تقدَّمَت وزارة الطاقة خطوة نحو الأمام في ملفّ ضبط استهلاك الكهرباء في مخيّمات النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين. والتقدُّم تمَثَّلَ بالبحث مع منسِّق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية عمران ريزا، ومديرة شؤون الأونروا في لبنان دوروتي كلاوس، في “ضرورة معالجة موضوع دفع فواتير استهلاك السوريين والفلسطينيين للكهرباء”، على حدّ تعبير وزير الطاقة وليد فيّاض.
ورغم تشكيل لجنتين تُعنى إحداهما في متابعة مخيّمات السوريين والأخرى مخيّمات الفلسطينيين، إلاّ أن خطوات كثيرة نحو الخلف، تعيق تحويل التقدّم النظري إلى إنجاز عملي ينتهي بضبط حجم استهلاك المخيّمات وتدفع وتحصيل الكلفة. الأمر الذي يعني استمرار الوضع على ما هو عليه بغياب الإصلاح الداخلي والقرار الدولي بتغطية الأكلاف المتراكمة. (راجع المدن).
الاستعداد للحلّ
أخذَ فيّاض على عاتقه لفت نظر الممَثِّلَن الأمميَّين “للوضع الطارىء لهذا الملف”، وفق ما أكّده بعد اللقاء الذي جرى اليوم الإثنين 12 حزيران في السراي الحكومي، وضمَّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والمدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك، ورئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني باسل الحسن، إلى جانب ريزا وكلاوس.
ونتيجة لفت النظر “أبدَيا استعدادهما لمعالجة الموضوع والسعي لإيجاد الحلول”. ويكتسب الملف أهمية مُلِحَّة لارتباطه بالتوازن المالي لمؤسسة كهرباء لبنان. وبالنسبة لفيّاض “لا يمكننا أن نسمح بأن يخلّ هذا الملف بالتوازن المالي للمؤسسة، فتوازننا المالي يأتي أولاً عبر بناء المؤسسات، وكهرباء لبنان كانت على شفير الانهيار وقمنا باستردادها ووضعناها على المسار الصحيح للاستقامة المالية والإدارية”.
الاستعداد للحل، التُمِسَ عبر الاتفاق على تشكيل لجنتين “الأولى تُعنى بمخيّمات السوريين، والثانية بمخيّمات الفلسطينيين”. وأوّل الغيث “اجتماع سيحصل غداً (الثلاثاء) لبحث ملف مخيّمات الفلسطينيين”، ويعقبه الاجتماع الثاني المخصص لمخيّمات السوريين. ولمزيد من الدفع باتجاه الأمام، قال فيّاض أن المؤسسة “أتمَّت وضع نحو 900 عدّاد في مخيمات السوريين”.
الوقائع غير مشجِّعة
اعتادت المؤسسات والإدارات الرسمية اللبنانية تشكيل اللجان، وإن استعصت الحلول، تُشَكَّل لجان فرعية منبثقة عن الأصل، ونادراً ما تصل إلى خواتيمَ إيجابية. وقطاع الكهرباء اختَبَرَ العديد من اللجان والخطط والخطط الفرعية والمشاريع البرّاقة كمشروع مقدّمي الخدمات، لكن من دون جدوى.
وتكشف النتائج استحالة تحقيق إنجازات إيجابية في هذا القطاع نظراً لبنيوية الأزمة غير المستجدّة مع ظهور مخيّمات النازحين السوريين. كما أن المؤسسة والوزارة تناسيا طويلاً مخيّمات الفلسطينيين. وبغياب الإمكانيات لديهما، لا يمكن توقُّع أي تغيير.
ويُستَدَلّ على المراوَحة والثبات في هذا الملف، من خلال عدم تأكيد ريزا وكلاوس رصد الأمم المتحدة التمويل اللازم لدفع فواتير الكهرباء. أو على الأقل، إشارتهم إلى نيّة رفع المطالب اللبنانية إلى الجهات التي يمثّلونها. كما أن الأمم المتّحدة إن كانت جادّة في تأمين التمويل، كان عليها رصد ذلك مع بدء تمويلها لاحتياجات النازحين واللاجئين، فملفّ الكهرباء في المخيّمات مفتوح منذ سنوات.
