نضال العضايلة
تؤدي منطقة الخليج العربي الآن مهمة أمنية مباشرة وحاسمة في تكوين ميكانيكية الربط، الذي برز بصورة واضحة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بين الاستقرار الإقليمي والمصالح الدولية، حيث ظهر أن هناك ارتباط وثيق بين أمن الخليج العربي والنظام العالمي الجديد نتيجة احتلال الخليج العربي موقعاً خاصاً في نظام شبكة المصالح الإقليمية والدولية.
سعت الدول الغربية وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية إلى تأمين منطقة الخليج العربي، ومنع تأثرها بالصراعات الإقليمية (خاصة من جانب إيران)، وذلك بالوجود بالقرب من منطقة الخليج العربي أو داخله.
تنبهت إيران للأهمية الإستراتيجية لمنطقة الخليج العربي، فاحتلت إقليم عربستان العربي (الأهواز) عام 1925، والذي يقع على الساحل الشرقي للخليج جنوب شرق العراق، وبذلك أصبحت إيران تطل على الساحل الشرقي للخليج العربي منذ ذلك التاريخ، بالإضافة إلى الحماية البريطانية وقبل انسحاب بريطانيا من منطقة الخليج.
أصبح الخليج العربي واحداً من أهم ثوابت سياسة إيران الأمنية والإستراتيجية، ليس فقط بحكم الموقع الاستراتيجي للخليج، وإنما بالنظر أيضاً إلى أن المنطقة تمثل مستودع الطاقة العالمي وتمثل المركز الرئيس لثقل الدور الإيراني في المنطقة والعالم.
يبدو أن الثورة الإسلامية في إيران شكلت هاجساً أسهم في توتر علاقات الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع معظم الدول العربية، ومنها الخليجية بالأخص، وكان للمملكة العربية السعودية نصيب من تلك التوترات، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب التي مازالت قائمة حتى اليوم وأهمها:
- الدعم السعودي الواضح للحكومة العراقية في حربها مع إيران، التي امتدت لثماني سنوات.
- التخوف الإيراني الواضح من العلاقات المتينة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.
- التخوف السعودي من فكرة تصدير الثورة إلى الدول العربية.
- التدخل الإيراني الأخير في العراق بعد سقوط نظام “صدام حسين”، وانسحاب القوات الأمريكية لدعم وتمويل التيار الشيعي على حساب الطائفة السنية، هذا ما أثار غضب السعوديين.
- إرسال قوات درع الجزيرة إلى البحرين منتصف عام 2012، لدعم دولة البحرين في مواجهة حركة الاضطرابات التي قامت بها المعارضة في البحرين، وعدَّت إيران هذا التدخل تهديداً واضحاً لها وللفصائل الموالية لها في البحرين، ما أدى إلى توتر العلاقات السعودية – الإيرانية.
كل هذه الأسباب أدت إلى توتر العلاقات بين البلدين وإلى استمرار سياسة عدم الثقة، منذ بداية الثمانينيات وإلى الآن، ولكن هذا التوتر في علاقات الطرفين لم يمنع من وجود تقارب وتعاون بينها، برز في ثلاثة أبعاد، كالآتي:
- زيارات متبادلة بين الجانبين ومن أبرزها زيارات الرئيس الإيراني “أحمدي نجاد” إلى المملكة العربية السعودية: أ. الأولى، في 6 ديسمبر 2005، للمشاركة في اجتماعات القمة الإسلامية الاستثنائية. ب. الثانية، في 16 ديسمبر 2007، لأداء فريضة الحج، (أول رئيس إيراني يقوم بهذه الفريضة أثناء رئاسته). ج. الثالثة، في 17 يناير 2008، للمشاركة في قمة الأوبك د. الرابعة في 2012 منظمة المؤتمر الإسلامي.
- زيادة حجم التعاون الاقتصادي خاصة في مجال الاستثمارات المتبادلة، وكان أبرزها شركة “ساباك” السعودية التي دخلت السوق الإيرانية باستثمارات بلغت بليون دولار في منطقة “عسولية” النفطية.
