نضال العضايلة
إيران وسوريا حليفين استراتيجيين، وعادة ما تسمى سوريا «الحليف الأول لإيران، بغض النظر عن الصراع الأيديولوجي بين أيديولوجية القومية العربية لحزب البعث العلماني الحاكم في سوريا وسياسة الوحدة الإسلامية لجمهورية إيران الإسلامية.
إيران وسوريا في تحالف استراتيجي منذ الحرب العراقية الإيرانية، عندما وقفت سوريا مع إيران غير العربية ضد جارها الذي يحكمه البعث وفي نفس الوقت خصمها العراق ما جعلها عرضة للعزل من قبل بعض الدول العربية.
ربط البلدين العداء المشترك تجاه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين والتنسيق ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، وسوريا تتعاون مع إيران في تهريب الأسلحة إلى حزب الله في لبنان، بما أن إسرائيل هاجمت سوريا، وخلال الحرب الأهلية السورية قامت إيران بمحاولة مكثفة ومكلفة ومتكاملة للحفاظ على الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، ولا زالت.
ما بين الأعوام 1979–1990، تبدلت العلاقات الإيرانية السورية جذرياً، خصوصاً بعد قيام الثورة الإيرانية عام 1979، فانتهى تحالف سوريا الاستراتيجي مع مصر في نفس الوقت تقريباً بسبب معاهدة مصر مع إسرائيل، فمثلت إيران بعد الثورة فرصة للرئيس السوري حافظ الأسد لإيجاد ثقل جديد لإسرائيل والعراق، الخصوم الإقليميين لسوريا.
القائد الإيراني الجديد آية الله الخميني رأى ان سوريا تعتبر قناة للطائفة الشيعية في لبنان، فمصطفى تشمران، مستشار وثيق للخميني، خاض تجربة قتال في لبنان ودعا إلى تحالف إيراني مع الرئيس الأسد لزيادة نفوذهم في جنوب لبنان.
وصفت العلاقة بين الحكومتين الإيرانية والسورية في بعض الأحيان بمحور المقاومة، وكانت سوريا هي الدولة العربية الأولى والثالثة بشكل عام، بعد الاتحاد السوفيتي وباكستان، التي اعترفت بالجمهورية الإسلامية التي تأسست في فبراير 1979، واعترفت سوريا رسمياً بجمهورية إيران الإسلامية في 12 فبراير 1979 على وجه التحديد، غير أن، حافظ الأسد لم يقم بزيارة إيران حينما كان آية الله على قيد الحياة، بما أن آية الله لم يكن يعتبر الأسد مسلماً حقيقياً.
القيادة السورية، بما في ذلك الرئيس الحالي بشار الأسد نفسه، ينتمي معظمهم إلى فرع العلوية من الشيعة، ومع ذلك، فإن العلاقات بين البلدين لا تعتمد على الأسباب الدينية، لأن سوريا دولة علمانية، في حين أن إيران جمهورية إسلامية، بدلاً من ذلك، العلاقات بينهما تدفعها النقاط السياسية والاستراتيجية المشتركة.
وكان من الجبهات الرئيسية الأولى لتحالف إيران–سوريا هي جبهة العراق، فخلال الحرب العراقية الإيرانية، وقفت سوريا مع إيران غير العربية ضد العراق وتم عزلها من قبل السعودية وبعض البلدان العربية، باستثناء ليبيا ولبنان والجزائر والسودان وعمان، كونها واحدة من الحلفاء العرب القلائل لإيران خلال الحرب، فأغلقت سوريا خط أنابيب النفط العراقي خط أنابيب كركوك–بانياس لحرمان عراقيين من الإيرادات، ودربت أيضًا الإيرانيين في تكنولوجيا الصواريخ، وزودت إيران بصواريخ سكود بين عامي 1986 و 1988، ومقابل ذلك، قدمت إيران لسوريا الملايين من براميل النفط المجانية والمخفضة طوال الثمانينات، بالإضافة إلى ذلك، كان الخميني مقيداً في إدانته لمجزرة حماة 1982.
وكان المجال الرئيسي الثاني للتعاون بين البلدين في لبنان خلال الحرب الأهلية اللبنانية، أنشأ ودرب حرس الثورة الإسلامية الإيراني، بمساعدة سورية، جماعة حزب الله لنشر أيديولوجية الخميني وصد الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1982، ونظرت إيران وسوريا إلى حزب الله كأداة مفيدة ضد إسرائيل وطريقة لإنشاء تأثير أكبر في الشؤون اللبنانية.
