رغم ما تفرضه التطورات العسكرية جنوب لبنان من اهتمام داخلي ودولي، وما يمكن أن يذهب إليه الميدان بعد مسارات التهديد الإسرائيلي وردّ المقاومة عليه بالمثل، بقي ملف رئاسة الجمهورية على حاله من الركود رغم ما تسعى إليه المعارضة من تحريك غير موفّق لملف بات واضحا الانقسام حول آلية تفعيله بالطريقة الدستورية الصحيحة؛ والتي تبدأ من بديهيات الحوار الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري بوصفه الممر الإلزامي للخروج من عنق أزمة الرئاسة.
زوار رئيس المجلس ينقلون عنه ان ما يجري على جبهة الجنوب بتجاوز بخطورته أي استحقاق، مع أهمية إنجاز انتخاب رئيس للجمهورية إلّا ان، والكلام لمقرّبين من بري، ما تسعى إليه المعارضة يأتي لذر الرماد في عيون الرأي العام اللبناني، بعد تعنّتها بعدم الانصياع الطوعي لحوار من شأنه أن يفكك عقد الخلاف بين القوى السياسية الفاعلة.
وتقول المصادر بدل أن تحمل ما تسمّى بمبادرة ينقلها ممثلو المعارضة الى الأطراف اللبنانية ملامح حل، تقرّب وجهات النظر وتضيق مساحات الخلاف لتفتح باب الحوار والتفاهم، أتت لتكحلها فعمتها؛ نظراً لما تحمله من تناقضات لا تستوفي لوازم خريطة الطريق، خصوصاً ما طرحته القوى المسيحية، وبالأخص حزب القوات اللبنانية، الذي يدفع باتجاه زيادة التعقيدات المحيطة بالاستحقاق برفضه مبادرة الثنائي للحوار البنّاء.
وتشير المصادر الى ان أسمى تجليّات هذا التعقيد المرتبط بالورقة الاستفزازية التي حملها سعاة بريد القوات اللبنانية، هو رفض كتلتي الثنائي الوفاء للمقاومة والتنمية والتحرير استقبال وفد المعارضة وإرجائه الى أجل غير مسمى، استنادا الى تبريرهما لموقفهما بالقول : «إن ما تحمله ورقة المعارضة لا يرقى إلى مستوى مبادرة، بل هو أقرب إلى مناورة تهدف إلى رمي كرة المسؤولية لدى الطرف الآخر واتهامه بالتعطيل».
أوساط الثنائي ترى أن من يريد تقديم مبادرة يجب أن يوفر لها فرص النجاح، وهو ما يتطلب منه مد يده إلى الطرف الآخر، أو على الأقل تلقّف يده الممدودة، بدل الاستمرار في استفزازه والتصويب عليه، كما يفعل حزب القوات اللبنانية حصرا، ويتماهى معه بعض من كان على طاولة معراب من نواب دورهم اطلاق النار السياسي لا أكثر ولا أقل.
تتابع الأوساط المقرّبة من حركة أمل وحزب الله أن الثنائي لا يحتاج لشهادة حسن سلوك سياسي وسيادي ووطني من أحد، وما إيمانه وقناعته بالحوار، إلّا دليل على أن مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، سابقة للفراغ الرئاسيّ، وأن من عطّلها منذ اليوم الأول هو نفسه الفريق الذي يحاول أن يتهم غيره بالتعطيل اليوم، بل إنّه يتباكى على مجرد اجتماع لا يقدّم ولا يؤخّر، في حين أنه من يرفع الفيتو في وجه الحوار الحقيقي، يعقّد الأمور ولا يسعى لإحداث أي خرق في جدار أزمة الرئاسة.
وفي وقت ينتاب المقرّبين من الثنائي الوطني شكٌ بحسن نيّة المعارضة في المبادرة التي أطلقتها، واصفين إياها بالمناورة المكشوفة لانقسام أطرافها في الجوهر رغم التوافق في الشكل، غامزين من قناة رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع تحديداً، يؤكد المقرّبون من المعارضة على أن الأخيرة موحّدة ومتضامنة ومتقاطعة رغم زعم الثنائي حسب توصيفهم.
من هنا يتبيّن ان ما تشهده البلاد من حراك مشتّت أحيانا ومتضامن حينا آخر، ان فجوة الانقسام تزداد اتساعا ولا سيما ان أولويات المرحلة تتطلب موقفا وطنيا، يلامس نتائج التطورات الميدانية وتهديدات الكيان الإسرائيلي ومواجهته وليس الاختباء خلف ملفات داخلية؛ يحمل كل طرف مسؤولية تعطيلها لطرف آخر. فيما تذهب أوساط محايدة لاستنتاج قد يكون هو المرجّح انتظاره، أي كلمة السر التي قد تنطلق من وسط التسويات المنتظرة على المستويين الإقليمي والدولي وخاصة بين دول محور المقاومة وعلى رأسها إيران ودول التطبيع مع الكيان الإسرائيلي وعلى رأسها الخماسية الدولية وفي مقدمتها فرنسا وأميركا.