«التسليق» مشتق من كلمة تعود الى نبات اسمه «السليقة» ينمو في البرية، ويعتمد على كمية الامطار المتساقطة في الشتاء. انه عادة اجتماعية شعبية ورثَتْ من الأجداد والآباء، بحيث يخرج النساء ومعهن شابات وحتى الرجال والأطفال يحملون اكياسا كبيرة الى جانب سكين متين للبحث عن «الكنز الأخضر» كما يسمونه أهالي البقاع الأوسط، وتحديدا منطقة سهل البقاع والخيارة.
أنواع هذه النباتات كثيرة وهي: الفدرية او «البلغصون» القُرّة، الجرجير والزعتر البري، السليقة، الروكا، الرشاد، الحمّيْض، وبعض الأعشاب الطبية – العطرية، والتي تعدّ من اهم المواد التي تضاف الى الطعام اثناء الطهي، كونها تعطي مذاقا لذيذا الى جانب كل من القصعين، الهليون والزوفا، ومن لا يعرف المردكوش الذي يُلْحق بـ «الكبة النيّة» التي تشتهر بها زحلة، وكيس الراعي والشمّر والاقحوان الذي يصنع لعلاج نزلات البرد والرشح وغيرهما، إضافة الى الخبيزة وهي تعد من النباتات المجنية.
بالإشارة، الى ان الدراسات أظهرت ان الأشخاص الذين يتبعون في غذائهم هذا النمط النباتي، يعمّرون أكثر ويتمتعون بصحة قلب أكبر بحسب اختصاصية التغذية جاكي كسابيان.
الازمة والبحث عن بدائل غذائية
مع اشتداد الازمة الاقتصادية، و»الهستيريا التحويلية» لأسعار الخضر من جهة، وبسبب غياب الرقابة على هذا القطاع من جهة أخرى، بحيث كل بائع يبيع بالسعر الذي يحلو له، فمثلا: سعر ضمة او رزمة البقدونس بـ 10000 آلاف ليرة، وحتى الخس وصل سعر الواحدة الى 30000 ألف ليرة.
هذا الامر وسواه من الأمور، والتي أضحت تُثقل كواهل اللبنانيين، دفعتهم الى البحث عما يسمى بـ «الرزق الموسمي» لجمع ما تيسر من هذه النباتات، كما تُطهى شأنها شأن أي نوع من الخضر، أي مثل الهندباء والسلق وغيرهما. الجدير ذكره في هذا الإطار، ان هذه الأنواع اخترقت سوق الخضر التجاري بقوة، فالمزارعون يأتون من القرى بأكياس كبيرة محمّلة بهذه النباتات تمهيدا لبيعها في مناطق الحمرا، رأس النبع، وطى المصيطبة والاشرفية، حيث تأتي نسوة يحملن اكياسا كبيرة من الخيش، ويفترشن رصيف أحد المحلات «بالمونة او الاملية» ويجلسن حتى يبعن كامل الكمية. هذا ان دلّ على شيء، فيدل على أهمية هذه النباتات لغناها بالفيتامينات والعناصر الغذائية الكاملة.
غلة وفيرة والرزق على الله
شِمْلا سيدة من عرب البدو «الفاعور»، تأتي بما تيسر لها من ريع الأرض، بالإشارة الى ان هذه الأنواع ليس بالضرورة تزرع كمحصول ، وانما تخرج من باطن الأرض، والنسوة يقمن بمسح المساحات الواسعة من السهول للبحث عنها وبالتالي قطافها.
تعمد شِمْلا الى بيع ما تيسر لها في منطقة فسوح، وتقول لـ «الديار»: «منذ أكثر من عشرين عاما آتي الى هذه المنطقة»، وبالتحديد هذا المكان الذي تتحدث عنه «بأريحية» امام أصحاب المحلات التجارية كونها على علاقة وثيقة بهم.
وتتابع: «ابيع الخس والجرجير والزعتر البري، السليقة والفدرية «البلغصون» و»العكّوب»، متباهية برزقها الطازج والخالي من المواد الكيميائية. وتقول: أهالي هذه المنطقة يصرون ان أمرّ ولو في الأسبوع مرة على الأقل وخاصة قبل نهاية الأسبوع، حيث تعمد العائلات الى تحضير مائدة عائلية يجب الا تخلو من عصورة «البلغصون»، والسلطة وصحن «الفدرية» الذي يقلّب بزيت الزيتون»، مشيرة الى «ان بعض العائلات تعطيها بدل ايجار النقل كونها تأتي من مكان بعيد».
طعام صحي قليل السعرات الحرارية
يلفت اختصاصي التغذية طه من راما جيم الى أهمية هذه النباتات، كونها مكتملة العناصر الغذائية ومنخفضة السعرات الحرارية. ويذهب الى ابعد من ذلك بوصفه لها بـ «الحارقة»، لان بعض العناصر الموجودة في الجرجير والخبيزة والهليون واكليل الجبل تحفز الجسم على حرق الدهون، باعتبارها غنية بفيتامينات تساعد على هضم الكربوهيدرات والبروتينات والدهون، وعدم تخزينها في أماكن غير مستحبة مثل البطن والارداف.