على صعيد تقني، لا تملك مؤسسة كهرباء لبنان أرقاماً فعلية عن حجم استهلاك النازحين واللاجئين للكهرباء، فكل الأرقام المطروحة منذ سنوات، هي أرقام تقريبية، ومنها الأرقام التي طرحها في العام 2017، وزير الطاقة السابق سيزار أبي خليل، إذ قال أن “مخيمات النازحين السوريين تستهلك 490 ميغاوات يومياً ويكلّفون الدولة ما يزيد عن 330 مليون دولار ويحرمون اللبنانيين من 5 ساعات يومياً من التغذية الكهربائية”.
أما المخيمات الفلسطينية، فيؤكّد المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة، غسان بيضون، أن “لا أحد كان يسأل عن المخيمات الفلسطينية، وهناك فواتير منسية في مؤسسة كهرباء لبنان لبعض المخيّمات، منذ عقود، بل هناك أيضاً فواتير على قوات الردع العربية”. ويدعم بيضون وجهة نظره التي تنفي احتمال إجراء الإصلاحات في هذا القطاع، عبر إشارته خلال حديث لـ”المدن”، إلا أنه “جرى تكليفي في العام 2010 في ديوان المحاسبة، بوضع تقرير حول مؤسسة الكهرباء، وكانت نتيجة التقرير فضائحية، ولم يحصل شيء رغم ذلك”. وكذلك، يستبعد بيضون نيّة الأمم المتحدة لدفع أي أموال للكهرباء.
مشاهد مسرحية
كما جاء رفع التعرفة على اللبنانيين “بصورة ملتبسة وبمخالفات قانونية وأخطاء تقنية”، سيأتي التعامل مع ملف كهرباء المخيّمات. فكلّ ما يحصل في هذا السياق، يأتي في إطار “القول للمجتمع الدولي أننا نقوم بالإصلاحات، ونريد المال. وفي المقابل يدرك المجتمع الدولي في المقابل ما تفعله الوزارة، فيحتجّ بإتمام الإصلاحات لأنه يعرف استحالة إجرائها. وبذلك تكتمل مشاهد المسرحية التي يقوم بها الطرفان”، على حد تعبير بيضون.
بالتوازي، الركون إلى مسألة تحقيق التوازن المالي، واستحضارها في محاولة الضغط على الأمم المتحدة لتغطية كلفة كهرباء المخيّمات، لا يؤتي ثماره لأن المؤسسة والوزارة لا يكترثان لتحقيق التوازن المالي. ولو كان الأمر كذلك، “لقدّمت الوزارة والمؤسسة صورة صحيحة عن كيفية تحقيق هذا التوازن، وذلك من خلال حصر إجمالي النفقات وحجم الإيرادات المرتقب جمعها من التعرفة. وبما أن المؤسسة لم تحقق ذلك، ينتفي مبرّر اعتماد خطة الكهرباء التي وضعت لتحقيق التوازن المالي وتخفيف اعتماد المواطنين على المولّدات الخاصة، فرأينا في النتيجة كيف يسارعون إلى إلغاء اشتراكهم بكهرباء لبنان”.
في جميع الأحوال، يُنتَظَر من الوزارة في المستقبل القريب، الإعلان عن نتائج الاجتماعات مع كِلا اللجنتين، والمباشرة في التحرّك على الأرض لوضع الترتيبات التقنية التي تسمح بضبط استهلاك المخيّمات وفوترتها وجباية الفواتير، وهي مهمّة لم تنجح المؤسسة والوزارة في تنفيذها لعقود، على مستوى المشتركين اللبنانيين. فما الذي سيجعلها تنجح في المخيّمات؟ والأهم من ذلك، هل ستلتزم الأمم المتحدة في تمويل استهلاك الكهرباء في المخيّمات؟
ينتظر فيّاض ردّ الأمم المتحدة. وإلى حينه “لن تُقطَع الكهرباء عن المخيّمات في حال عدم الدفع، وسنعالج الأمر حين نصل إليه، ولا نزال لغاية الآن إيجابيين. ونحن نسعى لإيجاد الحل لدفع الفواتير، وفي النهاية لا يمكننا إعطاء الكهرباء في حال عدم تغطية الكلفة”.