أثارت موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على وقف الحرب على لبنان وقبول وقف الأعمال العدائية حتى يتم التفاوض على شروطه في إطار قرار مجلس الأمن 1701 انتقادات واسعة النطاق في إسرائيل. إذ يأتي القرار بعد أكثر من عام من الحرب، بما في ذلك أكثر من 50 يوماً من القتال العنيف في لبنان.
ويُفسر هذا القرار من الإسرائيليين على أنه اعتراف بأن الحملة العسكرية فشلت في تحقيق أهدافها الإستراتيجية وتحولت إلى حل سياسي.
وعلى الرغم من مزاعم إسرائيل بالنجاح، فإن الواقع على الأرض يروي قصة مختلفة لأن الجيش الإسرائيلي حقق مكاسب إقليمية محدَّدة في جنوب لبنان.
لكن قدرة «حزب الله» على مواصلة الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيَّرة تسلط الضوءَ على الفشل في تحييد بنيته العسكرية.
وتشير عملياتُ الحزب التي استمرت حتى الدقيقة الأخيرة جنوب نهر الليطاني – رغم كل محاولات إسرائيل احتلال هذه المنطقة بخمسة فرق كاملة مدعومة من الطيران المهيمن والمدفعية حيث منعها الحزب من التقدم وتثبيت مواقع لقواتها – إلى أن هدف إسرائيل في «تنظيف» جنوب لبنان من الأنفاق ومخازن الأسلحة لم يتحقق عسكرياً.
وكانت الأهداف الأولية لنتنياهو في الحرب تشمل إضعاف القدرات العسكرية لـ«حزب الله» وتأمين منطقة نهر الليطاني خالية من أي وجود للحزب والقضاء عليه لينتقل إلى تغيير التوازن الإستراتيجي في الشرق الأوسط في شكل جذري. وتالياً فهو تخلى عن «إعادة تشكيل المنطقة» بوسائل عسكرية ولم يحقق هذا الهدف على الرغم من إدعائه النصر.
وكان نتنياهو بحاجة إلى نجاح عسكري لتعزيز موقفه السياسي الداخلي، ولذلك فإن وقف النار دون مكاسب عسكرية واضحة جعله عرضة للانتقاد ومن المقربين والمعارضة وسكان الشمال.
وقد أعرب العديد من شركائه في الائتلاف عن معارضتهم الشديدة للقرار الذي ووصفه وزير الأمن إيتمار بن غفير بأنه «خيانة لمصالح إسرائيل الأمنية»، حتى ولو ألحقت إسرائيل أضراراً جسيمة بالبنية التحتية لـ«حزب الله» الذي لم يتوقف عن إطلاق صواريخه يوماً.
وفي ظل هذه النتائج العسكرية والضغوط المتزايدة من أميركا وشركائها، وجدت واشنطن نفسها في موقف حرج للدفاع عن حليفها الإسرائيلي المُتَّهَم في المحكمة الجنائية الدولية بأنه مجرم حرب والذي صدرت مذكرة توقيف بحقه إذا استمرّ في ارتكاب المزيد من الجرائم في حروبه المستمرة على أكثر من جبهة.
وقد أعرب سكان شمال إسرائيل الذين نزحوا بسبب الحرب عن إحباطهم وخصوصاً بعدما شاهدوا المدنيين اللبنانيين يعودون إلى قراهم في البقاع والجنوب بينما ظلوا غير قادرين على العودة إلى ديارهم. وقد طلب نتنياهو من البلديات الإسرائيلية عدم التسرع بالعودة لعدم استقرار الوضع العسكري. وقد أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن هناك أكثر من 73000 مستوطن من 42 قرية ومستوطنة قد هُجروا وتحولت قراهم إلى تجمعات عسكرية ما دمر أكثر من 8800 منزل.
وصرح العديد من هؤلاء بأنهم لن يعودوا أبداً بينما يفضّل الآخَرون الانتظار للتأكد أن الهدنة ستستمر.
وكذلك انتقد يائير لابيد، زعيم المعارضة، الحكومة لفشلها في حماية المستوطنات الشمالية.
ووصف ديفيد أزولاي، رئيس بلدية المطلة، وقف النار بأنه «مخز» و«اتفاق استسلام»، واتهم الحكومة بالتخلي عن سكان الشمال والاستسلام لمطالب «حزب الله».
ولخّص وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان المشهد بأن «الحكومة الإسرائيلية قد رفعت الراية البيضاء بينما تُرفع أعلام حزب الله في بيروت».
ومن الطبيعي أن تخرج هذه التصريحات بعد موافقة نتنياهو على إطار قرار مجلس الأمن 1701 الذي تم التفاوض عليه عام 2006 واعتبر هو بنفسه في ذلك الوقت أن رئيس الوزراء حينها إيهود أولمرت ضعيف وأن القرار غير كاف لتأمين مصالح إسرائيل وأمنها لأمد بعيد.
وما حصل اليوم هو الاتفاق على تنفيذ القرار نفسه مع إضافة آلية لتطبيقه بإضافاتٍ بروتوكولية فقط جرى التفاوض عليها لعودة الأمن إلى طرفي الحدود.
لقد خرج «حزب الله» من الحرب بقدرات ردعية سليمة ما يثير تساؤلات حول فعالية إستراتيجية إسرائيل وقدراتها العسكرية التدميرية التي – رغم إمكاناتها الهائلة والدعم الدولي الذي تتلقاه – فشلت في تحقيق أهدافها لتأمين «نصر عسكري حاسم ومطلق» كما أراده نتنياهو وتباهى به.
وتبقى الأمور مرتبطة بآلية التنفيذ وانتظار استكمال الجيش اللبناني انتشاره ليتابع المهمة القديمة – الجديدة ليدفع بالعدد اللازم من عناصره يتم خلال ذلك وبعده انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلية التدريجي وصولاً إلى الانسحاب الكامل من جنوب لبنان إلى حدود ما قبل السابع من تشرين الاول 2023.
ايليا مغناير – الراي