كان بين سوريا وإيران خلافات عرضية في السياسة. والتزمت سوريا في أواسط إلى أواخر الثمانينات، بدعم حركة أمل الشيعية الغير الإسلامية في لبنان، حتى وإن حاولت إيران تحقيق أقصى قدر من السلطة لحزب الله بين الشيعة اللبنانيين، على الرغم من أن إيران كانت متناقضة للغاية حول التدخل بقيادة الولايات المتحدة للإطاحة بصدام حسين من الكويت، فقد شاركت سوريا في التحالف الأممي لمحاربة العراق. ومع ذلك، فإن هذه الخلافات لم تهدد بتقويض العلاقة.
تعمق التحالف في عام 2000 عندما تولى بشار الأسد رئاسة سوريا، وجعلت الأحداث اللاحقة مثل حرب العراق، «ثورة الأرز»، وحرب لبنان 2006 البلدين أقرب إلى بعضهما البعض، فأصبحت سوريا تعتمد بشكل متزايد على إيران من أجل الدعم السياسي والعسكري بما أن الأسد كان غير قادر على المحافظة على العلاقات الإيجابية مع الدول العربية الأخرى خلال عهده.
في 16 يونيو 2006 وقع وزراء دفاع كل من سوريا وإيران اتفاقاً للتعاون العسكري ضد ما أسموه «التهديدات المشتركة» التي تشكلها إسرائيل والولايات المتحدة، ولم يتم تحديد تفاصيل الاتفاق، ومع ذلك قال وزير الدفاع الإيراني «أن إيران تعتبر أمن سوريا من أمنها، ونحن نعتبر أن قدراتنا الدفاعية تابعة لسوريا»، وأسفرت الإتفاق أيضًا عن بيع معدات عسكرية إيرانية إلى سوريا، وبالإضافة إلى الحصول على معدات عسكرية، استثمرت إيران باستمرار مليارات الدولارات في الاقتصاد السوري.
في الوقت الراهن، تشارك إيران في تنفيذ العديد من المشاريع الصناعية في سوريا، بما في ذلك مصانع الأسمنت وخطوط تجميع السيارات ومحطات الطاقة وتشييد صوامع، وفي 17 فبراير 2007، اجتمع الرئيسان أحمدي نجاد والأسد في طهران، وأعلن أحمدي نجاد بعد ذلك أنهما سيشكلا تحالفاً لمكافحة المؤامرات الأميركية والإسرائيلية ضد العالم الإسلامي.
في العام 2011، مع اندلاع ثورة السوريين ضد النظام الجاثم على صدورهم لعقود عدة، استنجد بشار الأسد بالإيرانيين لحماية نظامه الدكتاتوري المنهك، استنجد بهم، لقتل أبناء جلدته ووضع حد للمظاهرات الاحتجاجية المطالبة بإسقاط النظام والداعية إلى إقامة دولة ديمقراطية يسودها القانون والمؤسسات ولا مكان فيها لنظام العائلة والمحاصصة.
ولبت إيران النداء على الفور، وأسست ميليشيات مسلحة جديدة في سوريا، عقب جلبها مقاتلين من العراق، وأفغانستان، مقابل مبالغ مالية، ومنذ بداية الحراك الثوري السوري، قاتلت الميليشيات الإيرانية التي يقدر عددها اليوم بـ70 ألف مقاتل ضمن كتائب وألوية تحت راية فليق القدس الإيراني الذراع الخارجية الضاربة للحرس الثوري الإيراني، كلواء زينبيون وفاطميون، والكتيبة 65 من الجيش الإيراني (أصحاب القبعات الخضراء)، وغيرها.
باع بشار الأسد في تلك الفترة، أرض السوريين للإيرانيين مقابل أن يبقى هو على كرسي الحكم، فالرئاسة أهم من حياة مئات الآلاف من السوريين، وأهم من الوطن.
جاء التدخل الإيراني في سوريا إذاً لحماية حليفهم المبجل هناك بشار الأسد، فوفرت طهران قروضاً، ونفطاً، ومساعدات مالية، وأسلحة، وتدريباً في ساحة المعركة، ومقاتلين للحكومة السورية بتوجيه من المرشد الأعلى لإيران، فالمقابل مهم.
مع بداية التدخل الإيراني وإلى الآن، شوهدت الميليشيات الإيرانية في الشوارع والخطوط الأمامية في العديد من المدن والقرى والبلدات السورية، بما في ذلك حلب واللاذقية وحماة ودير الزور، حيث كانت تشرف على معارك لا تُعدّ ولا تُحصى، وكانت الميليشيات الإيرانية الشيعية تحرص على استمرار حكم الأسد، فخلال أكثر من تسع سنوات، كانت هذه الميليشيات الدموية مسؤولة عن قتل الآلاف من السوريين دون شفقة ولا رأفة، فالدموية صفتهم.
