ألان عون، وبالتالي فإنه خسر مقعداً قبل أن تبدأ المعركة والإحتمال الاكبر أن يذهب هذا المقعد إلى رئيس حزب «الوطنيين الأحرار» كميل شمعون، المرشّح في القضاء والمتحالف مع «القوات» و»الإشتراكي»، في حين أن مسلسل التراجع «البرتقالي» يتظهّر في كل الدوائر بينما تبقى كلمة الحسم للمقترعين.