بعد انفجار مرفأ بيروت عام 2020 شعرت باريس أن الفرصة مؤاتية لاستعادة دور تاريخي في لبنان بدأ مع الملك الفرنسي لويس التاسع الذي زار شاطىء عكّا ليجد جحافل الموارنة باستقباله، فأطلق يومذاك رسالته الشهيرة عام 1250: «نحن مقتنعون بأن هذه الأمة التي تُعرف باسم القديس مارون، هي جزء من الأمة الفرنسية».
لطالما كانت علاقة فرنسا بلبنان مميزة، مع المسيحيين والموارنة تحديداً، لكنها بعد اتفاق الطائف تبدلت بعض الشيء مع تبدل موازين القوى في لبنان، فكانت العلاقة مميزة لكن عبر رئيس الحكومة السني رفيق الحريري الذي كان يمثل نقطة تلاقي قوية بين السوريين والسعوديين، قبل اغتياله عام 2005.
تبدلت العلاقات مع لبنان وابتعد الفرنسيون بعد اشتداد الصراع بين محورين، لذلك كان انفجار بيروت فرصة لهم لعودة لم يُكتب لها النجاح بعد، بل يمكن القول ان تجارب العودة كانت فاشلة، لا سيما مع زيارات ماكرون المتكررة الى بيروت، والحديث عن مبادرات حكومية ورئاسية لم تسر وفق ما يشتهي قبطان فرنسا.
آخر المحاولات الفرنسية الفاشلة كانت المقايضة بين ترؤس سليمان فرنجية للدولة وترؤس نواف سلام للحكومة، واليوم هناك مسعى جديد عنوانه الدعوة الى الحوار لإنتاج رئيس، وهو ما لن يكون سهلاً.
في خلاصة الزيارة التي قام بها المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، كان من الواضح أن الرجل لم يصل إلى أي نتيجة عملية، بإستثناء الحديث عن الحاجة إلى حوار عملي بين الأفرقاء اللبنانيين، الأمر الذي يدركه هؤلاء الأفرقاء قبل غيرهم، إلا أن توفير الظروف لذلك تتطلب الكثير من الجهود، غير الفرنسية تحديداً، وترافقها الكثير من المحاذير.
هذا الواقع، يدفع إلى إعادة الحديث عن حدود دور فرنسا في الأزمة اللبنانية، حيث بات من الواضح أن باريس غير قادرة على إنضاج حل ما لم تكن تحظى بدعم اللاعبيين الإقليميين والدوليين المؤثرين بشكل جدي، أي المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو ما لا يزال غير متوفر حتى الساعة، ما يعني أن فرص نجاحها، في الفترة المقبلة، تتوقف حول هذا الأمر بالتحديد، إذ بحسب مصادر سياسية مطلعة فإن باريس اقتنعت بعد ثلاث سنوات وتجارب عديدة بأنها غير قادرة على فرض أو تسويق الحل في لبنان.
بناء على ما تقدم، تؤكد المصادر أن الفترة الفاصلة عن عودة لودريان إلى لبنان، المرجحة في منتصف شهر تموز المقبل، ستكون شديدة الأهمية لباريس بالدرجة الأولى، حيث سيكون على الرجل السعي إلى تأمين الدعم لأي مبادرة من الممكن أن يتقدم بها، حتى ولو كانت تقوم فقط على الدعوة إلى الحوار، لا سيما أن العديد من الأفرقاء اللبنانيين أظهروا عدم حماستهم للتجاوب مع مثل هكذا دعوة، لأن باريس تحتاج الى النجاح كون أي عملية فشل جديدة ستزيد من إحراج باريس وإدارتها.
من هنا تكشف المصادر أن لودريان يحضّر لنقل رؤيته اللبنانية الى السعوديين والإيرانيين والاميركيين لطلب الدعم لأي مبادرة، وبالتالي ما دامت الرؤى بين أعضاء اللجنة الخماسية متباعدة فلن يكون هناك أي مسعى فرنسي جديد.