من أبشع عمليات القتل ما حصل في مدينة القصير حيث تذكر تقارير أن المليشيات الإيرانية إضافةً إلى جنود نظام الأسد قتلوا وقتها نحو ثلاثة آلاف إنسان من أهل المنطقة، وهو رقم يُعدّ الأعلى في سورية كلها قياساً إلى نسبة عدد السكان.
جرائم قتل جماعي للسكان السوريين العزل، ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد الشعب السوري، ومع ذلك لم تتم حتى الآن مساءلة النظام الإيراني عنها أبداً أمام العدالة، فبشار الأسد منحهم الضوء الأخضر لذلك.
فضلاً عن قتل المدنيين العزل المطالبين بالحرية، وتدمير القرى والمدن الجميلة، عمدت الميليشيات الإيرانية إلى إجراء تغيير ديموغرافي واسع في العديد من القرى والمدن السنّية من أنحاء سوريا للحفاظ على السيطرة والنفوذ الإيرانيَّين، وأشرفت الميليشيات الإيرانية على عمليات التغيير الديموغرافي في سوريا، وهو ما أعادت تأكيده صحيفة الغارديان البريطانية، مستندة إلى تصريحات مسؤولين في الجيش الحر.
تَعمد الميليشيات الإيرانية بمساعدة ضباط جيش الأسد إلى طرد الأهالي من منازلهم ومناطقهم وأراضيهم، وإحراق مكاتب السجل العقاري، وأي أوراق تثبت ملكيتهم للمنازل والأراضي، وإسكان عائلات ومقاتلين ميليشيويين في هذه المناطق، وما يحدث في محافظة دير الزور، ومنطقة البوكمال بالتحديد أكبر دليل على ذلك.
بعض الأهالي حاول العودة إلى مناطقهم خاصة في حمص وإدلب وداريا وفي ريف دمشق الغربي، لكن نظام بشار الأسد اعتبر أنهم لا يملكون الأوراق الثبوتية التي تثبت أنهم كانوا يعيشون في هذه المنطقة في الواقع، كل ذلك حتى يحافظ حلفائه الإيرانيين على مناطق نفوذ يمكنهم حكمها، إضافة إلى خلق امتداد جغرافي لهم مع لبنان، وإجراء فصل طائفي تام.
جدير بالذكر أن جريمة التغيير الديمغرافي وعمليات التهجير الجماعي، تعتبر من أكبر جرائم العصر في سوريا، وقد كانت إيران الفاعل والجاني الأساسي فيها، وباتت ملفاً حقوقياً يلاحق إيران في المحافل الدولية.
صواريخ الميليشيات الإيرانية التي كانت تسقط بشدّة، خلفت دمارا كبيرا في العديد من المدن السورية، أهمها حلب التي دمرها قاسم سليماني، فلم تسلم البيوت ولا المستشفيات والإدارات والمؤسسات العمومية ولا حتى المدارس ودور حضانة الأطفال.
جميع المباني كانت تحت القصف الهائل والمستمر، فالهدف قتل أكبر عدد ممكن من السوريين وتهجير من بقي حياً وتدمير البيوت حتى لا يعود أحد إلى هناك، وتصبح مفاتيح المدينة في يد الإيرانيين بمباركة نظام بشار الأسد، ومن أفظع جرائم ميليشيات إيران بعد قتل الصغير والكبير في سوريا هو تدميره المسجد الأموي في حلب والذي تجاوز عمره 1300 سنة.
من الصور التي ستبقى راسخة في ذهن السوريين الأحرار، وكل شخص حر في العالم، صور أهالي مدينة مضايا بريف دمشق، حين حاصرهم قاسم سليماني وميليشياته الإيرانية، ويذكر أن هذا الحصار تسبب في وفاة عشرات المدنيين نتيجة لانقطاع الطعام والشراب من بينهم أطفال ونساء.
كما أدت الحملة العسكرية على مدينة الزبداني عام 2015 للجوء معظم سكانها إلى بلدة مضايا المجاورة، وقامت قوات النظام حينها بقصف مضايا بالبراميل المتفجرة، وفرضت على المدينة حصاراً محكماً، ووصل الحال بالمحاصَرين إلى درجة أكل القطط والكلاب والحشائش وأوراق الأشجار لسد رمقهم.