ما سر هذه النباتات الغذائية والصحية؟ يجيب اختصاصي التغذية معدداً انواع الاعشاب:
- العكوب: هو اكلة شعبية، ينحدر من عائلة استراسيا، وهو عبارة عن نبات بري شوكي معمّر، ويعود لأكثر من 2000 سنة ويتميز بجذوره السميكة، وينمو بعد الامطار الخريفية وخلال فصل الشتاء، ويبقى متوافرا حتى أواخر الربيع، وهو طعام لذيذ ويتفنن في طبخه تارة مع زيت الزيتون بتدبيله فقط، او بإضافة الكينوا اليه كسلطة.
اما على المقلب الطبي، يوظف هذا النبات في علاج امراض الكبد، القلب والسكتة الدماغية، ويدخل في علاج البهاق، كما يتميز بعلاج آلام الصدر ومكافحة الطفيليات، ومضاد جيد جدا لعوامل الاكسدة، وله ارتباط متين في محاربة الامراض المستعصية كأمراض ارتفاع ضغط الدم والسرطان.
- الخبيزة: يقال عنها فيها غذاء ودواء، وهي عبارة عن نبات ذات أوراق متوسطة يصل ارتفاعها الى 50 سم، ويغطى بشعر صلب يشبه النجمة، ولها فوائد غذائية وجمالية وعلاجية، كما انها غنية بالبوتاسيوم والحديد والسيلينيوم وفيتامين «أ» وفيتامين «س». يتم طهي الخبيزة من بعد غسلها جيدا مع البصل، كما انها لا تأخذ وقتا لتجهز، ويضاف اليها الحامض ما يعطيها طعما لذيذا. وبعض العائلات تضيف لها الحمص او تطهو الى جانبها الأرز بالشعيرية او البرغل بديلا عن الخبز.
يشار الى ان هذه النبتة كانت تستخدم في التداوي والطب البديل، ولها خاصية معالجة الالتهابات النسائية، وتتميز بسرعتها على التئام الجروح والكدمات، ومضادة للبكتيريا والفيروسات، وتقاوم علامات التقدم بالسن وتحارب مظاهر شيخوخة البشرة كما انها شاي لذيذ ومهدئ للأعصاب وتحسن المزاج وتساعد على الارتخاء والنوم وتحارب الإرهاق والتوتر.
- السليقة: مصطلح لغوي في الأصل، بحيث يرادفها معنى الفصاحة او عدم التكلف في صناعة الكلام الفصيح، او يصنع المتكلم جملا عجيبة، ويقال امرأة سِلْقَة أي طويلة اللسان. اما عن هذه النبتة فهي متعددة واهمها الدردار، وتتميز بانبساط أوراقها الخضراء على الأرض على شكل دائري، يتوسطها قرص احمر اللون وتُطهى بالزيت والبصل والحمص ويضاف اليها الحامض، ما يجعل طعمها لا يقاوم، والبعض يضيف العدس والقمح، فتمد الجسم بالطاقة وتتميز باحتوائها على الحديد.
- الجرجير: عدا انه طعام صحي يتميز باحتوائه على فيتامين K A، C والكولاجين الطبيعي، ما يجعله يدخل في صناعة المواد التجميلية للشعر والبشرة، والبتاكاروتين، االبيتاكاروتيد المضادة للأكسدة، ويحمي من الإصابة بالأمراض السرطانية ويخفض ضغط الدم.
- البردقوش واكليل الجبل: في الحقيقة الفوائد الجمالية والغذائية لهاتين النبتتين لا تعد ولا تحصى.
- البردقوش: عدا انه نبات عطري ويستخدم كمادة عطرية على نسق البهارات، ما يضفي نكهة لذيذة، إضافة الى كونه عبارة عن نبات مطهر للبشرة ولها خصائص علاجية فريدة، خاصة تلك التي تتعلق بالجلد مثل: الاكزيما وحب الشباب والصدفية، ويعالج اوجاع البطن أيام الدورة الشهرية، ويخفف من حدة نزلات البرد وامراض الشتاء.
- اكليل الجبل او الروز ماري: اكليل الجبل او حصى البان او ندى البحر أسماء كثيرة لهذه النبتة، وتتميز بأنها دائمة الخضرة، وتنتمي الى عائلة النعناع. ما يجدر ذكره، ان معظم ادوية تساقط الشعر تحتوي على الروزماري لخصائصه الجبارة التي تعمل على الحد منه، كما تساهم في تطويله للراغبات في ذلك، وللرجل يستخدم مغلي بإضافة عدة حبوب من القرنفل للحد من الصلع ولإنبات الشعر كبديل عن مستحضرات، MINOXIDIL والتي بات سعرها حوالى مليونين ليرة لبنانية. بالإشارة الى ان معظم المنتجات العالمية تحتوي على هذه النبتة لعناصرها المميزة في هذا الإطار.
الى جانب امتلاكه خصائص مضادة للسرطانات، وغيرها من الأمور المهمة والفريدة والتي قد تكون في متناول الجميع بعيدا عن المستحضرات الباهظة او المقطوعة او مقلدة او حتى منتهية الصلاحية.
الطبيعة موجودة دائما ويمكن العودة اليها متى أراد الانسان ذلك، لا شيء مستحيل سوى الموت، عدا ذلك الانسان حكيم نفسه.