منذ اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس، وقف الأميركيون الى جانب “الاسرائيليين” بالمطلق، فكان الدعم اللامحدود بالسياسة والمال والسلاح، وجنّدت الإدارة الأميركية رئيسها ووزير خارجيتها ووزير دفاعها وأساطيلها البحرية العسكرية في خدمة “الاسرائيليين”، في مشهد لم تشهده المنطقة منذ العام 1973، ما يدل على أن أمراً ما تغيّر في الكيان الصهيوني، وأن ما يجري لا يمكن فصل الأميركيين عنه.
في قراءة محور المقاومة، فإن الولايات المتحدة الأميركية ليست طرفاً وسطياً يمكن أن “يمون” على العدو الاسرائيلي لوقف الحرب، بل هي شريك أساسي في هذه الحرب، وهي جزء من رؤيتها للمشاريع والخطوط الاقتصادية في المنطقة، وما مشروع الخط الهندي الى اوروبا الا إحدى هذه المشاريع، التي تهدف بالدرجة الأولى الى ضرب طريق الحرير الصيني، وتضييق الخناق على حلفاء الصين وروسيا، وبالتالي لا يمكن الركون الى مواقفها المعلنة بخصوص عدم رغبتها بالحرب، وما يصدر عن الاميركيين لا يوحي بثقة، خاصة أن الأميركيين الذين يدعون العمل على الجانب الإنساني في غزة، يمدون “اسرائيل” بكل احتياجاتها من الأسلحة والأموال لقتل الفلسطينيين، وهذه مفارقة لا يمكن غض النظر عنها.
من هنا، يمكن قراءة الاساطيل في البحر على أنها تهديد لدول المنطقة ولمحور المقاومة، وليس هدفها الردع، هدفها التخويف لمنع المحور من التحرك بجدية لنصرة الفلسطينيين، وهو ما تم الرد عليه منذ اليوم الأول للمعركة، عندما بدأت حركات المقاومة تتحرك عسكرياً في وجه “اسرائيل”، ولذلك أيضاً كانت رسائل المحور الى الاميركيين نارية في العراق وسوريا،ـ للتأكيد على أن المحور ينظر لأميركا على انها جزء من الحرب لا مصلح فيها، فهي ليست وسيطة إنما أساسها.
قد لا يناسب أميركا توسع الصراع في المنطقة، لكنها بكل تأكيد تُريد القضاء على حركة حماس، لأن وجود المقاومة الفلسطينية سيشكل خطراً مستقبلاً على المشروع الذي حمله نتانياهو الى مقر الأمم المتحدة، رافعاً خريطته لما يسمونه الشرق الأوسط الجديد، وبالتالي فإن الولايات المتحدة تُريد التهدئة في المنطقة، لا في فلسطين، وما الحديث عن محاولاتها فرض الهدنة الإنسانية في غزة سوى ذر للرماد في العيون، إذ منحت الإدارة الأميركية الضوء الاخضر “للاسرائيليين” لاستباحة غزة منذ ما يزيد على الشهر، ولا يزال الحديث عن محادثات لفرض الهدنة قائماً، بظل تصريحات علنية لقادة “اسرائيل” يرفضون فيها الهدنة أو وقف إطلاق النار، علماً أن الجميع يُدرك أن “طلب” أميركا لا يكون طلباً في “اسرائيل”، إنما أمراً واجب التطبيق.
يتحدث البعض عن رفض اسرائيلي للمطالب الأميركية، وهذا أيضاً يقرأه المحور على أنه كذبة فاضحة تحاول تبييض صفحة الأميركيين في المنطقة، فالدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة الاميركية “لاسرائيل” هو دعم مطلق، ومن يقدم هذا الدعم يمتلك التأثير اللازم لفرض القرارات، وبالتالي فإن أميركا حتى اللحظة لا تريد هدنة في غزة، وتمنح “اسرائيل” الوقت الذي تريده لمحاولة تسجيل انتصار ما، يغير الواقع في غزة.
زيارة آموس هوكشتاين الى بيروت تأتي من باب المساعي المستمرة لتحييد الجبهة الجنوبية عن الحرب في قطاع غزة، وبعض البحث في ملفات الحدود، وهي الأولى الى لبنان بالرغم من “الجولات الأميركية” التي حصلت على عدد من الدول، وبالرغم من المعلومات التي كانت قد تحدثت عن زيارة كان من المفترض أن تقوم بها مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف.
وبحسب المعلومات، لا تزال الجهود الأميركية على مستوى المنطقة، تصبّ في إطار التحذير من دخول أي طرف على خط الحرب الدائرة في قطاع غزة، وهي كانت قد أبلغت ذلك إلى العديد من الدول، كما كلفت بعض الشخصيات المسؤولة في تلك الدول إرسال رسائل إلى طهران تصب في السياق نفسه، وبالتالي ما زلنا ندور في الحلقة نفسها، فمنع التصعيد يكون من “اسرائيل” لا من لبنان ولا ايران.