- التعاون الأمني الذي تأكد مع زيارة وزير الأمن الإيراني “غلام حسين محسن آرائي” للمملكة العربية السعودية، في 18 سبتمبر 2007، والتي أكد خلالها تواصل تفعيل الاتفاق الأمني القائم بين الدولتين منذ عام 2001، وهو التعاون الذي كان له أكبر الأثر في خلق أجواء الثقة التي سادت العلاقات بين السعودية وإيران، منذ عام 2001 حتى الآن.
وفى الآونة الأخيرة اتسمت العلاقات الإيرانية – السعودية بنوع من التوتر الحذر، بسبب الخلافات العالقة بين الطرفين في العديد من الملفات. فقد بدا لافتاً ظهور اتهامات من جانب بعض وسائل الإعلام المحسوبة على النظام الإيراني تتهم المملكة العربية السعودية بدعم الاضطرابات الداخلية في إيران، لاسيما خلال إحياء ذكرى عاشوراء، في يناير 2010، وذلك عبر سفارتها في طهران.
اتسمت العلاقات بين البلدين بالاحتقان الشديد، وإنقطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 1943 بسبب إعدام السلطات السعودية أحد الحجاج الإيرانيين، وقطعت السعودية العلاقات الدبلوماسية مع إيران من جديد في 1987 بعد مصرع أكثر من 400 شخص، معظمهم إيرانيون بسبب الأعمال التخريبية التي قام بها الحجاج الإيرانيين من قطع للطريق واشعال النيران بالمركبات والممتلكات العامة وقتل الحجاج الاخرين بالسلاح الابيض، أثناء أدائهم فريضة 1407هـ الحج، في منى في صدامات مع الشرطة السعودية عرفت باسم أحداث مكة 1987، لكن تمت استعادة العلاقات عام 1991، وقطعتها السعودية مجدداً في مطلع 2016 بعد الهجوم على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران.
حاولت جمهورية إيران الإسلامية في البداية تصدير الثورة إلى دول الجوار وخاصة دول الخليج ومن الأحداث المتأثرة بالثورة الإسلامية الإيرانية ما عرف بأحداث انتفاضة محرم في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية في نوفمبر 1979، وإستضافت إيران بعض المعارضين السعوديين الشيعة داخل أراضيها.
عاد التوتر من جديد بين البلدين بعد وصول الرئيس المحافظ أحمدي نجاد للسلطة ومع تطور البرنامج النووي الإيراني و سيطرة الأحزاب الشيعية المتحالفة مع إيران على السلطة في العراق الجار الشمالي للسعودية.
قامت السلطات السعودية في الثاني من يناير عام 2016 بإعدام 47 شخصاً بتهم متعلقة بالإرهاب، معظمهم مرتبطون بتنظيم القاعدة، إلا أن أربعة من المتهمين كانوا من الشيعة وأبرزهم نمر النمر وهو عالم دين شيعي سعودي ذو نشاط سياسي معارض وله روابط بالنظام الإيراني.
أثار إعدام النمر موجة ردود فعل بين الشيعة في الشرق الأوسط عموماً وفي إيران خصوصاً، حيث أدانت إيران عملية الإعدام، وتوعدت السعودية بأن تدفع الثمن غالياً.
هاجم المئات من المتظاهرين الإيرانيين مبنى القنصلية السعودية في مدينة مشهد وقاموا بإضرام النيران في أجزاء منها وإنزال العلم السعودي، أما السفارة السعودية في العاصمة طهران تعرضت لاقتحام من متظاهرين وقاموا بتهشيم الأثاث وزجاج النوافذ وقام بعضهم بنهب محتويات السفارة قبل أن تقوم الشرطة الإيرانية بتفريقهم.
وفي اليوم التالي، الثالث من يناير، أعلن وزير الخارجية السعودية عادل الجبير قطع العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض، وطالب أعضاء البعثة الدبلوماسية الإيرانية بمغادرة السعودية خلال 48 ساعة.