على وقع انهيار الليرة اللبنانية، وتآكل القدرة الشرائية للمواطنين، ودّع أكثر من نصف الشعب اللبناني حياة الرفاهية بحدها الأدنى، ليتبدل أسلوب العيش ويصبح الإنفاق محصورا بالضرورات لأكثر من 75 بالمئة منهم، هو رقم يؤكد عليه تجار الجملة والتجزئة.
ويفند الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، الظواهر الدالة على تراجع النمط الاستهلاكي للبنانيين من خلال الأرقام والنسب.
وانطلق من ظاهرة العمالة المنزلية، وهي أحد أهم المؤشرات على تبدل النمط الاجتماعي، فبحسب الأرقام، غادرت لبنان 100 ألف عاملة من أصل 270 ألفا، نتيجة عدم قدرة المواطن على دفع الراتب الشهري للعمالة المنزلية، الذي يقدر بحوالي 150 دولارا، إضافة إلى نفقاتها الشخصية من تذكرة السفر إلى التأمين الصحي وغير ذلك.
ظاهرة أخرى يضيفها شمس الدين، تتجسد بتراجع سفر العائلات اللبنانية من أجل السياحة، حيث كانت حوالي 700 ألف عائلة تسافر سنويا، ومنهم لعدة مرات.
أما اليوم، فقد أصبح هذا الأمر من المستحيلات بسبب تغير سعر الصرف، حيث كانت تكلفة الرحلات سابقا بمعدل 1500 دولار إلى 2000 دولار، أي بما يعادل اليوم مبالغ طائلة، مما يعني أن حلم السفر أصبح بعيد المنال لنحو 95 بالمئة من العائلات اللبنانية.
وبحسب شمس الدين، فإن هناك ظاهرة لا تقل أهمية عن سابقتيها، وهي اقتناء السيارات الفارهة، حيث كان يعمد بعض اللبنانيين إلى تغيير سياراتهم بشكل دوري.
ففي العام 2018، استورد لبنان 33000 سيارة فارهة، لكن هذا الرقم انخفض إلى 21000 في العام 2019، فـ6200 سيارة في العام 2020.
أما في الأشهر الثلاثة الأولى من 2021، فلم يستورد لبنان سوى 600 سيارة، إذ أن اقتناء سيارة جديدة قد يكلف بالحد الأدنى قرابة الـ15000 دولار.
وفيما يتعلق باستيراد الألبسة والأحذية، فقد تراجع إلى 70 بالمئة، وبالنسبة للهواتف الخلوية التي كان لبنان يستوردها كل عام بقيمة 170 مليون دولار، تراجع استيرادها اليوم إلى 60 مليون دولار.
ويتابع شمس الدين بأن تغير النمط الاستهلاكي طال أيضا الغذاء، إذ انتقلت الناس إلى استبدال السلع الغذائية بأخرى أقل تكلفة، فعلى سبيل المثال عند حلول عيد الفصح عند الطائفة المسيحية، لم تصنع 45 من الأسر حلوى العيد، في حين أن 35 بالمئة صنعت الحلوى بجودة أقل.
أما 15 بالمئة لم تغير عادتها، إنما صنعت كميات أقل من الحلوى، فيما لم تبدل 5 بالمئة من الأسر عاداتها في صنع الحلوى سواء من ناحية الكمية أو النوعية.
وفيما يتعلق بالمجوهرات والحلى، يقول شمس الدين إن مبيعاتها تراجعت بنسبة 80 بالمئة، كذلك الأمر بالنسبة إلى الساعات غالية الثمن. فالمحال كانت تبيع شهريا أكثر من 15 ساعة يد، فيما انخفض البيع اليوم إلى ساعتي يد.
ويتخوف الباحث من أن استمرار الأزمة الاقتصادية وانخفاض القدرة الشرائية سيضع لبنان ضمن قائمة الدول الفقيرة والمعدمة.
اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء
من جانبه، وفي حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية”، اعتبر الاستشاري والباحث في التنمية المستدامة كميل حاماتي، أن الهوة بين الطبقات الغنية والفقيرة في لبنان ليس بجديد، ولكن هذه الهوة توسعت وارتفعت نسبتها إلى حدود ملحوظة بسبب الأزمات المتتالية التي يمر بها لبنان.
وللفساد والمحاصصة الدور الأكبر في ذلك، بحسب حاماتي، الذي لفت إلى أن تعذر الحصول على السلع طال الفقراء والأغنياء على حد سواء، “ليس بسبب عدم قدرة هؤلاء على شراء المواد، بل بسبب عدم توافرها في السوق اللبنانية”.
وفي الوقت نفسه، نوه إلى أن الأمن الغذائي للفقراء “مهدد لعدم قدرتهم على شراء المواد الغذائية الأساسية، مما سيكون له تداعيات كبيرة على صحتهم على المدى البعيد، فضلا عن عجزهم عن شراء الأدوية الأساسية”.
وأضاف حاماتي أن الشرخ بين الطبقات الاجتماعية له انعكاسات سلبية، كزيادة معدلات الجريمة، “وهو ما يحصل اليوم”.
ويرى الاستشاري أن “التكافل والتضامن الاجتماعي هو الحل الأنسب اليوم، في ظل غياب أية مبادرات من المعنيين، بالإضافة إلى ضرورة تفعيل دور جمعيات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية”.
ويشير إلى أن الحل على المدى البعيد، يتجسد بـ”ضرورة العمل على زيادة الوعي الاستهلاكي عند المواطن، وبفصل الصورة النمطية الاجتماعية بين البذخ والحياة على قدر مدخول الفرد”.